قيادة الأركان تهنئ ضباط صف وجنود القوات المسلحة والقوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح    الخارجية السودانية: نستغرب أن يصمت مجلس الأمن الدولي عن إدانة الدول التي تأكد أنها السبب الرئيسي لاستمرار الحرب    علي يعقوب قائد التمرد بولاية وسط دارفور    حلمًا يدفع منة شلبي للتصدق على روح نور الشريف.. ما القصة؟    الحكم ينهي مباراة المريخ والنصر الليبي بعد الاحداث المؤسفة    في مدينة دنقلا اعتقلت الأجهزة الأمنية وكيل جامعة القران الكريم هناك!    بالصورة.. مقتل أبرز قادة الدعم السريع في دارفور على يد القوات المشتركة خلال معارك اليوم بالفاشر    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر الأسافير وتستعرض جمالها الملفت على أنغام أغنية (طريق حبك) ومتابعون: (اللهم الثبات)    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    شاهد بالصورة.. نظرات رجل سوداني في الستين من عمره للراقصة آية أفرو أثناء جلوسها معه على "طاولة" واحدة تثير سخرية جمهور مواقع التواصل ومتابعون: (الله يعينك يا عمك وما تركز شديد يا حاج)    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    برئاسة كابو بعثة المريخ إلى تنزانيا مساء الغد    مدير شرطة إقليم النيل الأزرق يدشن مشروع خراف الأضاحي لمنسوبي مستشفي الشرطة بالدمازين    المريخ يوالي التدريبات وابراهومة يصحح الأخطاء    شركة كهرباء السودان القابضة: اعطال لتعرض محطة مارنجان التحويلية لحريق    مدرب ليفربول الجديد يرسم خطة "إبعاد" صلاح عن الفريق    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    ناشط جنوب سوداني يكتب عن فوز صقور الجديان على منتخب بلاده: (قاعدين نشجع والسودانيين يهتفوا "دبل ليهو" ولعيبة السودان بدل يطنشوا قاموا دبلوا لينا..ليه ياخ؟ رحمة مافي؟مبروك تاني وثالث للسودان لأنهم استحقوا الفوز)    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    تُقلل الوفاة المبكرة بنسبة الثلث.. ما هي الأغذية الصديقة للأرض؟    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    إسرائيل: «تجسد الوهم»    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان: إعادة هيكلة المؤسسة السياسية !!
نشر في سودان تربيون يوم 26 - 11 - 2021

ألقت الأحداث التي شهدها السودان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وما تلاها من وقائع تتصل بما أسماه قائد الجيش "تصحيح مسار الثورة" بحجر كبير في بركة المنظومة السياسية، خاصة بعد الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الحادي والعشرين من نوفمبر الجاري، والذي قضى – ضمن أمور أخرى – بإنهاء العلاقة بين الجهاز التنفيذي وما كان يعرف بالحاضنة السياسية، ممثلة في أحزاب قوى الحرية والتغيير، وتحديد أولويات ما تبقى من الفترة الانتقالية في تهيئة الساحة الوطنية لإجراء الانتخابات العامة بنهايتها، الأمر الذي يتطلب أن تبدأ القوى الحزبية دون إبطاء في الخطوات العملية المتصلة بذلك وأبرزها عقد مؤتمراتها العامة وإعداد برامجها الانتخابية وقانوني الأحزاب والانتخابات.
لقد أهدرت قوى الحرية والتغيير التي تصدت لمهام الإنتقال منذ أكثر من عامين، وقتاً كثيراً وفرصاً ثمينة في التعاطي مع ملف التحول الديمقراطي في البلاد، فبدلاً من إعطاء الأولوية لقضية الإصلاح السياسي، والدعوة لإصلاح المنظمومة الحزبية المعطوبة وبدلاً من أن تباشر الأحزاب نشاطها وتقيم مؤتمراتها العامة وتنتخب قياداتها وتضع برامجها؛ ركزت تلك القوى دعوتهافي إصلاح الجانب الآخر من معادلة السلطة القائمة (المؤسسة العسكرية)، والنتيجة أنه حتى الآن لم يعقد أي حزب في السودان مؤتمره العام ولم يتم إحراز أي تقدم ذي بال في مسار إصلاح المنظومة العسكرية.
هناك أسباب وجيهة تجعل من إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، ومن قلق القوى الحزبية جراء عدم حدوث ذلك، أمراً مفهوماً، باعتباره سيعيق مشروع التحول الديمقراطي، فمن بين أكثر من ستين عاماً هي عمر السودان المستقل هناك أكثر من خمسين عاماً هيمنت فيها المؤسسة العسكرية على السلطة في السودان، بشكل مباشر أو شبه مباشر، وإذا ما أضفنا لموضوع الهيمنة هذا إنتشار السلاح في كل ولايات السودان نتيجة الحروب الأهلية المتطاولة، وحقيقة وجود أكثر من ثماني مجموعات مسلحة معترف بوجودها،بخلاف قوات الدعم السريع التي ينظم علاقتها بالقوات المسلحة قانون خاص، فإن الوصف الدقيق للوضع الأمني هو أن البلاد تقف على فوهة بركان، وأن مشروع التحول الديمقراطي مهدد في أصل وجوده!!
