من أورهان جوسكون وجولسن سولاكر اسطنبول/أنقرة (رويترز) - خاضت قوات موالية للحكومة التركية معركة يوم السبت لسحق ما تبقى من محاولة انقلاب عسكري فشلت بعد أن لبت الجماهير دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للنزول للشوارع وتخلى عشرات من المتمردين عن دباباتهم. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن أكثر من 160 شخصا قتلوا بينهم الكثير من المدنيين وأصيب 1440 في أعمال العنف التي اندلعت في وقت متأخر يوم الجمعة بعد أن حاول قطاع من القوات المسلحة السيطرة على السلطة باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية التي هاجم بعضها مقر المخابرات التركية والبرلمان في أنقرة بينما سيطر البعض الآخر على جسر مهم في اسطنبول. واتهم إردوغان مدبري الانقلاب بمحاولة قتله ووعد بتطهير القوات المسلحة التي سبق أن نفذت عددا من الانقلابات العسكرية الناجحة رغم أن آخرها كان من أكثر من 30 عاما. وقال إردوغان - الذي شهد أيضا احتجاجات حاشدة على حكمه قبل ثلاثة أعوام - "سيدفعون ثمنا باهظا لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من الله لنا لأنها ستكون سببا في تطهير جيشنا." وذكر تلفزيون تركي في وقت لاحق بأنه تجري عملية تطهير للقضاء. وقال وزير في الحكومة إن بعض القادة العسكريين لا يزالون محتجزين رهائن لدى مدبري الانقلاب. لكن الحكومة أعلنت أن الوضع أصبح تحت السيطرة بالكامل وقالت إن 161 شخصا قتلوا واعتقل 2839 شخصا بين جنود عاديين وضباط رفيعي المستوى وبينهم من شكلوا العمود الفقري لمحاولة الانقلاب. ولو كانت نجحت محاولة الإطاحة بإردوغان الذي يحكم تركيا منذ 2003 لكانت مثلت أحد أكبر التحولات في الشرق الأوسط منذ سنوات فضلا عن تحول كبير في أحد أهم حلفاء الولاياتالمتحدة بالمنطقة في الوقت الذي تحتدم فيه الحرب على حدودها. لكن فشل محاولة الانقلاب قد يؤدي أيضا إلى زعزعة استقرار بلد عضو في حلف شمال الأطلسي يقع بين الاتحاد الأوروبي والفوضى في سوريا في الوقت الذي يستهدف فيه انتحاريون من تنظيم الدولة الإسلامية المدن التركية وفيما تخوض الحكومة حربا مع انفصاليين أكراد. وتوجه إردوغان الذي كان يقضي عطلة على الساحل عندما وقع الانقلاب إلى اسطنبول جوا قبل الفجر وظهر على شاشة التلفزيون وسط حشود من المؤيدين خارج المطار الذي فشل مدبرو الانقلاب في تأمينه. وفي كلمة لحشد من آلاف المؤيدين في المطار قال إردوغان في وقت لاحق إن الحكومة لا تزال تتولى الدفة رغم أن الاضطرابات لا تزال مستمرة في أنقرة. وقال إردوغان إن مدبري الانقلاب حاولوا مهاجمته في منتجع مرمرة. وتابع قوله "قصفوا أماكن بعد رحيلي عنها مباشرة. اعتقدوا على الأرجح أننا كنا لا نزال هناك." ولطالما كانت علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي له إردوغان متوترة مع الجيش الذي له باع في الانقلابات العسكرية دفاعا عن العلمانية رغم أنه لم يسيطر على السلطة بشكل مباشر سوى في 1980. وأدت رؤيته المحافظة لمستقبل تركيا إلى انصراف الكثير من المواطنين العاديين عنه واتهامه بالاستبداد. واستخدمت الشرطة القوة المفرطة في 2013 لقمع احتجاجات حاشدة تطالب بمزيد من الحرية. لكن إردوغان يتمتع أيضا بإعجاب وولاء الملايين من الأتراك