الصباحات ليست كلها "تعاريف" أو عصافير خريف تتشابه..وكذلك اختلاف المساءات..هناك مساء أغر..ومساء تحفه نجوم السعد الطالعة..ومساءات يلسعك فيها فقط الباعوض بتلذذ وشماتة حكومية..ولكن صباحي ذلك الصباح كان غريرا..كان الصباح الأول هناك..رغم أن المساء الذي سبقه مسني فيه اللغوب..وصياح الديكة منبه طبيعي يغزو سماعك بوشوشات الجدادات المعجبة بالديك الضكر..وكلب ينبح بصوت أجش لم "يمص" عضما منذ الضحية الفاتت..وحتى لحم الضأن ما عادت "الكلاب تأكله" في بلادي..بل تأكله عفاريت من الجن الأزرق.. تبتسم للنجيمات التي تقاوم ضياء الشمش العنيد بضوء بطاريتها المسكين والذي يخبو رويدا رويدا كشرارة عود شدر القَفَل العوير كسياسي راقص..انتزعت نفسي بخفة والناس نيام..ولما كنت اسكن بالقرب من بحر أبيض..صادقت "صخرة" بت الشاطئ..وتعاهدنا أن تحملني للموجات تداعب أقدامي كلما "جيت البلد" شاردا ومعردا من غربة..وهكذا قمت "منسرقا"..وطاف "شارقٌ" في بالي سبع أشواط..نِعْمَ نِعْمَ القام منسرق زار حبيبا أجمل خلق..تلاتة أطفال يلعبون برسم الطين حيوانات على هيئة البقر والطير..والجمال..والأحلام..فاجأتهم بظهوري المبكر..والذي هو أصدق من حكاية البكور المسيخة ومصمصة ديك لو تذكرون..فتهامسوا توجسا..فهم لابد كانوا يتوقعون عم عبد القادر الذي يزرع "اللوبا عفن" وابسبعين على الشاطئ اللين المنسحب كل عام.. دلفت بقدمي الحافيتين إلى الماء "الساقط" بحذر القط..فهربت سخانة الغربة من جسدي بعطسة داوية تعمدت أن أرش بها الشاطئ كله وشدر الحراز وشدر السنط..بطريقة تخلو من مظاهر التمدن والكياسة..كما يفعل شلوبة عندما يُصاب "بلفخة" برد..الشاطئ المقابل يفتح شبابيكه للشمش..والعصافير المستعجلة أقلعت في أسراب وهي ضاجة في مرح يجعل الشرنقات واليرقات والحشرات تسرع في تحديد مواقع وسواتر الاختباء تحت "الطَرق" والأغصان الصغيرة وقطرات الندى..حذر الموت بالمناقير الممنقرة..ما بال ناس الحكومة والمؤتمر وأفراد حركة المرور كأنهم حاملي تلك المناقير الحديدية ونحن يرقات وحشرات كاملة النمو..كما وصفوا نصفنا المقطوع يوما..؟!!! وسخافات الخيال اللئيمة كالدخان وراءه دائما نار من شوق "رسول ونبي" كمان ومن تباريح الهناك..ولكنني لم أكن أتخيل..ولا كان يغالبني نعاس..بل عينك عينك..وكملت نومي CHت البارحة.. ولم يتبقى منه قطرة دقسة..وكنت اسمع صوت الأطفال على يميني الذين يبدو أنهم قرروا خوض الماء سباحة مواصلة لألعابهم المائية الصباحية.. - كنت أراك تتكشّم وتتضحّك وطائرتك تحلق في صباحات المدينة العاصمة..قالت شارق كأنها تنتظر تقريرا عن عشق السفر.. - نعم نعم أنت عشق فادح الملمس..ثم شوفي أنا قررت وعرفت تماما أننا قوم سود..وذلك من سواد الأرض الواضح وأنت تحلق فوقها..ومن أديم استلفته البيوت والحيطان وجدران الغرف..كلها كانت سوداء كعينيك..هذا نهر عطبرة مكعوجا..هذه خشم البطانة الغربي وباجاته الشاسعة اليد..هذا عيال الفونج ثم تحورت العيلفون..