الإيرانيون منحوه مناصب عليا: رئاسة القضاء الأعلى، أي السلطة القضائية في إيران، إضافة إلى عضويته في مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام. فكيف يكون مرجعاً يتحكم بشيعة العراق! بقلم: نبيل الحيدري ربط العراق بإيران عبر ولاية فقيه يتحدر محمود الهاشمى الشاهرودى من مدينة شاهرود الإيرانية، وقد نشأ فى النجف ودرس عند المراجع محمد باقر الصدر وأبى القاسم الخوئى والخمينى. درس عند الخمينى بحثه الخارج فى الحكومة الإسلامية ومبانى ولاية الفقيه وتشبع بولاية الفقيه. بعدها انتقل الشاهرودى إلى إيران حال مجئ الخمينى ونجاح ثورتها العام 1979 واهتم به الإيرانيون حتى أنه استلم رئاسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، لدورتين متلاحقتين، بينما كان محمد باقر الحكيم ناطقاً رسمياً للمجلس. أعطاه الإيرانيون مكاتب رسمية ومؤسسات تحقيقية وبيتا عظيماً فى منطقة سلارية، حيث يسكن أغنياء السلطة الحاكمين فى قم. وتولى مناصب مهمة عالية في إيران منها دورتان كاملتان لرئاسة القضاء الأعلى، أي السلطة القضائية في إيران، مع أنه لم يدرس الحقوق أو القانون، إنما دراساته كانت دينية، إضافة إلى عضويته فى مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام. كان ميله الفارسى واضحا لدرجة إخراجه العراقيين الموالين للثورة الإيرانية، من مؤسساته التحقيقية، بحجة أنهم لا يمتلكون الجنسية الإيرانية، وذلك انصهاراً فى الإيرانيين وإرضاءً لهم. ونقل درسه فى باب القضاء إلى الإيرانيين وفى المدرسة الفيضية بقم. كان الشاهرودى من أوائل من ادعى أن على الخامنئى هو مجتهد ودعا إلى تقليده، في الوقت الذي لم يعرف عن خامنئى أنه اجتهد وفقيه أبدا آنذاك، لا من أساتذته كالخمينى، ممّا يدل أنه كان فى بدايات الدراسات الحوزوية، والأستاذ هو الأعرف بتلاميذه. كما لم يعرف لخامنئى تدريسه للسطوح أو الخارج، وهذا شرط من شروط التصدي للمرجعية، وليس من يشهد من تلاميذه ذلك إطلاقاً، كذلك لم يعهد له تأليفه أى كتاب ينمّ عن مستواه الدينى. إنما هو رجل سياسة، لا فقه، فكان لدورتين رئيس للدولة، فمتى كان له الوقت لتكملة دراساته الدينية وتحصيل الاجتهاد، الذى ادعاه الشاهرودى له، وما جعل ولى الفقيه يمنحه تلك المناصب العليا في الدولة الإيرانية، والتى يطمح لها كبار الشخصيات الإيرانية. العجيب، أن الشاهرودى يستعمل لقبين مختلفين حسب المناسبة: الأول هو لقب الهاشمى وهذا ما يتقدم به عندما يكون بين العراقيين والعرب، والثانى هو الشاهرودى يستعمله بين الإيرانيين لإثبات أصله الفارسى وهو الحقيقى. وعلى الرغم من أن لغته العربية لا بأس بها لكن لكنته الأعجمية طاغية عليها، بينما ينطلق باللغة الفارسية كفارسي. إن منصب القضاء الإيرانى ليس منصباً محبوباً بسبب، ذلك لكثرة انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة داخل السجون، وكثرة الإعدامات والتعذيب والإقامات الجبرية، حتى للفقهاء والمراجع الكبار الذين رفضوا ولاية الفقيه، كشريعتمداري مثلاً. حاول الشاهرودى أن يطرح مرجعيته فى العراق، ويطبع