قبل أكثر من عام، وحينما أقمنا حفل توقيع لروايتي " مراكب الخوف " في نقابة الصحافيين بالقاهرة اتصلت السفارة السودانية في مصر بأجهزة أمنية، وبنقابة الصحافيين وبوزارة الخارجية احتجاجاً على تنظيم فعالية لعدد من السودانيين " المعارضين" احتفاءً بنشر كتاب، وكان من ضمن الفعالية فقرة غنائية للفنان الصديق أباذر عبد الباقي، ومطرب يمني. احتفلنا ، وابتهجنا، وتحدث من تحدث وغنى من غنى، لكن النظام لم يخف غضبه، بل حرك كل أجهزته القمعية والأمنية المتلبسة ثياب " الدبلوماسية " لتعبر عن استيائها، ثم لاحقاً تطالب بابعاد ، أو تسليم كل من تعتبره" خميرة عكننة للعلاقة بين البلدين، وهي تقصد عكننة للنظام في الخرطوم. هذا النظام الذي يصادر الحريات، ويمنع الناس من الكتابة، ويوقف مصادر رزقهم، ثم لا يقف عند هذا الحد، بل يطاردهم حتى في عواصم الدول المجاورة، بطريقة لا تخلو من " صبيانية"، وحقد، وكراهية، حتى ولو أثارت استياء الدول المعنية، لأنه تدخل في الشأن الداخلي، ومحاولة للسيطرة على صناع القرار في تلك الدول، وإملاء الشروط على المؤسسات هناك ، لتحدد من تستقبل؟ ، ومن تستضيف؟.، ومن تبعد؟. وهي طريقة ظلت تتعامل بها أجهزة النظام التي تطارد مواطنيها، وتضيق عليهم الخناق داخل وطنهم، الذي حولته إلى سجن كبير،إلى أسوار من المخاوف والهواجس، والشكوك، وإلى ظلام دامس من الجهل والاستبداد، والتطرف والارهاب ، وتحاول السلطات استغلال علاقاتها العقائدية، أو السياسية، أو المصلحية لكي تجد ثغرات تعبر من خلالها، إلى ثقب قضيتها الخاسرة. وليس غريباً؛ أن يكون من ضمن أجندة عمر البشيرفي زيارته إلى مصر ، والتي كان مقرراً لها الثالث من يوليو الجاري، ولقاء رئيسها المعزول محمد مرسي، بحث ملفات المعارضين السودانيين في مصر، وللغرابة فإن معظم السودانيين الناشطين في القاهرة، ليسوا قادة أحزاب، ولا قادة عسكريين، بل معظمهم ناشطون، كل ما يفعلونه هو تنظيم وقفات احتجاج أمام مبنى السفارة، أو التحدث إلى " الفضائيات " في حال حدوث أحداث في السودان!. هذا كل ما يفعلونه، وكان يمكن أن يفعلونه في بلادهم بكل سهولة، مثلما يفعل الناشطون المصريون، أو الليبيون، أو التوانسة، أو حتى بعض الفسلطييين ومن داخل المناطق الواقعة تحت سيطرة أسرائيل !. فهم لا يحركون جيوش، ولا يحركون خلايا " نائمة" أو " مستيقظة"، بل إن كل الأمر لا يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي بالمظاهرة، أو الكلام الحر. وبعد أن انتهى عهد مرسي، ها هي السلطة تعيد ذات طرائق تفكيرها، لتحتج هذه المرة علناً على قيام ندوة للحركة الشعبية وافتتاح مكتب الحركة هناك، لأنها حكومة مستبدة وفاسدة، لكنها " مذعورة"، تخيفها مجرد كلمات، ويرعبها ناشطون لا يحملون بنادق، لكنهم يرهبونها ، وما يشعل غيظها هو أن هؤلاء؛ " خارج نطاق السيطرة"، وفي امكانهم فضح فسادها، وعنصريتها. ولو كانت هي " حكومة " عاقلة" لبحثت في سبب هجرة الناطشين، من بلادهم، أو سعت لحل مشاكلها الداخلية بدلا من التطفل على سياسات الدول المجاورة، منحوها أو منعوها؛ فلا تزداد سوى ذل، واهانة، لكنها حكومة بلا كرامة .