وهذه مزارع "الكبار" أليس ترى الرشاشات الدائرية!!..وها نحن نقطع الأزرق العاتي..لنصل الأبيض الهادي..مرات ومرات..وعندما أرهق الهبوط الطائرة..ارجف الخائفون..وكنت أمعن حينها النظر إلى البيوت والشوارع..فكنت كأني أنظر إلى " motherboard" لراديو ترانسستور كنا نفككه قديما أو لجهاز كمبيوتر..الدوائر الكهربائية المربعة..وأشياء اسطوانية كأنها خزانات وقود صغيرة..والشوارع لحام بينهما..وفوق البحر الأحمر كانت السحب متساوية تحتنا كأنها حقل فول سوداني تمت زراعته في يوم واحد في دار حمر..وعندما كادت العجلات أن تلامس أرض المطار أطلت صورة الرئيس مقبلة "غرب" فيما يسمى الساحة الخدراء..فاغتم قلبي..واندفعت إلى الحلق والخياشيم كل سوائل جسدي وأشحت بوجهي كما يفعل شلوبة دائما عندما "يابا" الشي..لأن النظام الذي يضع صور الرؤساء في ساحات وميادين البلد نظام لا يستند إلا على السوس..وناقصي المناعة الوطنية المكتسبة والجراد وقبورة التابعة .. وأنا جالس على صخرتي..كنت أبحر إلى داخل عينيها وسود الخصلات..وبحر ابيض كأنه تنورتها البيضاء تلك تسد الأفق من قرب فندق الهيلتون إلى جبل أولياء..وكانت بلوزتها الوردية تخنق خصرها لتضاعف شراسة جنوني..وكانت كأنها تداعب إصبعها "لبّاس الخواتم"..كما يفعل لاعبي الكرة عندما يحرزون هدفا..وهي قد أحرزت أهداف وأهداف في مرماي الهلالي النوع..واتفقنا أنا والشربيني عاشور فيها.. وكنت أدسها في القلب**حتى غدت قلبا أصيلا من نسيجي أقابلها مكحّلة الليالي**وفاتنة تلوح بالأريج أقابلها إذا قابلت سعدي**رقيقا أو تخضّر بالمروج وعندما انحنت قليلا لتلتقط كفي لنمشي سويا فوق بحر أبيض..ومددت لها يدا كسهم كويبد..استدارت قليلا لتلفحني بطرف تنورتها البيضاء الممتد على الشاطئ.. لتتفادى جني الكلكي المعتاد..وبغتة كحاوي محترف أخرجت "جواز سفر" أخدر..وأشهرته كسيف عينيها..فضربتُ بقدمي الماء جزلا وصرخت وقوفا حتى جفل الأطفال وأمواج الشاطئ الكسولة والعصافير.. - التأشيرة!! وشلوبة وبعد أن حكيت له حكاوي السفر البعيد..والخبيرات..وطرحت له مساحة أن يرميني بأخبار البلد والحكومة وست النفل..وبت عم إبراهيم..ولجنة الجامع التي اعتدت على "الجنرتر" كما ينطقها مقابل generator وباعته خلسة لتاجر شرس الطمع وعضو "مؤتمر"..انفجر ضاحكا ومغمضا عويناته الذكية وكانت سكينه التي يسميها "الأستاذة" قد برزت من أعلى يسراه عندما رفع يده نافضا كمه..ثم قرر مفسرا أحلامي: - بختك والله ياعبضرحيم..اعتمدوك بجواز المرور!! - ......؟ شلوبة! ورجعت من بحر أبيض متخما بالأمل..في أن اسمع حكاوي صديقي شلوبة غدن كلها..والوطن مليان بخامات الإلهام..فقط عليك أن تلتقطها من كيمان البؤس الوحشي السرطاني الطابع كما قصبة العدار الخائنة..!! ..يتبع.. ديباجة الحديس: للوطن رائحة وعطر تراب تشمه في شرفاء الناس البسطاء..أما الفاسدون "حكامنا" فهم لا يحملون على ظهورهم إلا رائحة فسادهم "المحمّض"..كما الجعران يدردق تمويله ومؤنه..