سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان حالة غياب الدولة وحضور الفساد (شركة امطار نموذجا؟!).
نشر في السودان اليوم يوم 23 - 02 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
السودان حالة غياب الدولة وحضور الفساد (شركة امطار نموذجا؟!).
عبدالله مكاوي
نكأت قضية شتول النخيل الفاسدة جرحا عميقا، لا يكاد ان يندمل او يطويه النسيان، إلا ويتجدد ثانية، وكأننا امام لعبة قدرية، عنوانها العريض الفساد المديد! وابطالها الاسطوريون يصولون ويجولون علي مسرح اللامعقول السوداني، وكأن شيئا لم يكن. فحادثة شتول النخيل الفاسدة التي شغلت الكثيرين، وسببت دوار للمتابعين لفصولها العجائبية، خلال سابق الايام، اثبتت ان هنالك فراغ علي مستوي المؤسسية، تملأه اعتبارات الظروف والمصالح الآنية، وكذلك فجوات تتخلل المنظومة القانونية، تسمح بالتلاعب والافلات من العقاب. والدليل، ان حادثة كأعلاه لا اظنها تحتاج لأكثر من خطوتين لحسمها، خاصة وهي جريمة تعدٍ ليست مكتملة الاركان فقط، ولكنها تستهدف اقتصاد البلاد اولا، وتقويض سلامتها البئية مستقبليا ثانيا، وكأن جريمة نفايات السدود السامة لا تكفيها؟! والخطوة الاولي طابعها فني أما الثانية فطابعها قانوني، وهذا بالطبع علي اعتبار اننا امام دولة، حتي ولو علي مستوي الحد الادني لمفهوم الدولة الكلاسيكي. وبتعبير آخر، ما يسمي دولة السودان، هي اقرب لدولة البشير الموروثة عن دولة الترابي، بالمعني الحرفي للتعبير! اي هي دولة تتكون من هامش، تشغله مظاهر الدولة الحديثة من مؤسسات وجيش وخلافه، ومتن يمثل المضمون (البناء الفوقي) تجسده الخلفية الاسلاموية لنظام الانقاذ. والحال هكذا، يظهر لنا بوضوح الفارق بين نظام الانقاذ، وغيره من النظم العسكرية التي تعاقبت علي حكم السودان وكأنه ميراثها العائلي! والاصح هي سمة الحكومات الغالبة ليس في افريقيا والمنطقة فحسب، ولكن في معظم الدولة النامية، او بسبب ذلك داومت علي البقاء في هذه المرتبة او ادني منها. وذلك يرجع الي ان المؤسسة العسكرية اكثر مؤسسات الدولة الحديثة قوة (انضباط او منظومة عمل مستقرة) مقارنة ببقية مكونات الدولة، في بيئة اصلا تعاني الهشاشة واطماع النخب، او ما زالت في مرحلة صراع البقاء للاقوياء او ما قبل الحداثة! مما يشير الي ان الحداثة المزيفة (لا تقف خلفها مضامين مرجعية، او مجرد هياكل ونظم فارغة) اخطر وبما لا يقاس من غياب الحداثة ذاتها! المهم، حتي النظم الانقلابية التي تقف خلفها ايديولوجيات عقائدية او قومية او حتي عشائرية، نجدها تحتاج لجهاز الدولة، كناقل او حاضن لمشروعها او ضابط لهندستها السياسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ. بمعني، جهاز الدولة حتي وان كان مخترق بالكامل، ويطاوله الفساد والتوظيف لصالح الطبقة الحاكمة، وتفوح منه روائح العسكرة والمخاوف