بكل تأكيد لن يستفيد الرئيس السوداني المشير عمر البشير مما آلت إليه حال الزعماء العرب في الربيع العربي؛ لأنّ ملة هؤلاء الزعماء واحدة في تحقيرهم لحراك الشعوب الحيّة، هذا الحراك الذي يسعى إلى إسقاط هؤلاء الرموز الأموات، الذين استعبدوا الناس وأذلوهم وحقروهم. ما إن تحركت الشعوب لإسقاط هؤلاء الرؤساء "الشرعيين" في زعمهم - مع وضع مئة خط تشكيكي تحت كلمة "الشرعيين"، التي وضعتُها بين علامتي تنصيص لغرابتها وعدم معقوليتها وابتذالها في السياسة العربية- حتى سعى هؤلاء المكبلون بكراسي اختطاف الأوطان، وإذلال الصغار قبل الكبار إلى الكشف عن طبائعهم الإجرامية في ممارسة القتل والتدمير وفعل الأفاعيل الإجرامية كلها ، كما يحدث في سوريا منذ أكثر من عام ونصف، حيث تشن عصابات الشبيحة "الأسدية" أقذر حرب في العصر الحديث على شعب مسالم أعزل، لم يكن يملك رصاصة للدفاع عن نفسه ، قبل انشقاق الجيش العربي الحر!! وقعت حوافر البشير على حوافر أسلافه الزعماء الذين اسقطتهم شعوبهم، ووضعتهم في ثنايا مزابل التاريخ، التي سيصل إليها البشير أيضاً؛ ما دام لا يريد أن يكون مثل الزعيم السوداني التاريخي المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، الذي تسلم السلطة عام 1985م، ثم سلمها باختياره في العام التالي لحكومة سودانية منتخبة، وهذا – على أية حال- ما لم ( ولن) يفعله المشير عمر حسن أحمد البشير منذ أن تسلم السلطة بانقلاب عسكري في عام 1989م. وصفت عنجهية أسلاف البشير( القذافي، وبشار الأسد، وعلي صالح، وبن علي، ومبارك) الحراك الشعبي العربي بأقذع الصفات، مثل: الحشرات، والجرذان، والجراثيم، والعملاء... وها هو البشير قد بدا أكثر شاعرية يبابية من هؤلاء الأسلاف المنحطين في الدرجات الدنيا من الفساد والإجرام... فوصف الحراك السوداني بصفة: المحرشين، شذاذ الآفاق، الفقاقيع الزائلة، وهددهم بأنه سيصب عليهم "المجاهدين" في الشوارع لقمع حراكهم واستئصالهم!! من هم هؤلاء المجاهدون الذين تقطعت بسببهم السودان أوصالاً ؟! إنهم "الربّاطيّة" الذين يشبهون الشبيحة في سوريا، والكتائب في ليبيا، والبلطجية في مصر، والبلاطجة في اليمن، وغيرهم!! إذن، تكمن جمالية قبح شاعرية البشير في كونه أكثر ثقافة في استخدام الألفاظ المبتذلة، فهو يستفيد من التحرش الجنسي وشذوذه في استخدامه للمحرشين والشذوذ، ويوظف الآفاق وما ينضوي تحتها من أخيلة وتحليق في الفضاء النظري، الذي ربما يفضي بأصحابه إلى الجنون... ثم يرتطم بهؤلاء بالأرض ليتحدث عنهم بصفتهم فقاقيع ستزول تحت "بساطير" قطعان رباطيته على شوارع السودان المنهك بحوافر هذا النظام المتسلط، الذي لم يعد يمثل أكثر من كونه ظاهرة صوتية وبائية... عجيب أمر هذه العقلية السياسية التي تجسد أطياف أسلاف البشير في تكوينه السياسي، وهو يتعامل مع حراك شعبي إنساني عميق، يسعى إلى تأصيل كرامته في مواجهة الإذلال الناتج من رفع الأسعار إلى درجات عليا من رفض امتهان الناس وإذلالهم في لقمة عيشهم المتواضعة!! يبدو للقبح جماليات تتلخص في أنه قبيح جداً؛ أي عندما تُتْقن تشكُّلات هذا القبح في أعتى درجاتها الممسخر ة على طريقة القذافي : دار دار ..بيت بيت ...زنقة زنقة !!... لذلك لا يمكن إدراك قيمة الجمال الإنساني في الحراك الشعبي السوداني إلا من خلال هذا القبح المتشكل في وصف البشير لهذا الحراك بالشذوذ والتحرش والفقاقيعية، على طريقة قول الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقص// فهي الشهادة لي بأني كامل! لن ينجح قمع البشير للشعب السوداني على أية حال؛ لأن ترابط هذا الشعب وعلاقاته الاجتماعية في تكويناته المختلفة... ربما هي أكثر حميمية مما نتصور نظرياً ؛ لأن قضية هذا الشعب تتجاوز هذا الغلاء الفاحش الذي يحول الناس من مستعبَدين في مزرعة النظام، إلى مطالبتهم بالحرية والكرامة والإنسانية، وزوال هذا النظام الشوفيني، الذي جثم على صدورهم أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً !! لقد آن الأوان أن يلبس البشير قبعه ليلحق ربعه!!