[email protected] صور الشاعر حميد يرحمه الله, حال الكادحين تصويراً بليغاً في رائعته ( عم عبدالرحيم ). نظم يصور حال عبدالرحيم, و هو من هؤلاء الكادحين : فتاح يا عليم رزاق يا كريم صلي علي عجل همهم همهمة حصن للعباد و هوزز سبحتو دنقر للتراب هم فوق همهمة ثم توكل علي الحي القيوم و نزل إلي الجرف, ليبدأ كفاحه اليومي, من أجل الحياة. قالت له أمونة, شريكة حياته, بعد أن ( شدتلو ) الحمار و حلبت اللبن لشاي الصباح, قالت له في عفة يخالطها حياء, و هي تصور حالها, أبلغ تصوير : قالتلو النعال و الطرقي إنهرن ما قالتلو جيب شيلن يا الحبيب ودهن النقلتي و الترزي القريب رد عليها زوجها عبدالرحيم و هو يبث شجونه و يعبر عن وفائه لها : بس يا أم الحسن طقهن ...آه بفيد ... طقهن آ... بزيد إنطقن زمن و إن طق الزمن ... لازمك توب جديد بي أياً تمن غصباً للظروف و الحال الحرن شان يا أم الرحوم ما تنكسفي يوم لو جاراتنا جن مارقات لي صفاح أو بيريك نجاح دة الواجب إذن و إيه الدنيي غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن يعيش عبدالرحيم, و ينتمي إلي بلد , يقال عنه إنه حصل علي إستقلاله منذ نيف و خمسون سنة, و أصبح مواطنه حراً, من قيود التبعية للأجنبي و إستعماره. لكن في حقيقة الأمر, لا يعد هذا المواطن حراً, إذ لا زالت تكبله قيود العبودية و الذل, التي تتمثل في الفقر و الجهل و المرض. ليس هناك أغلال تكبل الإنسان, أسوأ من هذا الثالوث اللعين. نظر عبدالرحيم, إلي نخلاته الباسقات التي تطرح بلحاً, كل 12 شهر و تساعد في ستر الحال. حدث نفسه و قال : عم عبدالرحيم يا حر ...إت ماك حر ياريت التمر يا ريت لو يشيل كل تلات أشر و لا أيام زمان كانت ما بتمر ثم أخذ يحدث زوجه و يبث لها همومه : كان ما جاك هوان... ما لاقاكي ضر كان لا ضقتي ضيق لا إنغرغر صدر و لا شابيت غريق... و لا طوح فقر لكنه يعود إلي نفسه و يحدثها و يقول ( الحميدة لي الله ) , أخير من غيرنا, ساترين حالنا, بي نخلاتنا و بي أرضنا, و هو علي كل حال, إنسان يؤمن بما تجري به المقادير. تسمعه يحدث نفسه و يقول عن هؤلاء : إلا كمان في ناس فايتاك بالصبر ساكنين بالإيجار... لا طين لا تمر وواحدين بي الإيجار... ما لاقين جحر سلعتم الضراع و العرق اليخر و يتمثل هؤلاء الكادحين في : عمال المدن كلات المواني الغبش التعاني بحارة السفن حشاشة القصوب لقاطة القطن الجالبة الحبال الشغلانتو نار و الجو كيف سخن هؤلاء هم المنتجون الحقيقيون و هم الذين لا يحس بوجودهم إلا إذا غابوا و هم وقود الثورات, فماذا ترانا نفعل تجاههم ؟ هل ندعهم يعانون من الفقر و الجوع و المرض و يحترقون, أم نعمل علي رفع مستواهم المعيشي, ليدفعوا بدورهم عجلة الإنتاج إلي الأمام ؟ و تسمعه يهمهم و يشكو من هذا الحال البائس, الذي تسببت فيه نظم حكم فاشلة, لا تنتج غير الفشل و لا يعرف القائمين علي الأمر, غير مصالحهم. يقول : حيكومات تجي ... و حيكومات تغور تحكم بالحجي ... بالدجل الكجور مرة العسكري... كسار الجبور و يوم باسم النبي تحكمك القبور إمتطي عبدالرحيم حماره, في طريقه إلي عمله. صاحت أم الحسن : لا تنسي النعال الطرقي الخدار اللبس الجديد تسريح السفر للماشي الصعيد ماشي الديش ... نفر و البال إشتغل إشتغل باله بهذه المسائل و غيرها : بي الأبي ما يعيد ... للحول ما إشتغل الغبن الشديد ... السابا و رحل الضيق ... المحل الفرج القريب الجا ... و ما وصل زي الحال دة يوم... لا كان لا حصل و البال إشتغل و هو في غمرة إنشغاله بهذه الهموم, وقع القدر و سال الدم غزير, و طارت دمعتين و إنشايح وتر. كانت النهاية المؤلمة و المحزنة لعم عبدالرحيم. هذا عين ما حدث لشاعرنا حميد. كانت السيارة تغذ السير تجاه الصعيد, و راكبها يؤمل و يحدث نفسه عن همومه. لكن لا يدري ما يخبئه له القدر. هل كان حميد ينعي نفسه ؟ في عقد الثمانينات الماضية, كتب الشاعر صلاح عبدالصبور, عدة مقالات في مجلة الدوحة القطرية, تحت عنوان ( علي مشارف الخمسين ). روي فيها سيرته الذاتية, ثم مات فجأة بعد أن أكمل كتابتها. قال النقاد, أنه كان ينعي نفسه. و هكذا الشعراء, ذوي بصيرة نافذة. يا حميد : صحي الموت سلام ما يغشاك شر.