الامنية، إلا انه يظل جهاز واضح القسمات، والسبب ان الدولة مسبقا تم الاعتراف بها والتعايش في اطارها. وكل هذا علي عكس تجربة السودان، التي وقفت خلفها المرجعية الاسلاموية بنسختها الترابوية الممسوخة؟! فالاسلاموية مبدئيا لا تعترف بالدولة إلا مكرهة، اي تستبطن التمكين وتاليا، الاستباحة لهذه الدولة الحديثة، او الغريبة علي منظومتها الفكرية (الفقهية) والقيمية (ضوابطها هي حدود مصالحها!). ومرد ذلك ان الاسلاموية مرجعيتها فوق الواقع او خارج التجربة الانسانية التي انتجت الدولة! اي تستمدها من الآله مباشرة (كيف لا ندري، ولا هم كذلك؟) كخليفة له علي الارض! وهذه العلاقة ليست سببية كما تتظاهر الاسلاموية او كما تتبناها سردية الخلافة، ولكنها ماهوية (غير مساءلة!) اي كونهم مسلمين (اسلامويين) فتاليا هم مستخلفين او اوصياء علي العالم والآخرين! وعليه، لا يحق لهم التصرف كما يشاؤون فقط، ولكن الشائع من التجربة هو تقمص دور الإله، اي كل خليفة (واحيانا كل اسلاموي) هو إله مصغر بشكل او آخر، او تجسيد له علي الارض او في عالم المشاهدة؟! إذا صح ذلك، فداعش ليس ضيف ثقيل علي الاسلاموية، ولكنه لاوعي الاسلاموية عندما يعمل بوعي! اي الاسلاموية بنسختها الاخوانية هي داعش المعقلنة، او التي استجابت لإكراهات الواقع، بحكم تواجدها واحتكاكها بالدولة والطبقات السياسية، ومعرفتها نوعا ما بتوازن القوي العالمية، الشئ الذي تولد عنه نزعتها البراغماتية! بمعني، الاستجابة لمظاهر تزويقية (تكوين حزب) وشروط تسويقية (دمقرطة اجرائية) ومبررات تسويغية (إدعاء نبذ العنف والقبول بالدولة الحديثة وتداول السلطة!). وهو ما جعلها محببة للقوي العالمية وتربطها بها مصالح مشتركة؟ اي قابليتها للمساومة في كل شئ وعلي كل شئ، علي عكس ما يبدو من وثوقية مبادئها، او بسبب هذه الوثوقية غير الموثوقة او غير السائغة عمليا؟! ولكن عندما تجد الفرصة للسيطرة علي الدولة والمجتمع، وهو عين ما عشناه (كابدناه) في السودان ولفترة قصيرة في مصر! تظهر حقيقة الجماعة المتسلطة وتتعري طبيعتها الارهابية الاستحواذية، وتختفي طروحاتها العصرية وفروقاتها البينية. والحال كذلك، ان ما يسمي فساد بمفاهيم ومعايير وقوانين الدولة الحديثة، هو في حقيقته ريع الجماعة الاسلاموية المسيطرة (المنتصرة!) او رزقا ساقه الله إليها! بمعني آخر، مفهوم او رغبة التملك الخاص هو المبدأ الحاكم للتعامل مع المناصب والوظائف والموارد العامة! وما القوانين واللوائح والاجراءات الحديثة، إلا عوائق يباح تحطيمها، وهذا عندما لا يتم استغلالها وتوظيفها لذات الغايات السامية؟ وعموما، مجمل هذه المسالك والسلوكيات ادت الي ان يصبح الفساد هو القاعدة او الاصل في الاشياء، ولكن بعد ان يجري إلباسه لباس شرعي، يتلفح غطاء المصلحة العامة او المصلحة الشرعية او حماية الدين والعرض او الامة والامن؟!
