حسناً .. عندي ما يُشبه اليقين أن ( ساندرا بولوك ) تتربص بي . و .. أظنها محسية . تتنزل صفيحة سماء الصيف فوق رأس المدينة الخليجية الساحلية البعيدة ، فاعرف يا رعاك الله حينها أن صالات انتظار البنوك الإستثمارية هي الأكثر برودة من ( نخرة كلب ) . قلتُ بذلك و استأنستُ للقول ، مضيتُ من فوري فدخلتُ إلى صالة البنك الإستثماري الفخيم في الشارع التجاري - الفخيم أيضا - بوسط المدينة التي تخاصر البحر . أنضح عرقاً كنتُ جراء تفاقم الصيف و أنشوطة ربطة العنق و ربطة الروح و كافة ربطات و عقد لوائح العمل الملزمة لمخلوقٍ مطلوق القيد مثلي ممن لم يعرف للعنق ربطة إلا حين رمته صروف الدنيا إلى بلادٍ لا تقيم لك وزنا و لا التفاتةٍ تعِركَ إن لم تشنقك اثنتان : ربطة للعنق و عقدة في اللسان عجيمة ، داخلاً إليها فموقناً بأنْ لابد لي من شيء أرومه في صالة البنك الباردة هذي خلا الهجرة إليه فراراً من هجير الصيف ، حسناً فأنا عميلٌ محترمٌ ببطاقة بلاتينية و بطاقة فضية و أخرى كلاسيك و دفتر للشيكات و رقم حساب مصرفي متين ، و علي ذلك فثمة إدارة افترعها البنك لشاكلتي من الخلايق الحائسون في مضخة الإقتصاد العالمي و تجارته الحرة و عولمته القسرية ، فأنا عميلٌ إذن و عندي إدارة في ذاك المصرف أسموها « خدمات العملاء « . فأنا أدخله و الحال كذلك « بي حقي « . فدخلت مرفوع الرأس و صاحب مِلِك . و الفكرة تلك ما تزال خميراً طيباً بذهني .. لقيتني قد علقتُ تماماً بُعيد البوابة الأليكترونية الزجاجية العملاقة ، و ظللتُ لا أفلح في إخراج البطاقة المرقمة من الآلة قرب المدخل بذلما جهدتُ ، فزمت و زمجرت و لعنت ما عنّ لي من هرطقات الكلام ، شأني و رعايا العالم الثالث العامهون في الردة لأصولهم البدوية كلما اصطكوا بالمحدثات البادعة فأربكتهم حذلقاتها و الفنكهة فيها و الفلهمة العورا و شيل البطارية في القمرا ، ظللتُ مراوحاً لعناتي تلك حتي امتدت يدٌ ناعمة صغيرة بمبيةٌ على دهبي على طلاوة و ليونة و سماحة .. إمتدت برااااااحه ساحبة البطاقة الورقية في سهولة و سلاسة .. و ناولتنيها . كانت ساندرا بولوك بشحمها و لحمها و وجعي عليها و المغسة القديمة و الضرس الذي عاود النتحان . أذكرها ( ساندرا بولوك ) بت اللزينا تلك و قد مارست عليّ أول تربصاتها التي أحب و أنا ما أزال صبياً جديد المقانص و اللحية و الشارب و الصوت التينور ، و في صفي الثانوي الثاني . و قد كنا عائدين من ( كوشة الجبل ) بغنم جدي من بعد أن سعيناهم في الخلاء الواقع شمال الحزام الأخضر : طارق و محمد ود اليماني و أنا . عدنا بالغنمات من الحزام الأخصر بعد أن أهلكت تلك الكائنات المرعى الأخضر هناك و جل السافنا الفقيرة المحيطة بجنوبالخرطوم ، تتكالب علي الخرطوم كل زواحف الحال مذ تحولت من بداوتها قبل مئات السنين فتخذت لها فرضية التمدن سبيلاً للحاق بالحضر ، فزحف عليها الناس و التصحر و البلاء و الحكم و الحكمة . و قد كان حاكم الخرطوم حينها قد أمر بالقبض و المصادرة لأيما غنمايةٍ ضالة ، فخاف جدي على مراحه الذي يؤثر دون كافة مخاليق الدنيا ، فصب من فوره جام اللعنات علي يافوخ المحافظ الحاكم و باللغات النوبية كافة : دنقلاوي / محسي / حلفاوي ، و هو بليغٌ في ثلاثتها حين يتعلق الأمر باللعنات و سب سنسفيلات من يقف أمام غضبته الجميلة . أسقط في يد جدي الحاج حين توالى