ولاسيما بسبب إعادة النظام لاقتصاد كان يواجه أزمات بشكل متكرر. وارتفع مستوى المعيشة بشكل ثابت تحت حكمه وبينما واجه الاقتصاد مشاكل خطيرة في السنوات الأخيرة فقد سجل نموا بنسبة 4.8 في المئة في الربع الأول من العام مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. لكن من المرجح أن يؤثر العنف على قطاع السياحة الذي يعاني بالفعل بسبب التفجيرات والخلاف مع روسيا الذي يبدو أنه حسم والثقة الهشة في قطاع الأعمال. * خطاب من هاتف محمول في ليلة شابتها الغرابة في بعض الأحيان استخدم إردوغان مواقع التواصل الاجتماعي للحديث إلى الشعب التركي - رغم عداوته المعلنة لمثل هذه التقنيات عندما يستخدمها معارضوه واستهدافه المتكرر لفيسبوك وتويتر. وفي مرحلة ما استطاع إردوغان أن يلقي خطابا للأمة عبر خدمة اتصال بالفيديو وظهر على شاشة هاتف محمول ذكي لمذيعة في قناة (سي.إن.إن ترك) والتي رفعت هاتفها أمام الكاميرا في الاستوديو حتى يتسنى للمشاهدين أن يروا إردوغان. وقال إردوغان إن محاولة الانقلاب تمت بتشجيع من "هيكل مواز" في إشارة لأنصار كولن الذي يتهمه إردوغان مرارا بأنه يحاول تأجيج تمرد داخل الجيش والإعلام والقضاء. وكان كولن الذي يعيش في المنفى الاختياري في الولاياتالمتحدة مؤيدا لإردوغان في فترة ما لكنه أصبح خصما له. ونفى كولن الاتهامات بأنه لعب دورا في محاولة الانقلاب وقال إنه يدينها بأشد العبارات. وقال كولن في بيان "بوصفي شخصا عانى في ظل انقلابات عسكرية عديدة خلال العقود الخمسة الماضية .. فإن من المهين على نحو خاص اتهامي بأن لي أي صلة بمثل هذه المحاولة. وأنفي بشكل قطعي مثل هذه الاتهامات." وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الولاياتالمتحدة لم تتلق أي طلب لترحيل كولن. وبدا أن عملية التطهير تتجاوز الجيش. فقد ذكرت محطة (إن.تي.في) التلفزيونية نقلا عن قرار للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين أن السلطات عزلت 2745 قاضيا من مناصبهم. * الجنود يستسلمون هزت انفجارات وأصوات إطلاق النار اسطنبول والعاصمة أنقرة في ليلة اتسمت بالفوضى بعد أن سيطر جنود على مواقع في المدينتين وأمروا التلفزيون الحكومي بتلاوة بيان أعلنوا فيه السيطرة على السلطة. لكن بحلول الفجر تراجعت أصداء المعارك بشكل كبير. واستسلم نحو 50 جنديا شاركوا في الانقلاب على أحد الجسور عبر مضيق البوسفور في اسطنبول بعد فجر يوم السبت وتركوا دباباتهم ورفعوا أيديهم في الهواء. ورأى شهود من رويترز أنصار الحكومة وهم يهاجمون جنودا مؤيدين للانقلاب بعد استسلامهم. وفي وقت سابق سلم نحو 30 جنديا مؤيدا للانقلاب أسلحتهم بعد أن حاصرتهم الشرطة المسلحة في ميدان تقسيم بوسط اسطنبول. وقد تم اقتيادهم في سيارات الشرطة بينما مرت طائرة مقاتلة مرارا على ارتفاع منخفض مما تسبب في اهتزاز المباني المحيطة وتحطيم النوافذ. وقالت وزارة الأمن العام وحماية المواطنين في اليونان إن السلطات اعتقلت ثمانية رجال كانوا على متن طائرة هليكوبتر عسكرية تركية هبطت في مدينة أليكساندروبوليس شمال البلاد في منتصف النهار يوم السبت. * نواب مختبئون بدأ الانقلاب بطائرات حربية وطائرات هليكوبتر تحلق في سماء أنقرة وتحرك جنود لإغلاق جسري مضيق البوسفور الذي يربط أوروبا