وما يهمنا هنا بعد تمييع مفاهيم وقيم الاسلاموية للدولة، واخترام آلية التمكين لجهازها، وضرب العقائدية لبني المجتمع الداخلية، تم افراغ الدولة من محتواها او مفاهيم وقيم الحداثة، والمجتمع من حيويته وفرص تعايشه. الشئ الذي مهد الطريق ليس امام الانتهازية السياسية والمجتمعية من كل شكل وصنف، لتسلق جهاز الدولة وقيادة المجتمع فقط! ولكنه افرز لنا ظواهر خطيرة علي شكل الدولة وطبيعة تعاملاتها او وظيفتها، وتاليا علي رؤية المجتمع السوداني ومكانته وسمعته؟! بمعني، بما ان الدولة السودانية يحكمها اللصوص وفق شريعة الغاب، فهذا لم يدرج السودان في خانة الدول الفاشلة ووصم مجتمعها بالارهاب فقط، ولكن الأسوأ انه فتح المجال امام لصوص الخارج للتعامل مع هكذا اوضاع فالتة! وهذه اللصوصية لا يصدف ان ترتدي رداء الدول والدبلوماسية ورجال الاعمال والاستثمار؟!
وبكلام واضح، وبالرجوع للوراء، فالدولة السودانية التي احتلتها المؤسسة العسكرية اطول فترة بعد الاستقلال، كانت دوما ساذجة دبلوماسيا وخصوصا مع الجارة مصر، التي كلما ضربت خد دولتنا الايسر سارعت (ببوس) خدها الايمن، وفي كل الاحوال هي تخدم مصلحتها حصريا، علي حساب ابن النيل الطيب! اي في العموم، لم ترق دبلوماسيتنا الوطنية لعلاقات الندية والذئبية التي تحكم العلاقات الدولية! والسبب كان دوما غياب الشرعية الداخلية، وتاليا انكشاف الدولة السودانية تجاه الخارج! اي الدبلوماسية السودانية كغيرها من شؤون الدولة الاخري، يحكمها تاريخيا قانون، عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! وهو ما اجبر تلك النظم الطاغية، علي ادمان احترام ومهابة الخارج، واحتقار وقمع الداخل؟! ولكن مع الانقاذ انحدرت الدبلوماسية الي مصاف الشحذة والتفريط في الكرامة الوطنية من ناحية، وفتح الابواب امام المغامرين و(الجوكية) واللصوص من كل حدب وصوب، من ناحية أخري. والحال كذلك، علي اكتاف الدولة السودانية ومواردها المستباحة، اغتني اللصوص وتدبلمس (من دبلوماسية) العواطلية، واصبح كل من هب ودب من رجال المال والاعمال، سواء في الداخل او الخارج، ولكن من دون اي مردود علي ارض الواقع، وهذا في حال لم تهدر فرص وموارد وحقوق اجيال المستقبل؟!
وبنظرة عاجلة علي محتوي العقد وشكل البنود، الموقع بين شركة أمطار للاستثمار والحكومة السودانية ممثلة في وزارة الزراعة (راجع المقال المميز للاستاذ ياسر بابكر بعنوان الرواية الكاملة عن شركة شتول النخيل الفاسدة المنشور بصحيفة حريات الغراء) تستبين طبيعة الاستثمار الذي تصدع به الحكومة رؤوس المواطنين في الداخل والمغتربين في الخارج! فهذا النموذج للعقد وتلك الشركة للاستثمار، تمثل فقط قمة جبل الجليد او مجرد شجرة في غابات الاستثمار، التي شرَّعت لها الابواب حكومة الانقاذ؟ وليس مصادفة ان هكذا اجواء استثمار غير شفافة، تستمد مشروعيتها من قوانين استثمارية صممت خصيصا لنهب موارد البلاد، واكل اموال المواطنين بالباطل؟! وهي في الحقيقة تأكيد لما ذكر سابقا، أي كأحد آليات امتلاك املاك الدولة العامة بطريقة خاصة، تبدأ حكومية وتنظيمية وتنتهي عائلية! وما غطاء الاستثمار إلا قميص عثمان، الذي تتخفي خلفه كل الغيلان والثعابين والثعالب، الملتحية منها والعصرية المظهر. وبتعبير آخر، بعد استنفاد ادوات التمكين ومظاهر التدين اغراضها، كان لابد من اجتراح وسائل جديدة لنهب الدولة وجباية المواطنين، خصوصا بعد دمار معظم المشاريع الزراعية والصناعية والهيئات والمؤسسات، وتحول اصولها وارضها لخرائب تنعق فيها البوم! وكذلك بعد تورط معظم قادة النظام الظاهرين في الفساد بطريقة معلومة، وذهاب عائدات البترول الي وجهات غير معلومة؟ بمعني، تم ازاحة الرؤوس الكبيرة من واجهات السلطة، ظنا ان فسادهم وجرائمهم ستزول بمجرد اختفاءهم عن واجهة المشهد الانقاذي، ومن ثم غسيل وجه النظام وتاريخ المنظمين، بمراجعات فطيرة واعتذارات واهية، او بادعاء امتلاك مشاريع اصلاحية وطروحات بديلة، هكذا ضربة لازب! وفي هذه الاثناء يفتح المجال امام العناصر المستترة للظهور، اما العناصر السابقة فيمهد لها للعمل من الباطن، وغالبا تترك لها مسؤولية الاشراف علي هذه النوعية المريبة من الاستثمارات المشبوهة، ومع جهات لا يعرف عنها الاستثمارات او الانجازات! اي اسماء شخصيات وشركات مغمورة، وغالبا يتم سلقها علي عجل! اي يتم نسج شراكة انتفاعية بين نصابين من الخارج، ويفضل ان يعتمروا كوفية وعقال لزوم الخلجنة او (بعث تطمينات باحساس الاموال المبهولة علي قارعة الطريق) وشركاء من داخل النظام، ترتفع اسهمهم حسب تراتيبيتهم التنظيمية وقوة نفوذهم، او ما يقدمونه من تسهيلات ومساعدة علي التجاوزات! وكل هذا يتم كما سلف تحت خيمة او شملة قوانين الاستثمار واغراضها لنهب واحتكار الثروات، وكذلك لاخراج الراسمالية الوطنية من دورة الاقتصاد، واكمال نهج السيطرة الكاملة علي الاقتصاد الوطني، ودون ترك حتي الفتات للآخرين غير المنظمين! والسبب الاساس لتنفيذ مخطط النهب الكامل لموارد البلاد، ليس اقتصادي فحسب، ولكن دوافعه سياسية، تستهدف الديمومة علي سدة السلطة آنيا، والتحوط للمستقبل علي المدي البعيد! خصوصا وان للاسلامويين خبرات طويلة، في تخريب التجربة الديمقراطيىة من مداخل اقتصادية.
وكل المؤشرات او حصاد التجربة، يدل علي ان ما يسمي استثمار ومشاريع استثمارية وجذب للاستثمار وغيرها من هراء الانقاذوية، هو مجرد دعاية سياسية ووعود جوفاء والاعيب لفظية، طالما برعت فيها حكومات الشعارات الاسلاموية، من ناحية! وآليات نصب واحتيال او سياسة للجريمة المنظمة، كاقصي ما تعيه الاسلاموية من مفهوم للسياسية وقدرات للتنظيم، من ناحية مقابلة. علما ان السودان وفي ظروفه الحالية والاصح منذ نكبته بجماعة الانقاذ، وهو يدور في حلقة مفرغة، من الاحتقان السياسي والتردي الاقتصادي والاستبداد السلطوي، والحروبات الطرفية والارهاب المقيم والفساد المستوطن، شأن الامراض والفقر والجهل واليأس! والحال من هذا، فهكذا بيئة لا تمت للاستثمار بصلة، بل مجرد البقاء والعيش فيها يصبح مغامرة وانقطاع عن الحياة، ناهيك ان تجذب استثمار لرأس مال، أكثر ما يوصف به انه جبان، ويحتاج لضمانات شبه كاملة ومردود شبه مضمون. وما يؤكد ذلك، عدم وجود اسماء وشركات كبري ومستثمرين جادين، في كل صفقات الاستثمار المبرمة والتي ستبرم، في هكذا ظروف معادية للاستثمار! والاكثر تأكيد علي ان هذه البيئة غير صالحة للاستثمار، هو تهريب الراسمالية الاسلاموية اموالها (رغم انها منهوبة وليس من عرق جبينها!) الي الخارج، حيث الضمانات كالاستقرار وفرص الاستثمار الحقيقية، او اقلاه هنالك مصداقية للارقام والبيانات والتقارير، لارتباطها بالضرائب والخدمات وقبلها للمؤسسية التي تحكم المنظومة بصفة عامة. والأسوأ من كل ذلك، ان خبرة ومعرفة الراسمالية الاسلاموية وشقيقتها العسكرية بالاستثمار وإدارة الاعمال، لا تتعدي المضاربة والسمسرة وتجارة العملة والاراضي والعقارات والجبايات، وقبلها جميعا ازاحة المنافس لصالح الاحتكارات والعمل كالخفافيش في الظلام! وهذا بالضبط سبب ظهور مليارديرات كالنبت الشيطاني، لا يعلم مصدر اموالها او استثماراتها او مبرارات ثراءها او التزامها بدفع استحقاقات هذه الاموال؟!
