استيقظ المصريون أمس على نبأ وفاة اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، رئيس جاهز المخابرات العامة السابق لنحو عشرين عاما، الذي وافته المنية في ساعة مبكرة من صباح أمس، عن عمر يناهز 76 عاما، بمستشفى «كليفلاند» بولاية أوهايو الأميركية. وينتظر أن يصل جثمان سليمان إلى القاهرة على متن طائرة خاصة في وقت لاحق اليوم، فيما لم يتحدد بعد موعد تشييع جنازته، ترقبا لوصول وفود رسمية للمشاركة فيها من عدة دول عربية وأجنبية. وبينما يثار الجدل حول مشاركة «الإسلاميين» في الجنازة؛ وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، لما عرف عن الراحل من عدائه لجماعة الإخوان المسلمين وكل الجماعات الدينية، نعت الرئاسة الراحل في بيان لها أمس. وتولى سليمان، الذي يوصف بأنه «رجل مبارك القوي»، منصب نائب رئيس الجمهورية لأيام من 29 يناير (كانون الثاني) 2011، في أعقاب اندلاع ثورة «25 يناير»، وحتى تنحي مبارك في 11 فبراير (شباط) 2011. وخلال تلك الفترة تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة أدت إلى وفاة اثنين من حراسه الشخصيين وسائقه الخاص. وفي 6 أبريل (نسيان) الماضي أعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية قبل يومين من غلق باب الترشيح نزولا على رغبة مؤيديه، إلا أن اللجنة العليا للانتخابات قررت استبعاده لعدم استيفائه أحد شروط الترشح. وتباينت التفسيرات الطبية حول وفاة سليمان، فقد ذكرت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية أن سليمان توفي بعد أن «أصيب بمرض في الرئة منذ بضعة أشهر، ثم حدثت له مشكلات في القلب، وتدهورت صحته بشكل مفاجئ منذ ثلاثة أسابيع، استدعت نقله إلى مستشفى كليفلاند للعلاج ليتوفي به إثر سكتة قلبية مفاجئة». في حين أعلنت السفارة المصرية في واشنطن في بيان لها أمس أن «سبب الوفاة كان مرضا وراثيا في الدم، تم اكتشافه خلال الأيام الماضية، أثناء الفحوصات التي كان يجريها بالمستشفى». وقالت السفارة إنها تعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل المستشفى، والقنصلية المصرية بواشنطن، لنقل الجثمان للقاهرة، مشيرة إلى أن «اثنتين من كريماته كانتا ترافقانه في واشنطن». وبينما أثير جدل أمس حول موقف رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي من التعزية وحضور الجنازة، خاصة بعد تأخر بيان رئاسة الجمهورية، قال ياسر علي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في بيان له أمس إن «جنازة سليمان عسكرية، وفق البروتوكولات، ورئاسة الجمهورية أرسلت برقية عزاء إلى أسرة الراحل كما ستوفد مندوبا لحضور العزاء». وأعرب مجلس الوزراء المصري عن خالص عزائه في وفاة سليمان. وقالت فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي: «الفقيد ابن بار من أبناء مصر، قدم للوطن عطاء متواصلا في كل المهام التي تولاها، وكان محل تقدير من كل جموع الشعب المصري». فيما نعى الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، سليمان، ووصفه بأنه «كان مصريا وطنيا مخلصا خدم بلده سنوات طويلة، وأقرت بخبراته مختلف الدول». وبينما لم يتبين موقف «الإخوان» والسلفيين من المشاركة في الجنازة، قالت الصفحة الرسمية لحملة المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق على موقع «فيس بوك»: «لو خرج (الإخوان) والسلف وقالوا: (إن سليمان سفاح وإن الصلاة عليه تدخلك جهنم)، سيصلي المصريون غدا الجنازة لوداع أحد أعظم من أنجبتهم مصر في تاريخها». وقال الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة (الإخوان)، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: « أجد أمام لحظة الموت إ القول (إنا لله وإنا إليه راجعون).. هو بين يدي رب هو أعلم به.. ذهب ومعه أسرار كثيرة». لكن «الجماعة الإسلامية» طالبت، من جهتها، بالتثبت من حقيقة وفاة سليمان للكشف عما إذا كانت هذه الوفاة حقيقية طبيعية أم إنها محاولة