بسم الله الرحمن الرحيم الشباب يصنعون الثورة!! كل ما نستطيع أن نفعله هنا في السودان هو أن نراقب عن كثب تلك الأحداث الجارية الآن في الجارة مصر ، ويحق لكل منا أن يتفق أو يختلف يؤيد أو يعارض ما يجري فلن نغير من الأمر شيئا ، ولكن !! بالرغم من أن المشهد لم يحسم بشكل كامل بعد ، فإن هناك ظواهر عدة تستوجب النظر ، فحياة الشعوب تجارب متبادلة ، ولقد كان في الثورة المصرية من 25 يناير الي الثلاثين من يونيو 2013م. ما يلفت النظر ، ويثير الدهشة فنجد علي سبيل المثال : 1- أن الشباب هم من قاموا بثورة يناير ، ثم أٌقصوا فيما بعد ، بعدما إختطف ثمارها جماعة الإسلام السياسي( الإخوان المسلمين) . 2- أنهم راقبوا الوضع لأكثر من عام فوجدوا أن وطنهم " مصر" ومستقبلهم يضيع فما كان منهم إلا أن تحركوا و" تمردوا" في شكل حملة شبابية سلمية كان هدفها إسقاط نظام إقضائي فشل فشلا ذريعا في إدارة شؤون البلاد. 3- إستجاب للحملة أغلب قطاعات الشعب ، بل والتيارات السياسية المختلفة ، ونجحوا في إسترداد ما سلب منهم باسقاط حكم المرشد، وبذلك فضحوا مخططات ما يعرف بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ودوره المشبوه في إحداث الفتن والتشويش والتلبيس علي المسلمين . 4- أصبحوا قوة لا يستهان بها بعد الثورة وأجبروا " الكبار" علي أن يكونوا طرفا أصيلا في التشاور وإتخاذ القرار ، وها هم يجلسون الآن ، جنبا الي جنب ، مع القادة العسكريين ، والرموز الدينية والوطنية ليتشاوروا في تشكيل الحكومة الجديدة. 5- نجحوا في إرباك مخططات الدول الكبري بعد نجاح ثورتهم ، خاصة أمريكا ، المنفذ الأول لمخططات الصهيونية العالمية بالمنطقة ، وحامي أمن إسرائل ، وكسروا بذلك حاجز الهيمنة الخارجية علي السياسات الداخلية للشعوب المستضعفة ، وبذلك أثبتوا فشل تحليلات وإستنتاجات صناع القرار . 6- أدركوا أن " المعونات" والفتات من المساعدات التي تتصدق بها الدول الكبري علي الشعوب المستضعفة ، ماهي إلا أداة من أدوات الهيمنة الإستعمارية حيث تفرض الاملاءات الخارجية لتوجيه السياسة الداخلية للدول بما يخدم مصالح الدول الكبري وعلي رأسها أمن إسرائيل ، فأسسوا حملة وطنية أخري للتبرع الشعبي . 7- ما أنجزه هؤلاء الفتية أثبت للعالم أن كل طاقات التغيير والتجديد والتفان والاخلاص في العمل من أجل الوطن بيد الشباب، وأنهم طاقة خلاقة مبدعة لا يستهان بها. 8- في هذا الصدد ، قال الكاتب علاء الأسواني معلقا في مقابلة تلفزيونية بثت مؤخرا: "يدين الشعب المصري بالفضل ، بعد الله تعالي ، لحركة تمرد الشبابية في إنجاح ثورة 30 يونيو" . والحق يقال ، أن ما أنجزه شباب " تمرد" في التحضير والتخطيط والتنظيم لخروج أكثر من ثلاثين مليون مواطن مصري الي الشارع لاسقاط نظام رأوا أنه لم يحقق مطالبهم الثورية ، بل جنح الي الاستئثار بالدولة ، يعد سابقة ، ربما هي الأولي نوعها ، في التاريخ البشري ، أن يخرج " ثلث" الشعب الي الشارع ليعبر عن رأيه بسلمية مطالبين بضرورة إسقاط الرئيس الذي ، من وجهة نظرهم ، فقد الشرعية الدستورية كرئيس منتخب ، وقد كان لهم ما أرادوا. يمكن أن نستخلص من تجربة حركة تمرد المصرية ما يلي : 1- حب الوطن والزود عنه هو العامل الأساس في إحداث التغيير. 2- قدرة الشباب علي الابداع والابتكار ، والمشاركة في الرأي والحكم بل وإدارة القضايا الصعبة. 