وما يلفت النظر حقا، ان المنظومة الاسلاموية لم تنجب رجال اقتصاد من طراز فريد، رغم حرصها علي هذا الجانب من زواية سلطوية وامتيازية طبقية، وبما في ذلك حملة رسالات الدكتوراة والاستاذية من الجامعات الغربية، وليس ادل علي ذلك، من التنظير الفطير والتحايل العلمي والتمسك الاعمي بفرية الاقتصاد الاسلامي (وتفرعاته من بنوك وشركات واستثمارت) وغيره من الخزعبلات الاقتصادية التي تدور في فلك ( من دقنو وافتلو او الفهلوة واحلام الصحيان) وليس معاملة الاقتصاد كعلم بدائل يتعامل مع الندرة، ويحسن توظيف الموارد واستغلالها، مع مراعاة كاملة للاولويات! وما نقصده بالفرادة هو قدرات وابتكارات واسهامات، تستوعب اوضاع البلاد الاقتصادية واحوال العالم المعاصر، وتاليا معرفة افضل البدائل التي يستوجب تطبيقها، والمنظومات الاقتصادية التي تتلاءم ومرحلة البلاد التاريخية. اي ما نحتاجه فلاسفة اقتصاد وليس مجرد اساتذة اقتصاد؟ وقبل ذلك، منحهم الفرصة والمساحة لاتخاذ القرارت الكبري. واكبر دليل علي فقر المنظومة الاسلاموية من الكوادر الاقتصادية، المؤهلة لإدارة اقتصاد البلاد، قبل ان تستثمر فقرها الطبقة السياسية والسطوية؟ ليس الحالة الاقتصادية المتردية فقط، ولكن بصورة اكبر نمو وازدهار الاقتصاد الطفيلي او غير المنتج (ما يرقي لمرتبة العدمية الاقتصادية او اخصاء الاقتصاد كعلم ومناهج) في بلاد اصلا مهيئة للانتاج! وهو ما يتمظهر بدوره ليس في انتعاش سوق الخدمات وتسليعها، ولكن بقدر اشمل في تصميم القوانين الاقتصادية الشائهة، وعلي رأسها قانون الاستثمار والاعفاءات الجمركية والضريبية والتوسع في إصدار الشهادات الحكومية والاستدانة الداخلية والخارجية، وزيادة الضرائب او الجبايات، وإبتكار بدعة تجنيب الاموال، وكل ذلك يتم بصورة مريبة تكاد تكون مقصودة، أي كمدخل للثراء غير المشروع او آلية لشرعنة الفساد؟!