للإفلات من المحاكمات التي تنتظره، أم إنها تمت للتخلص التام من خزينة الأسرار التي يحملها، خصوصا أنه قد كان ركنا لنظام نسق ونظم وتعاون مع دول أجنبية بما يضر بمصالح الشعب المصري وشعوب أخرى مجاورة. وقال محمد حسان المتحدث باسم الجماعة ل«الشرق الأوسط»: «ينبغي أن يدفن مثل هذا الرجل في هدوء بعيدا عن مظاهر التكريم لأنه لا ينبغي تكريم من أجرم في حق شعبه وأمته». ويتذكر جميع المصريين البيان الذي ألقاه سليمان، الرجل الطويل بعض الشيء صاحب الانحناءة الخفيفة والشارب الرفيع على طراز العسكريين البريطانيين في الأربعينات، في 11 فبراير (شباط) 2011، بصوته الهادئ والحزين، الذي أعلن فيه تنحي الرئيس السابق عن الحكم وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. وعرف سليمان ب«المصلح القابع في الظل»، و«رجل الصعاب»، و«الحارس الأمين لأسرار مصر»، حيث ظل مشاركا عن كثب في معظم قضايا مصر شديدة الحساسية والخطورة التي تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية مباشرة. كان سليمان يحظى بدعم وثقة المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصر، حيث يعد سليل هذا النظام بامتياز، حتى قيل إن ترشحه لرئاسة الجمهورية كان بإيعاز من المجلس العسكري الحاكم آنذاك. ولد سليمان في 2 يوليو (تموز) 1936، بمحافظة قنا في صعيد مصر، وتلقى تعليمه في الكلية الحربية بالقاهرة. كما درس العلوم السياسية وحصل على شهادتي ماجستير في العلوم السياسية والعلوم العسكرية. وهو متزوج وله 3 بنات. وبدأ صعود نجمه عام 1986 عندما تولى منصب نائب المخابرات العسكرية، وهى المهمة التي جعلته على اتصال مباشر مع الرئيس مبارك، ثم تولى بعدها منصب مدير المخابرات العسكرية. وفي 22 يناير (كانون الثاني) 1993، كانت النقلة الكبرى، حين عين رئيسا لجهاز المخابرات العامة المصرية. تولى سليمان خلال إدارته المخابرات العامة العديد من الملفات الشائكة؛ أبرزها «ملف الجماعات الدينية المتشددة. يقول عنه الفريق حسام خير الله وكيل جهاز المخابرات العامة السابق الذي عمل معه فترة طويلة: «سليمان حقق طفرة كبيرة في جهاز المخابرات المصرية خاصة في الخمسة عشرا عاما الماضية، حيث التطوير والتدريس، واستطاع أن ينجز بشكل كبير ملف مكافحة الإرهاب بجانب تدخله للمساعدة في حل كثير من المشكلات والقضايا العربية»، وأصاف خير الله: «سليمان كان إنسانا ذكيا واسع الصدر ولديه قدرة على المسامحة، لكن ذاكرته كانت قوية، ولولا سليمان لما اتخذ مبارك قرارات لدعم كثير من القضايا العربية، خاصة أن الرئيس السابق لم يكن مبادرا». وقد وصف سليمان من قبل بأنه أحد أقوى رؤساء المخابرات في العالم، وأنه الرجل الأكثر نفوذا في مصر بعد الرئيس مبارك، والأقدر على الاضطلاع برئاسة مصر في المستقبل. وقد لعب سليمان دورا كبيرا في إنقاذ حياة الرئيس السابق حسني مبارك عام 1995، عندما تعرض لمحاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وكان سليمان قبل الثورة شريكا أساسيا ولاعبا محوريا في ملفات السياسة الخارجية المصرية، بتكليف من مبارك، فقد ارتبط اسمه باللقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، ولم يترك زعيما إسرائيليا من اليسار أو اليمين إلا وتحاور معه. وحول الجدل الذي أثاره سليمان خلال فترة ترشحه لانتخابات الرئاسة بأن هناك صندوقا أسود للتيارات الإسلامية، قال خير الله ل«الشرق الأوسط» إن «كل ما يخص عمل جهاز المخابرات موجود في الجهاز حتى يستفيد منه صانع القرار، ولكن هذا لا يمنع أن هناك كثيرا من المعلومات التي كان يحتفظ بها لنفسه؛ ومنها مواقف الجماعات و(الإخوان)، وأدوارها.. وكثير من الحقائق غير المعلنة». تونس: محاكمة 43 من كبار القادة الأمنيين في النظام السابق السجن مدى الحياة ضد بن علي و20 سنة للسرياطي و15 سنة لرفيق الحاج قاسم والبراءة لفريعة تونس: المنجي السعيداني أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة بتونس بعد ظهر أمس