بآسيا في اسطنبول. وأعادت السلطات البحرية التركية يوم السبت فتح مضيق البوسفور أمام ناقلات النفط بعد أن أغلقته في وقت سابق من لعدة ساعات في أعقاب محاولة الانقلاب. وبحلول الساعات الأولى من صباح السبت استمر المشرعون في الاختباء في الملاجئ داخل مبنى البرلمان في أنقرة بعد أن تعرض المبنى لإطلاق النار من دبابات. وقال شهود من رويترز إن دخانا تصاعد من مكان قريب. وقال نائب معارض لرويترز إن البرلمان تعرض لإطلاق النار ثلاث مرات وأن أناسا أصيبوا. وذكر مسؤول تركي كبير في وقت لاحق يوم السبت أن الهجمات على البرلمان "توقفت إلى حد بعيد". ومع انقضاء الليل تحول الزخم ضد مدبري الانقلاب. وتحدت الحشود أوامر البقاء في منازلهم وتجمعوا في الساحات الرئيسية في اسطنبولوأنقرة ولوحوا بالأعلام ورددوا الهتافات. وفي حين أخذ أنصار الحكومة في اعتلاء دبابة قرب مطار أتاتورك في اسطنبول قال أحد الرجال "لدينا رئيس وزراء ولدينا رئيس أركان ولن نترك هذا البلد ينهار." وألقى إردوغان ومسؤولون أتراك في محاولة الانقلاب باللوم على أتباع رجل الدين البارز المقيم في الولاياتالمتحدة فتح الله كولن الذي كان يؤيد إردوغان ذات يوم قبل أن يصبح من أحد خصومه ونفت حركة الرجل أي دور في ذلك وقالت إنها تدين أي تدخل عسكري في السياسة الداخلية. وقال جون كيري إنه اتصل بنظيره التركي وأكد "الدعم الكامل لحكومة تركيا المدنية المنتخبة ديمقراطيا والمؤسسات الديمقراطية." ودعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عودة سريعة للنظام الدستوري في تركيا قائلا إنه لا يمكن حل التوترات هناك بالأسلحة. وكثيرا ما تتسم علاقات إردوغان بالاتحاد الأوروبي بالتوتر في ظل قلق التكتل من بعض تحركات إردوغان مثل الحملات على الإعلام التركي. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرو إن باريس "تأمل أن تخرج الديمقراطية التركية معززة بهذا الاختبار وأن يتم احترام الحريات الأساسية." *استئناف الرحلات قال إردوغان إن الخطوط الجوية التركية استأنفت رحلاتها يوم السبت. وسيطر جنود على قناة (تي.أر.تي) الرسمية التي أعلنت حظر تجول على مستوى البلاد وفرض الأحكام العرفية. وتلت مذيعة بيانا بأمر من القطاع المؤيد للانقلاب الذي اتهم الحكومة بتقويض الديمقراطية وحكم القانون. وقال البيان إن تركيا ستدار من "مجلس للسلام" سيضمن سلامة الشعب. وانقطع بث القناة بعدها بفترة قصيرة. واستؤنف بثها في الساعات الأولى من صباح السبت. وتركيا أحد الداعمين الرئيسيين لمعارضي الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية. وتستضيف تركيا 2.7 مليون لاجئ سوري وكانت في العام الماضي منصة انطلاق لأكبر تدفق للمهاجرين على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتخوض تركيا حربا ضد انفصاليين أكراد وتعرضت لسلسلة هجمات بالقنابل وإطلاق النار من بينها هجوم قبل أسبوعين شنه متشددون إسلاميون على المطار الرئيسي في اسطنبول أودى بحياة أكثر من 40 شخصا. وشغل إردوغان منصب رئيس الوزراء منذ 2003 ثم انتخب رئيسا للبلاد في 2014 مع خطط لتغيير الدستور لمنح الرئاسة الشرفية إلى حد كبير سلطات تنفيذية أوسع. (إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية- تحرير سيف الدين حمدان)