هل قلنا شيئا عن المغترب السوداني، الذي لدغ من جحر الخداع الانقاذوي اكثر من مرة؟ لدرجة تجعله يفضل المقامرة بامواله في البورصة، من المغامرة باستثمارها في وطنه، المحتل بجشع ونهم السلطة، واحتيالها لاخذ كل درهم او دولار يجري بين يديه، وهذا ان تبقت له اموال اصلا، وهو يعول اسرته الصغيرة في الخارج والممتدة في الداخل، بعد ان رفعت الانقاذ يدها عن كل الخدمات، والاصح بعد ان اصبحت تستثمر فيها! والمؤسف غير تردي مستواها من كل النواحي، إلا انها محكومة بعقود الاذعان المجردة للزبون من كل الحقوق.
وبكلمة مختصرة، ان اكبر مدخل للاستثمار المفضي للثراء الفاحش وغير المجهد، هو المنصب الحكومي والعلاقات التنظيمية والاسرية، بالعائلة الحاكمة. لدرجة اصبحت فيها سيرة الاستثمار تثير الاشمئزاز، قبل تحسس مواطن الفساد ومداخل نهب ثروات البلاد! وهو ما يدعونا للقول، ان افضل استثمار في هكذا اوضاع، هو ترك الاستثمار، والاكتفاء بما نهبته الحكومة من اموال، رحمة باجيال المستقبل.
وعلي العموم، باب الاستثمار افضل من يطرقه او يحسن الحديث فيه، هم اهل الاقتصاد ورجال المال والاعمال واصحاب التجارب والخبرات، ولكن هنالك جوانب تهمنا في قضية شتول امطار الفاسدة وتتعلق بالآتي:
اولا، ان القضية اثيرت بما يشبه الصدفة، ليتكشف بعدها هذا الكم المهول من التجاوزات والهدر المالي والفساد الذي يفوق سوء الظن العريض، ولولا معرفتنا باحوال الصحافة المستقلة في الداخل، وما يحيطها من حصار امني وخطوط حمراء قانونية، لتوقعنا فتح باب للرياح، تجاه نبش ملف الاستثمار وشركاته في عهد الانقاذ الحاكم بشرعة هي لله؟!
ثانيا، هذه القضية اثبتت ان مؤسسات الدولة، رغم هامشيتها وتدجين مخالبها النقابية وتسييس قياداتها ومناهجها الادارية، إلا ان هنالك كوادر وطنية ومهنية وعلي درجة عالية من النزاهة والمصداقية، رغم العوائق والصعوبات التي توضع في طريقها، وليس اقلاها التهميش والنقل التعسفي وصولا للفصل الجزافي دون حقوق، وهذا ناهيك عن ضعف المرتبات ووقف الحوافز والبدلات، إضافة الي نقص الاجهزة والمعدات والتدريب والبعثات، وشح اموال التسيير وتسرب النفقات في الملذات والدعايات والمهرجانات، وغيره مما يعكس التردي الذي طال ظروف العمل بصفة عامة. وكل هذا غير تدخل السلطات السياسية في قراراتها وترقياتها، وصولا لحرمانها الاستقلالية، ليس في ترتيب العمل الاداري او اتخاذ الاجراءات ذات الصلة، ولكن الاسوأ التدخل في القرارات ذات الطابع الفني؟ مما يدل علي ان الفساد تجاوز الشكل التنظيمي الي الاسس المرجعية! وهو الاخطر، لانه يقود الي تحطيم السياج الحامي للدولة والمجتمع. المهم، وجود هذه الفئة الصالحة في قلب بيئة الفساد، يؤكد ان جذوة التغيير متقدة، او اقلاه الإلتزام المهني والوطني متوافر، الشئ الذي يفتح كوة امل، نحو تضافر جهود المؤسسات الاعلامية والكوادر المهنية الوطنية في كل مؤسسة، و ما راكمته منظمات المجتمع المدني من خبرات العمل في هكذا ظروف معقدة، للحد من غول الفساد وتغوُّل ثقافته، لحماية ما تبقي من ممتلكات الدولة وقيم المجتمع من ناحية، والضغط تجاه تغيير قوانين الاستثمار، وفرض الشفافية في كل ما يخص موارد الدولة الداخلية وعلاقاتها الخارجية، وسلك كل الطرق القانونية والتنظيمية من اجل إسترداد ما تم نهبه، من جهة