المقاومة الدارفورية برهنت على انها وصلت مرحلة النضج دور معهد السلام الامريكى فى صناعة القررات المصيرية فى السودان فى واشنطون كان (التجلى) الاول– ثم فى نيويورك وفى بعض الولايات — والتجلى يعنى( الظهور) المصحوب بالجلال والوقار والتاييد الروحى والنصر والظفر — فى ورشة معهد السلام الامريكى بالتعاون مع وزارة الخارجية الامريكية التى انعقدت فى منتصف شهر نوفمبر الجارى وقعت تفاصيل الحكاية — بعد اقل من اسبوع من التوقيع على تحالف الجبهة الثورية – كاودا (يوم 11 من شهر 11 سنة 2011) — وفى واشنطون (تجلى) تحالف الجبهة الثورية امام الحضور الذى يتكون من المعنيين الامريكان و المتخصصين فى (ملف دارفور ) كما يحلو للمجتمع الغربى وللحكومة السودانية تسميته و السؤال محور المقال هو (هل نجح وفد الجبهة الثورية فى مخاطبة عقلية صانع القرار الامريكى؟؟ والاجابة على هذا تقتضى ان نسليط الاضواء اولا على الامرين التاليين : الاول وهو : دور معهد السلام الامريكى فى صناعة القررات المصيرية بشان السودان والثانى دور امريكا فى ملف دارفور ؟؟ دور معهد السلام الامريكى فى صناعة القررات المصيرية بشان السودان اذا استثنينا حالات نادرة فى تاريخ منطقتنا العربية مثل حالة الربيع العربى — فان منطقتنا العربية تحكم من قبل السفارات الغربية وذلك لان حكامنا يفتقرون الى الشرعية الدستورية والتداول السلمى للسلطة عبر صناديق الانتخابات — لذلك فان بقاءهم على الكراسى مرهون برضاء امريكا — وفى ايام الحرب الباردة كان بعض حكامنا يهربون من رمضاء امريكا الى هجير روسيا — ومنذ عام 1989 فقد حكامنا حتى هذه المساحة من المناورة — وصارت دولنا تحكم من واشنطون مباشرة وعبر السفارات الامريكية التى لو نظرنا اليها نجد انها فى كل بلد تشكل دولة داخل دولة – كانت عين امريكا على السودان منذ فجر الاستقلال — وذلك نظرا لكبر مساحته وتعدد موارده — ولديمقراطيته الناشئة انذاك — لذلك عرضت (المعونة الامريكية) التى رفضها اليسار السودانى انذاك — ايام الحرب الباردة فى اكتوبر عام 1993 عقدت لجنة افريقيا فى الكونجريس الامريكى مؤتمرا تحت عنوان ( السودان الحرب المنسية ) والذى كان من مخرجاته (اعلان واشنطون) ومن اهم ما اشتمل عليه هذا الاعلان هو (توسيع الاعتراف بحق تقرير المصير ليس لجنوب السودان وحده — بل ليشمل ما سمى بالمناطق المهمشة فى جبال النوبة والانقسنا) معهد السلام الامريكى هو الذى مول الدراسة التى انجزها (مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية ) عن سلام السودان — وهى الدراسة التى ساهم فيها بشكل متميز الاستاذ فرانسيس دينغ — وهى الدراسة التى قادت الى مشاكوس ونيفاشا اننا نخشى حين تصحو امريكا وتتذكر (دارفور — الحرب المنسية) ان تطبق عليها رؤيتها الاستراتيجية بشان اوضاع المهمشين فى السودان — ان رؤية الولاياتالمتحدةالامريكية الحقيقية تجاه الكيانات والدول الكبيرة تقوم على فكرة تقسيم هذه الدول الى كيانات صغيرة — والى تقسيم السودان بالذات الى حوالى 5 كيانات — وذلك ما تقضيه مصلحة امريكا خاصة بشان البترول حيث يتوقع ان يزيد استهلاك امريكا عام 2015 بشكل كبير — ولكى تضمن امريكا احتياجاتها النفطية فى ضوء منافستها مع الصين التى هى الاخرى بحاجة للنفط – فان امريكا بحاجة الى السيطرة على العالم وخاصة الدول المنتجة للنفط وافضل وضع للسيطرة على الدول عندما تكون فى شكل كيانات صغيرة امريكا وملف دارفور ؟؟ تاتى اهمية ورشة معهد السلام الامريكى بشان مستقبل الاوضاع فى دارفور من انها من الناحية العملية ستحدد الرؤية الامركية بشان مستقبل خريطة السودان — وقد شاهدنا كيف ان الدراسات السابقة لذات المركز او بتمويله حددت خريطة السودان الحالية بعد انفصال الجنوب — والحقيقة التى نتفهمها جيدا هى ان امريكا تدرك ان السودان فى اضعف حالاته الان — وان الوضع الحالى للسودان هو المثالى لتنفيذ السياسات الامريكية التى تخدم مصالحها الاستراتيجية بما فى ذلك تفتيت السودان الى كيانات صغيرة قراءتنا فى حركة العدل والمساواة ان اقليم دارفور لم يكن يشكل اى اهمية او موضوع بالنسبة للسياسة الخارجية الامريكية خلال العقد الماضى كله — بل ان اقليم دارفور كان — و مازال يمثل (الجزرة) التى تعطيها امريكا لحكومة المؤتمر الوطنى مقابل تنازلاتها بشان تنفيذ سلام نيفاشا — وذلك خلال فترة ال 9 سنوات الماضية من عمر ملف دارفور ومعانات شعب دارفور — وهذا عمل غير اخلاقى من امريكا محاولات حركة العدل والمساواة فى كسر الجمود الامريكى على صعيد ملف دارفور قناعتنا فى حركة العدل والمساواة ان الدول ليست جمعيات خيرية — بمعنى انها تتحرك فى المقام الاول من اجل مصالحها — ووفقا لاجندتها هى — لذلك اذا لم تكن لديك (كدولة او كحركة) قوة دفع ذاتى ومقدرة على المناورة فانك سوف تكون رهينة للاقوياء والدول الكبرى والقوى الاقليمية — لذلك قررت حركة العدل والمساواة رفع الجمود الذى فرضته امريكا على ملف قضية السودان فى دارفور و رتبت الحركة عملية الذراع الطويل — وقلنا وقتها (اذا ربحت التجارة — المرة والحمارة) — وكان الامل ان تسقط الحكومة — رغم ادراكنا بان امريكا لن تكون سعيدة انذاك باسقاط حكومة المؤتمر الوطنى — وان كانت تسعد جدا جدا باضعافها — لانها تريد ان تبقى حكومة المؤتمر الوطنى الضعيفة الفاشلة — لانها افضل حكومة يتم على يدها انفصال الجنوب ثم رتبت حركة العدل والمساواة بعلاقاتها الخاصة مع دولة قطر منبر الدوحة — فاكتشفنا ان كلما يريده اسكوت غريشن المبعوت الامريكى للسودان من حركة العدل والمساواة فى منبر الدوحة هو (وقف اطلاق نار) يضمن بقاء حكومة المؤتمر الوطنى فى الحكم حتى انجاز الاستفتاء وضمان انفصال هادئ للجنوب لقد مارست امريكا سلوكا غير اخلاقي عندما جمدت قضية السودان فى دارفور لعقد من الزمان لحين فصل الجنوب – لانها تصرفت بذهنية استعمارية واضحة قائمة على سياسة فرق تسد — وهى لم تفعل ذلك اعتباطا وانما كانت تنفذ رؤية واضحة فى ذهنها — لانها تريد تقسيم وتفتيت السودان بالتعاقب — ينفصل الجنوب اولا — ثم بالايحاء تطالب الاقاليم الاخرى بتقرير المصير — اننا فى حركة العدل والمساواة لسنا من حيث المبدا ضد حق تقرير المصير لشعوب السودان — ولكنا نرى ان خيارنا الاول هو (الوحدة) – بشرط ان تكون طوعية – اما اذا اصر المركز على ان يقيم دولة دينية فى البلاد مثلا — فان الجنوب معذور تماما فى ان يصوت للانفصال لانه سيكون فى هذه الدولة الدينية الانقاذية (مواطنا من الدرجة الثانية) –وربما من الدرجة الثالثة كما يقول الوجيه مولانا (روفائيل) فى ركن دالى بالجامعة — لان الترتيب لديه ان رجال المسلمين فى الدرجة الاولى ثم (المسلمات) فى الدرجة الثانية ثم المسيحيين فى الدرجة الثالثة الان نستطيع ان ننتقل للاجابة على سؤالنا موضوع المقال هل نجح وفد الجبهة الثورية فى مخاطبة عقلية صانع القرار الامريكى؟؟ عندما نسال مثل هذا السؤال فان ذلك يفترض ان يكون لنا مقياس للنجاح يتمثل فى مجموعة عناصر هى معرفتنا بالذهنية الامريكية وكيف تخطط — وفى ماذا تخخط للمنطقة وماذا تريد ان تفعل فيها بالضبط – ثم يجب ان نحدد سلفا ماذا نريد نحن من امريكا — وبالتالى يتعين علينا فى هذه الحالةان نقدم الادلة والبراهين التى تثبت اننا فى مستوى طلباتنا — وربطا بما سلف بيانه من اننا ندرك ان امريكا تخطط لمزيد من التقسيم والتفتيت للسودان الى كيانات صغيرة مثلا – ماذا طرح وفد تحالف الجبهة الثورية فى واشنطون ونيويورك ؟؟ وما هى الرسائل التى بعث بها للذهنية الامريكية؟؟ اولا : نحن جزء من الشمال – ولكنا لا نعمل على اعادة انتاج مشروع الانقاذ الاسلامو عروبى كان لازما ان نخاطب مخاوف الامريكان بشان التغيير — و الديمغراطية — لذلك شرح الوفد مضمون واهداف هذا التحالف (كاودا الثورى) مبينا انه ليس مشروع (انقلاب) عسكرى لاسقاط النظام — وانما هو مشروع وطنى للتغيير الجذرى — وان جيوش الحركات تتكون من (مقاتلين من اجل الحرية) لا يتقاضون مرتبات وانما تقاتلون من اجل (قضية ) — وتتكون الحركات من ناشطين وناشطات من اجل التغيير الجذرى فى البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة السودانية بهدف انشاء (دولة المواطنة وحقوق الانسان) — وشرح الوفد اهداف هذا التحالف — وقدم السيد مناوى هذه الحقائق بشكل جميل ازال مخاوف الغربيين الذين يخافون من الحركات المسلحة — ويخافون من التغيير بالمصحوب بالسلاح — خاصة فى دولة اسلامية جهادية مثل السودان — وربما يخشون ان يرتد عليهم هذا السلاح فى يوم من الايام وفى ذهنهم تجربة الجهاد ضد الشيوعية ثانيا: طلبات الجبهة الثورية كانت واضحة ومحددة قدم القائد منى اركو مناوى رئيس الوفد طلبات الجبهة الثورية للمجتمع الدولى بشكل واضح وتتمثل اولا فى دعم هذه الجبهة معنويا بالاعتراف بها باعبارها الممثل الشرعى للشعب السودانى اسوة بالحالة الليبية والسورية مثلا — السعى لتمديد صلاحيات قوات الينوميد لفرض حظر الطيران فى فى اماكن حرب البشير الشاملة فى دارفور وجنوب كردفان — جبال النوبة — والانقسنا — حماية للمدنيين من الابادة الجماعية — والسماح للمنظمات باغاثة المدنيين المنكوبين الذين تضربهم طائرات الانتينوف الحكومية فى قراهم — واماكن النزوح واللجوء التى احتموا بها من راجمات الحكومة ثالثا : المقاومة الدارفورية برهنت على انها وصلت مرحلة النضج لن نستكمل بيان جمال صورة (الجبهة الثورية) الا اذا تحدثنا عن التطور الكبير الذى جرى بشان كيان ما يسمى بالمقاومة الدارفورية واعنى بها حركة العدل والمساواة وحركتى التحرير جناح عبدالواحد وجناح منى — فهذه الحركات الثلاثة لها رمزية كبيرة فى وجدان الانسان الدارفورى — باعتبارها الحركات الرائدة فى التمرد القومى ضد الحكومة المركزية وان انطلقت من اقليم دارفور — فقد قدمت هذه الحركات نفسها فى واشنطون للمجتمع الدولى ولصانع القرار الامريكى لاول مرة فى تاريخ الحركات (ككتلة واحدة — فى تحالف واحد له اهداف وخارطة طريق – الخ — باختصار لقد ازالت الحركات الدارفورية عن نفسها عار التشرذم والتفتت — ودللت على انها وصلت مرحلة النضج — وهذه الرسالة لها دلالة كبيرة فى ذهنية صانع القرار الامريكى رابعا : نجح (وفد الجبة الثورية) عند مخاطبته للجالية السودانية وهى اكبر صانعة للقرار الامريكى اننا نتفهم فى الجبهة الثورية ان من يوصفون بالجالية السودانية (هم امريكان عديل كدى) — ولا يغرنك كون ان عيونهم عسلية — فهم امريكان — وان ولدوا بالسودان — اما اولادهم — فهم شئ اخر — وحتى لا نبتعد من موضوعنا — فقد نجح وفد الجبهة الثورية فى تقديم نفسه بشكل مرتب جدا لما يسمى بالجالية السودنية الامريكية فى اماكن مختلفة من الولاياتالمتحدة — و قد قيل انه لا مثيل للحفاوة وكبر حجم الحضور الا لقاء غرنق الشهير — ومشاركة الناشطين التوم هجو وتراجى مصطفى لها دلالات عميقة لدى العقلية الامريكية صانعة القرار الامريكى يدركها القارئ بفطنته – وشاهدنا اننا فى حركة العدل والمساواة وفى الجبهة الثورية ندرك ان الامريكان من اصول سودانية يلعبون دورا مهما جدا فى صناعة القرار الامريكى عندما يتعلق الامر بالسودان واختم حديثى بالقول باننا فى الجبهة الثورية حين نخاطب الذهنية الامريكية فاننا نؤدى واجبنا الوطنى ونتفهم ان امريكا هى التى تحرك العالم — وتحرك مجلس الامن وبيدها مفاتيح الحلول لمشاكل الدنيا كلها — لذلك نشرح لها قضيتنا ونخطب ودها ونطلب صداقتها — واننا نعى وندرك بانه مطلوب منا البحث عن اصدقاء – وندرك ان الصداقات فى السياسة ليست (صدقات) وانما مصالح — كما ندرك المثل السودانى (البكا بحرروه اهله) — اننا نعتمد (بعد الله) على شعبنا — فهو مصدر الهامنا – هو لب القضية – والجمالى جلال الدين ورفاقه الاطهار الشهداء هم اكبر قوة دفع لعطائنا — لن نخون دماءهم — والفاشل من اعتمد على عضلات غيره ابوبكر القاضى