والسبب الأبرز لاستمرار الوضع الراهن ليس هو "سياسات النظام السابق" وإن كان يتحمل جزءاً من المسؤولية، وإنما هو الاضطراب في التفكير والخلل في وضع الأولويات الذي لازم تجربة السنوات التي انقضت من عمر الفترة الانتقالية، ففي مقابل الحديث المستمر عن ضرورة إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية دون وضع تصور واضح لذلك ودون إحداث أكبر قدر من الإجماع حوله، لا تكاد تجد حديثاً جاداً عن إعادة هيكلة "المؤسسة السياسية"، وهي التي تشكل العمود الفقري لأي تحول ديمقراطي، كما هي المنوط بها وضع الخطط والبرامج لتحويل طبيعة ووسيلة التنافس والصراع في السودان من صناديق الذخيرة إلى صناديق الاقتراع، فلا ديمقراطية بلا أحزاب.
لقد عرف السودانيون الديمقراطية الحزبية منذ ما قبل الاستقلال، فقد شاركت خمسة أحزاب في الانتخابات التي جرت في نوفمبر 1953 تمهيداً لخروج المستعمر،وفي أول انتخابات جرت بعد الاستقلال في 1958 زاد العدد الذي دخل البرلمان بحزبين آخرين.وجرت انتخابات حزبية تعددية في 1965 عقب ثورة أكتوبر،أعقبتها أخرى في 1968 وثالثة في 1986 ، وفي كل مرة من هذه المرات يزداد عدد الأحزاب التي تشارك في الانتخابات حتى انتهى الأمر بأن أصبح عدد الأحزاب السياسية في السودان اليوم يقارب المائة حزب، تشكل أغلبها بعد انقسامات "أميبية" طالت الأحزاب القائمة، التقليدية منها والآيدولوجية، فحزب الأمة مثلا انقسم إلى ستة أحزاب، والحزب الإتحادي إلى سبعة والشيوعيون إلى ثلاثة والإسلاميون إلى أربعة، وكذلك أحزاب البعث والناصريين، وزهد كثير من المثقفين والنخب في تجارب أحزابهم فقرروا اختيار مقاعد المتفرجين !!
ولم تقف الانقسامات عند حد الأحزاب "العريقة" بل طالت المجموعات التي حملت السلاح في وجه الدولة،بدعاوى المظلومية والتهميش، إذ توجد الآن نحواً من (40) حركةمسلحة من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، بعضها وقع اتفاقات سلام مع النظام السابق وبعضها مع الحالي وبعضها ما يزال، وهذه كلها من المنتظر أن تتحول إلى أحزاب سياسية بعد عملية إعادة دمج وتسريح مقاتليها،وهكذا فإن عدد الأحزاب مرشح لأن يبلغ ضعف ما هو عليه الآن.
سيجد المتأمل في التركيبة القيادية لأحزابنا المسماة كبيرة أن الأسرة أو العائلة هي من يبسط سيطرته على تلك التركيبة عدداً ونفوذاً، وأن الصف القيادي من خارج الأسرة هو في حقيقته أقرب إلى "الديكور"، وأن كل من حاول الخروج على هذا النسق، سواء من العائلة نفسها أو من خارجها، وجد نفسه خارج المؤسسة مفصولاً أو متمرداً؛ وما الحال في حزبي الأمة والإتحادي الأصل إلا أوضح الأمثلة على ذلك؛ وذات الشيء تجده في أحزابنا الآيدولوجية سواء من اليمين أو من اليسار.
والحال هكذا فإن الخطر الحقيقي الذي يتهدد التحول الديمقراطي في السودان هو هذا العجز المدني عن تجميع الشتات و عن الارتفاع لمستوى التحديات التي تفرضها المرحلة الجديدة، فنحن أمام أحزاب متناسلة، بلا برامج وبلا هيكلة هرمية قيادية وبلا أنظمة داخلية فاعلة وبلا رؤية واضحة لمشكلات البلاد وكيفية حلها، هي مجرد لافتات حزبية تريد أن تجد نصيباً من كعكعة السلطة، بغض النظر عن الكيفية!!
وإذا أخذنا في الاعتبار أن أغلب هذه الأعداد المتزايدة من الأحزاب أو الحركات المسلحة لم تقم على أساس تقارب فكري أو برامج للحكم يراد تقديمها للناخبين ليفوضوها أن تحكم وفقها، وإنما قام أغلبها على أساس مناطقي أو طائفي أو قبلي أو طموح شخصي،فإن المرء يؤسفه أن يقول إن "الحزب" الوحيد المؤهل للحكم الآن هو "الجيش"، فالجيش هو المؤسسة الوحيدة ذات الترتيب القيادي والتسلسل الهرمي المنضبط، وهو المؤسسة الوحيدة التي تستبدل قيادتها كل أقل من خمسة أعوام، وهو المؤسسة الوحيدة التي تنتشر في كامل ولايات السودان وتتكون عضويتها من كافة فئات وإثنيات المجتمع السوداني.
وعليه إذا لم تحزم القوى المدنية أمرها وتستجمع صفوفها وتتدارك أمرها وتؤهل نفسها، كما تفعل الأحزاب في الدول التي يتخذها الناس مثالاً للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، فإن "الجيش" وإن غادر السلطة بنهاية العام 2023 فإنه لا محالة عائد!!
كاتب صحفي وسفير سابق *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.