مقابلة. وهذا بدوره يدفعنا لتوجيه صوت شكر وإشادة، للدكتور كمال عبدالمحمود والدكتورة (الكنداكة/مهيرة) مرمر عبدالرحمن، ولكل العمالين بالهيئة العامة للوقاية والحجر الزراعي ولجانه المكونة، وكل الجهات ذات الاختصاص، التي قاومت الضغوطات، من اجل القيام بدورها واداء مسؤوليتها الوطنية علي اكمل وجه. والذين بدورهم ردوا جزء من الثقة المفقودة، في مؤسسات تعمل في كنف سلطة غير جديرة بالثقة مطلقا كالانقاذ. ولو ان ذلك لا يمنع الاشارة لثغرات وخلل بيَّن في عمل هذه المؤسسات واللجان، ويتضح بصورة جلية من خلال سير هذه القضية، وابرز ملامحه الخفة او التعامل ببساطة مع قضايا علي هذا القدر من الحساسية، وهو ما يخالف بنية النهج العلمي الذي يفترض ان يحكم عمل هكذا جهات فنية. ويتمظهر ذلك في ارسال شخصين للمعاينة، ولكن من غير معينات او تسهيلات لا مختبرية ولا تنسيقية مع دولة المنشأ! وكذلك السماح بدخول الشتول مطار الخرطوم دون وثائق معملية او نتائج عينات مسبقة، بل والسماح لها بمغادرة المطار غير المهيئ اصلا لقبول هكذا منتجات؟! إضافة الي فقر امكانات الحجر الزراعي ذاته، ومن ثم لجوئه الي معامل أخري، بدلا ان تكون معامله هي المرجعية النهائية؟ الشئ الذي عرضه للتشكيك في مصداقيته واتهامه بقلة الكفاءة وتضارب الاختصاصات، لدرجة بتنا لا نعرف حدود سلطاته الفنية وفاعلية ادواته التنفيذية؟! وهو ما اتاح الفرصة للشركة للتعامل مع اللجنة المختصة، بمنطق صاحب المال/النفوذ (العمدة) القادر علي فعل كل شئ؟ بدلالة احضارها لخبير اماراتي (ينتمي لدولة المنشأ؟!) وتوجه بارسال عينات الي الخارج ولمعمل واحد فقط وليس عدة معامل؟! وتحدد لجنة لاعادة الفحص بل وتحدد رئاستها بالاسم؟! وتحضر الشتول بل وتخرجها من المطار الي مقر انشطتها بالدبة، قبل ظهور نتائج الفحص؟! مستفيدة من إستصدار امر اخراج مؤقت (فطير) لا تترتب عليه اي مترتبات؟!
اما ثالثة الاثافي، فهي الاهانة التي تعرض لها مفهوم الدولة الحديثة (كفصل للسلطات ومنع تضارب الاختصاصات وتحريم شبهة المصالح الخاصة في تقاطعها مع الشأن العام،..الخ) وهو ما يتعدي حالة غياب او تغييب الدولة الآنف ذكرها، الي ركلها مرة واحدة! ومصدر ذلك بالطبع رئاسة وزير الزراعة للشركة صاحبة القضية المثارة، ويندرج في ذات السياق موقف والي الشمالية؟! والسبب، ان هكذا تقاطع مصالح لا يؤسس للفساد فقط، ولكنه يجعل الفساد حاضرا في كل معاملة وحاكم لكل تعامل، اي يجعل الفساد الرئة التي تتنفس بها نشاطات الشركة. أما ما يرقي لدرجة (التبول) علي مفهوم الدولة، فيمثله تصرف مجلس الوزراء، بإقالته مدير الوقاية الذي التزم واجبه وراعي ضميره المهني وقام بدوره علي اكمل وجه، او بما يتسق ومفهوم الدولة الحديثة. لصالح اعادة ديناصور قضي نحبه ووطره في الوظيفة العامة، ومد له مدا من بعد ما استنفد فرصه وما بعد فرصه؟ وكأن المجلس غير الموقر، يؤكد المؤكد عن واقعة غياب الدولة او هلامية دوره، بالقدر الذي تحضر فيه دولة الحاكم بامر الطاغوت، مما يصح وصفه بالدولة البشيرية والبشيرية الدولة! وبالطبع دور البرلمان في هكذا دولة، هو البصم بالعشرة علي كل قرارات او مجرد ايعازات تصدر منه، وهذا في حال لم يبارك كل التجاوزات والتعديات، ويجهد في ايجاد التبريرات والتخريجات السياسية والتشريعية لها؟!