القبض و المصادرة لمراحه ذاك ، ثم ما أعقبه من تعدد الزيارات التي أرهقت سنينه الثمانينيات ماشي جاي من زريبة البهايم الحكومية على النيل الأبيض غربا . فأيأسه الحال ذاك و برى عناده النوبي ، فلم يجد مخرجاً غيرما الحيطة القصيرة ( نحن : أحفاده ) ، فصرف لنا من الأوامر المستديمة ما اعتبرناه أحكاماً جائرات تتعطل بموجبها كل مهامنا الصبيانية زمانئذٍ ، بما فيها المذاكرة . الشاهد أننا أُمرنا بمرافقة الغنم التعيسات تلك للرعي و السعاية بأبعد ما يكون عن أعين رجال المعتمدية و البلدية و كذا أعين الحساد من الجيران .. فالأمر لله . - ملحوظة : ظلت غنمات جدي آفة حياتي لمراحل طوال من زهرة عمري . ما علينا .. عدنا من المرعى الحضري جنوبالخرطوم بالغنيمات التي شبعت فتكرعت .. نسوقها أمامنا و قد أخذ منا الرهق ، تأخرت أنا قليلاً خلف القطيع - لشيء في نفسي و لنداء الطبيعة - فبصرت بساندرا بولوك .. فأوجعني شيءٌ ما . كانت بعيدة قليلا .. لكنها ساندرا بولوك ، و كانت مثلنا ترعى غنما ( ربما جدها أيضا خاف من تهور حاكم الخرطوم فأرسل غنيماته للحزام الأخضر ترعى ، على أن تحلي في طريق العودة بالطيبات ال Desserts المتوفرات في كوشة الجبل ) .. ركنتُ للفكرة تلك التي تجعل من ساندرا شريكة لي . المهم . غمزتها ، فضحكت هي علي خفرٍ لذيذ أوقف نشاب دمي و أغواني فاقتربتُ ، تاني غمزتها - و الغمز زمانئذٍ حركة غزلية لا يطيق فعلها إلا كل جبار عُتِلٍ زنيم - فتاني بسمت لي ساندراي بولوكي ، الله يا للسعادة . صحت في الرهط الذي سبقني طارق و ود اليماني أنْ : إتخارجوا يا قوم .. أنا باخعٌ نفسي هنا . الليلة الدّق . المهم .. جئتها فسلمتُ بأوسع ما قيض الله لي من إبتسامٍ فلم تتمنع عليّ ، و بسمتني بأحسن منها ، حتى شلع برقُها فانخلع قلبيَ الصبي و أوجعني . لي تضاحكت و جدعتني بالكلام اللذيذ الذي يفتح بوابات البلايا ، فتجاسرتُ و أمسكت بيدها مسلماٍ لمرتيَ الألف .. و في فرحٍ طنطنتُ : غنمكم ديل وللاي أحسن من حقيننا ، زاتا ألوانهم كويسة و صحتهم سمحة .. تلقي هسه لبنهم كتير .. مش ؟؟ . ذلك و كثير رغيٍ قلتُ به و أطنانٍ من كلام الطير في الباقير . فلما استراحت و ارتخت و استرقّت منها الأسارير و سرحت في الترافق معي ، عدتُ فأمسكت يدها للمرة المليون بعدُ .. و مشينا من خلف غبارٍ جميلٍ للغنم السابقتنا و فيه دسسنا النشوة تلك و الخلوة البهيمية ، تلفنا ريح ما حسبتها سعادتئذٍ إلا كوكو شانيل و ميراكل على جنينة السيد علي علي صاروخ فلوردامور . شالتني أنا الهاشمية و اندفاع الأدرينالين في دمي ، فعمدت إلى يدها القطيفة الدانتل تلك فطقطقت لها أصابعها واحدة واحدة . فلما وصلت إلى طرقعة الخنصر : أوجعها - أذكر - فنهرتني : براحة ياخ ، ده شنو ده ده . فاستأت من النهرة التي أصابت عزة نفسي و الكبرياء . هببتُ لكرامتي الدليقة فرددتُ عليها نهرتها بأشد منها - و كنت أملك حلقوماً كبيرا و حبال صوتي ما تزال ( جديدة كلياً ) خارجة للتو من مراهقتها إلى حيث خوار ثور الرجولة فيها ، فهشت ساندرا أغنامها مغضبة .. و مشت ( تتثنى في دلالٍ ) كما يقول المغني .بقيت أرقبها و أسبها و أغنامها و أصابعها العيانة ، حتى غابت في العفار و الغبرة التي خلفتها بهائمها ذات الرائحة المهببة . ظللتُ فترة اراها في الحلم و النوم الغزاز فأهضرب أهضرب ثم .. خلاص ، غابت .