3- مهاراتهم في أستخدام التقنيات الحديثة لعكس مشاكلهم ومشاكل الوطن وإيجاد الحلول بطرق منطقية ومنهجية وسلمية . 4- إعتمادهم الكامل علي أنفسهم ، بعيدا عن إستقطاب وهيمنة الرموز والأحزاب التقليدية والتي خبروا أنها لا تعمل إلا لمصلحتها فقط. 5- إحترام " الكبار" من قيادات أحزاب ورموز وطنية وقيادات عسكرية لرأي الشباب وإشراكهم في حرية الإختيار وإتخاذ القرار. 6- معظم الشباب المشارك في حركة تمرد لم ينضوا تحت أي حزب من الأحزاب السياسية ومع ذلك ظهروا كثقل وحضور مقدر في المعادلة السياسية. 7- قراءتهم الواعية لواقعهم السياسي وإستيعابهم لبعض قواعد " اللعبة السياسية". 8- ذكرت النيويورك تايمز ، واصفة شباب حركة "تمرد" علي موقعها الاليكتروني الثلاثاء 2/7 " أنهم عملوا جميعا في وسائل إعلام معارضة لكنهم نأوا بأنفسهم عن الأحزاب السياسية"، موضحة أن "جميعهم مسلمون ومتدينون بشكل شخصي إلا أنهم لا يثقون في الإسلام السياسي لجماعة الإخوان المسلمين".. ما يحدث الآن في مصر هو شأن داخلي فعلا ، وهذا ما عبر عنه في البداية الموقف الرسمي للحزب الحاكم في السودان ، منذ أن تم إسقاط نظام " الإخوان" بمصر ، إلا أن المدهش بحق هو بيان الحركة الاسلامية الذي ندد علي استحياء باقتلاع السلطة من رئيس شرعي منتخب !!ولم يكن هذا البيان إلا الرأي الفعلي للحزب الحاكم بإعتباره أحد أذرع حركة الإخوان المسلمين الدولية. وا عجباه !!.. إذ لم ينسي التاريخ أن الحزب الحاكم الآن ، هو أول من إقتلع السلطة من حكومة شرعية منتخبة!!. للأسف!! سيناريو وأحداث التجربة المصرية لا ينطبق علينا ، إذ ليس لدينا ذلك الجيش الوطني الذي يحمينا من غوائل الأيام ومن بطش وقهر وجبروت الحكام ، وإنما جيشا متحزبا ، وميليشيات وحركات مسلحة مسيسة ، تقتل بعضها بعضا ، وتقتل أهلنا كل يوم وفي كل مكان ، وتستبيح دماء المسلمين وغير المسلمين بدم بارد. كما أنه ليس لدينا تلك الأحزاب القوية المؤتلفة ، التي يمكن أن تتعاضد وتتحالف لتحمي الوطن وتدافع عن الشعب ، وإنما لدينا أحزابا هرمة ، فتك بها الزمن ودب في مفاصلها الشيخوخة ، لا تستطيع أن تفكر الا في مصلحتها فقط ، كيف تستقطب الناس، وكيف تستحوز الثروة لنفسها وكيف تعيش علي أشلاء الضعفاء ، وكيف تنتشي من تقبيل الأيادي ، فالسودان .... في نظر بعضهم ، بلد العبيد ، وراثة للأسياد. هكذا أفهمهم وزرعهم الإستعمار. الأهم من كل ذلك ، ليس لدينا تلك الروح الوطنية ، أو حتي ذلك " الوجدان" الوطني الحقيقي التي يمكن أن يجمعنا في البأساء والضراء تحت سقف وطن واحد، فقد شرزمنا الحزب الحاكم وأهلكتنا الأحزاب الطائفية وغيرها من قبل ومن بعد ، ودمرتنا الحروب الداخلية وأصبح جزءا من شعبنا ، إما لاجئا في دول الجوار أو مغتربا علي مضض ، أو مهاجرا جسدا بلا روح . لا أحد يريد أن يغير أو يتغير!!. ليت شبابنا يعوا هذه الدروس جيدا ويتعلموا من رصفاءهم كيف تعالج الأمور ، فوضعنا الداخلي والخارجي أسوأ بكثير مما هو متصور ويكفي أننا مصنفون كأفشل دولة في العالم ، ليس إستنادا الي تقارير مركز الشفافية فقط ، وإنما بحكم واقع ملموس ، نعيشه كل يوم !!. نسأل الله أن يلطف بنا في شهر رمضان الكريم وأن ييسر لنا صيامه وقيامه وأن ننجح في ذلك ، فالصوم لله وهو يجزي به والفشل ، كل الفشل لمن صنعه ، أو تسبب فيه ومن العدل أن يحاسب عليه. مرحبا شهر العبادة ورمضان كريم كل أهلنا . الدمازين في :09/07/2013م. محمد عبد المجيد امين ( عمر براق) [email protected]