والخلاصة، هنالك حالة تلازم بين غياب الدولة كمفهوم ومؤسسات حقيقية، او اقلاه ازاحتها لصالح تحكم الهوي الفردي والمصالح العائلية والتنظيمية، وبين تمدد الفساد وطغيان ثقافته علي فضاء الدولة، وتاليا تحكمه في مسارات انشطتها وقيم مجتمعها؟ وما كثرة الاستثمار المشبوه والسلوكيات والممارسات الطفيلية واللصوصية الفاجرة، إلا دلالة او عنون عريض علي معضلة تجذر الفساد وتغلغله في كل المجلات والانشطة، قبل ان يعكس وضعية البلاد الكارثية، التي تنذر بتذررها وذهاب ريحها. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
آخر الكلام
يبدو ان ظاهرة الطيب مصطفي، إن دلت علي شئ فهي تدل، علي حالة التصحر السياسي والتجريف الثقافي والجفاف الاقتصادي، التي طاولت الوطن اليتيم! اي كرد علي حالة الفراغ الوعيوي والقيمي، الذي فرضته منظومة الانقاذ (الجلفة/البدائية) بعد طردها حوامل وايقونات المعرفة والفن والجمال من المشهد الثقافي، لصالح خطاب اسلاموي في غاية الفجاجة الاسلوبية والادقاع المعرفي والخواء القيمي، قبل ان تحشر المواطن في زواية اللهاث خلف لقمة العيش، كاولوية لا يدانيها شئ؟ وبالمختصر، الطيب مصطفي يعبر عن حالة غياب الحساسية المعرفية والقيمية بل وحتي مجرد العرفية الاجتماعية! اي الطيب مصطفي يراوح ما بين الترامبية في غطرستها وبذاءتها وعنصريتها، والداعشية في تطهرها الزائف وهوسها وعدميتها! ولذا وجوده وسطوته داخل الحقل الصحفي داخليا، يشير الي المحنة التي يعيشها هذا الوسط! فإضافة لإجتهاد الوسط الصحفي من اجل البقاء في هكذا ظروف معاكسة لدوره ورافضة لوجوده تماما، يجد حاله وقد ابتلي بمصيبة نازية او نازلة دخيل رجعي، كالطيب مصطفي، انحط بالصحافة كمنبر وعي اسفل سافلين! وعموما، الحديث عن الطيب مصطفي، اظنه محكوم بالحكمة القائلة (الضرب علي الميت حرام) ولكن ما يدفع لتناول سيرته الفارغة اكراها، انه داوم علي استهداف رموزنا الوطنية، وتعمده الاساءة للقامات السامقة سياسيا وثقافيا! من هذه الوجهة، يصبح تناوله بالاساءة والتهديد للصحفية الرائعة شمائل النور، هو في حقيقته شهادة بحسن السير والسلوك والوعي والاستنارة والموهبة والابداع. علي اعتبار ان الطيب مصطفي افضل من يجسد مقولة بضدها تتمايز الاشياء! وعليه، هنيئا لمن كان الطيب مصطفي خصيمه في ميزان الوطنية والمعرفة والاستقامة! واخيرا، معا لصناعة وطن خالٍ من ظاهرة الطيب مصطفي، وقبلها منظومة الانقاذ المنتجة لها؟! ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.