أحكاما قضائية ضد 43 متهما أغلبهم من القادة الأمنيين من درجات مختلفة، وذلك فيما بات يعرف ب«قضية شهداء وجرحى الثورة». وتراوحت الأحكام بين السجن المؤبد والبراءة. وقضت المحكمة غيابيا بالسجن المؤبد على الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وسجن وزير الداخلية الأسبق، رفيق بلحاج قاسم مدة 15 سنة، ومدير الأمن الرئاسي، علي السرياطي مدة 20 عاما بشأن مقتل محتجين في تونس العاصمة وبلدات سوسة ونابل وبنزرت وزغوان بعد أن عمت الانتفاضة الشعبية أنحاء البلاد أوائل العام الماضي. ونال عادل التوريري، المدير العام السابق للأمن الوطني، ومحمد الأمين العابد، آمر الحرس الوطني، وجلال بودريقة مدير عام وحدات التدخل، ولطفي الزواوي، المدير العام للأمن العمومي، أحكاما بالسجن مدتها 10 سنوات. وأدانت المحكمة أيضا عبد الباسط المبروك، الضابط في وحدات التدخل، وقضت بسجنه مدة 12 سنة، وهي نفس المدة التي قضت بها ضد رئيس الأمن الوطني في منطقة رأس الجبل في ولاية بنزرت (شمال تونس). ونال أحد المتهمين بقتل متظاهر في حي التضامن القريب من العاصمة عقوبة بالسجن مدتها 20 سنة. بينما حكم بالسجن مدة عام في حق كادرين من الشرطة. وكان أحمد فريعة، الذي عين وزيرا للداخلية بعد فرار بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011 بفترة قصيرة، من ضمن مجموعة من المسؤولين الذين تم إسقاط الاتهامات عنهم، ويتعلق الأمر برشيد عيد، مدير عام المصالح المختصة، والشاذلي الساحلي، مدير عام الشرطة الفنية، والعربي الكريمي، مدير القاعة المركزية للعمليات. وبعد صدور الحكم سادت حالة من الغضب والفوضى قاعة المحكمة ووقعت حالات إغماء في صفوف أهالي القتلى. وصاحت امرأة اسمها سيدة الصيفي في قاعة المحكمة «هل انتظرناك عاما ونصفا لتصدر هذه الأحكام الهزيلة». وقالت سيدة وهي تحمل صورة لولدها الذي مات في الكرم برصاص الشرطة في 13 يناير متحدثة لمراسل «رويترز»: «سنأخذ حقنا بأيدينا. سنشعل حربا ولن نسلم في حق أبنائنا ما دام القضاء لم ينصفنا». وقال شاب اسمه لطفي بن محمود ل«رويترز» إنه «حكم غير عادل والعسكر والداخلية تواطأوا ضد حق الشهداء. سنقتص بأنفسنا لشهدائنا». وخارج قاعة المحكمة اشتبك أهالي قتلى بالأيدي مع عائلتين للمتهمين، واضطرت قوات الجيش لتفريقهم والوقوف بينهم لمنع مزيد الاشتباكات. وقالت المحامية ليلى حداد عن عائلات الشهداء «سنستأنف الأحكام لأنها لا ترضي وتنصف شهداء الثورة». من جهته، قال شرف الدين خليل، محامي مجموعة من العائلات المتضررة ل«الشرق الأوسط» إن عائلات شهداء الثورة حرمت من حقها في التقاضي لمدة ستة أشهر. واعتبر أن القضاء العسكري يبقى قضاء استثنائيا مثلما تنص على ذلك هياكل الأممالمتحدة المهتمة بحقوق الإنسان، وهي على حد تعبيره تحرم الضحية من مواكبة قضيته العائلية، ولا تسمح له بالاستئناف. وقال إن المدة التي بقيت فيها الملفات دون تحقيق ودراسة جدية منحت المتهمين فرصة «إعدام أدلة الإدانة» مثل إتلاف وإعدام مجموعة من التسجيلات والمكالمات الهاتفية. وانتقد خليل تصرف المحكمة العسكرية مع الدفاع، وقال إن ترسانة من الطلبات لم تأخذ بها على الرغم من تأثيرها المباشر على ملف القضية. وأضاف أن عائلات شهداء وجرحى الثورة ستبقى على استيائها طالما أن هناك إحساسا بعدم جدية التحقيقات والتغافل عن سماع الشهود وبعض المسؤولين على الأمن خلال أيام الثورة. من ناحيتها، قالت راوية بن جمالة، (استشهد زوجها برصاص القناصة في بنزرت شمال تونس العاصمة) ل«الشرق الأوسط» إن ملف زوجها كان فارغا تماما من أي وثيقة بعد مرور نحو سنة ونصف السنة من وفاته. وأضافت أن إدانة القادة الأمنيين تحقق جانبا من العدالة ولكنها لا تكفي لإرجاع كامل حقوق الشهداء والجرحى إلى عائلاتهم. وعبرت راوية عن استغرابها من عدم توجيه تهم إلى القناصة الذين تؤكد كل الدلائل على أن السلط الأمنية ألقت القبض عليهم ولكنها لا تنوي محاسبة البعض منهم لأسباب غير مفهومة.