رسالته العملية للتقليد، ويوزعها بكميات كبيرة، ثم يفتح له مكتباً رسمياً بالنجف، ويوزّع الحقوق الشرعية على طلاب العلوم الدينية هناك مدعوماً بشكل كبير من ولاية الفقيه وإيران، مما يمهد لمرجعيته فى العراق. ويبدو أن حزب الدعوة الإسلامية، الذي بيده رئاسة الوزراء في العراق، يميل إليه ويدعو إلى تقليده بعد وفاة المرجع محمد حسين فضل الله بلبنان، وبسبب التاريخ المتقارب بين الشاهرودى وحزب الدعوة فى مفاصل عديدة كان الصراع على أشده بين الحركات الإسلامية فى إيران؛ مما جعل الشاهرودى على صلة قريبة من الدعاة. المشكلة الكبرى فى الشاهرودى هى التبعية الكاملة لولاية الفقيه الإيرانية؛ والولاء المطلق لها، وبملاحظة موقعه الرسمى توجد رسائل الولاء لولى الفقيه الإيرانى خامنئى بشكل صارخ؛ وكذلك رسائله إلى حسن نصر الله فى لبنان، وتأييده لحزب الله مازال الحزب تحت يد الخامنئي. له تعابير تفيض بالكراهية، مثل "أبناء الطلقاء والطاغوت"، كما يمتلئ موقعه الرسمى باللعن على ما سمى بأعداء أهل البيت، بأسلوب فج خالٍ من الذوق العام والخلق الإنسانى، فكان الأولى من السباب واللعن استخدام كلمات المحبة والرحمة والسلام. كما عرف الشاهرودى بنرجسيته العالية وتعاليه على طلابه، واستعلائه فى التعامل مع الناس خصوصاً مع العرب بنوع من العنصرية المعهودة، وهى طبيعة ملازمة للكثير منهم، تلاحظه في أفلامهم العنصرية خصوصاً أيام الحرب ضد العراق، وأشعارهم منذ شاهنامه لفردوسى إلى يومنا هذا، وخطب الجمعة، وتشبيه العرب بأنهم أبناء الصحراء والبغال وأكلة الجراد. على الرغم من أن الشاهرودى من المجتهدين الكلاسيكيين، أى أنه لم يعهد له غير الفقه والأصول الكلاسيكيين دون العلوم الأخرى أصلا، لكن المشكلة كل المشكلة هى التبعية لولاية الفقيه الإيرانية مع التدخل الإيرانى السافر في جميع مفاصل العراق فضلا عن تصديرهم المخدرات والمواد الفاسدة. يعتقد البعض أن ولاية الفقيه الإيرانية تريد فرض الشاهرودى مرجعاً للعراق؛ بدعم مادي ومعنوي كبيرين جداً، علماً أن أكثر مراجع الشيعة على مر التاريخ لا يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه، كما أنها جربت بإيران، وكان استبدادها وآثارها السيئة واضحة جداً. يريد الإيرانيون اليوم الخلاص والنجاة منها كما ظهر للعيان في تظاهرات شباب الجامعات والثورة الخضراء ضد أحمدي نجاد وهم يرددون "الموت للدكتاتور"، ويقصدون ولى الفقيه ونجاد التابع له. إن المتوقع بعد وفاة السيستانى، وهو مسن ومريض، أن تطرح إيران بقوة محمود الشاهرودى مرجعية عليا في النجف، على الرغم من وجود المراجع الثلاث: محمد سعيد الحكيم، وبشير النجفى، وإسحق فياض. تريد إيران فرض مرجعية تابعة لها كليا ظاهراً وباطناً، ولا أنسب من رئيس القضاء الإيرانى وعراب ولاية الفقيه لفرضها على العراق. لكن الواقع أن في العراق نفسه مرجعيات عربية عراقية أصيلة لا تحتاج أن تستورد مرجعيات فارسية تابعة لولاية الفقيه الإيرانية، وبهذا تتحول المرجعية إلى مرجعية حزبية سياسية لا دينية مثلما عهدها العراقيون الشيعة. نبيل الحيدري