رغم تأكيد حكومة جنوب السودان مجدداً نفيها لدعم حركات التمرد في السودان، وذلك غداة تهديد الرئيس السوداني عمر البشير بوقف تدفق نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية، فإن العلاقة بين السودانيْن أصبحت أكثر توتراً من ذي قبل، ما يجعل الدولتين في حال صراع وتوتر دائمين يذهب أي فرصة من شأنها أن تزيل الخلافات العالقة بين دولتي السودان. ومما لا شك فيه أن ما تسرب للإعلام مما دار في القمة الثنائية التي جمعت بين الرئيسين السوداني ونظيره الجنوب سوداني سيلفا كير ميارديت بالعاصمة الإثيوبية اديس ابابا يوم الجمعة الماضية لم يكن هو حقيقة ما دار، سيما بعد التصريحات الغاضبة التي أدلى بها البشير عشية الاثنين الماضي عقب تحرير الجيش السوداني لمنطقة ابو كرشولة بجنوب كردفان، والتي بعث فيها برسالة تهديد وانذار واضحة لحكومة جوبا بأنه سيغلق انبوب النفط الجنوبي وسيلغي اتفاقيات التعاون كلها في حال لم يوقف الجنوب دعمه لمتمردي الجبهة الثورية. ورغم أن تصريحات البشير التي جاءت في حالة غضب وانفعال ولا يمكن اخذها مأخذ الجد بحسب مراقبين، باعتبار انها لا تعبر عن موقف سياسي رسمي، سيما وان مثل هذه التصريحات تأتي في حكم المعتاد، حيث سبق للبشير وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي ان اعلن وقف التفاوض مع الجنوب وعدم سماحه البتة بعبور نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية، وذلك ابان الهجوم الذي نفذه جيش الجنوب على منطقة هجليج النفطية، ولم تمض الا ايام حتى جمعت مائدة اديس ابابا التفاوضية الطرفين مرة أخرى. قرارات لانهائية ويشير مراقبون إلى أن مثل هذه القرارات الغاضبة وإن جاءت على لسان الرئيس السوداني، لا يمكن ان تكون بمثابة القرار النهائي، ولكن ثمة مؤشرا يقود إلى ان تهديدات البشير لم تكن نتيجة لحالة انفعالية انتابته بعد ان ألهبت هتافات الجماهير وزغاريد النساء اللاتي احتشدن في فناء القيادة العامة عشية الاثنين الماضي حماسه العسكري، حيث سبق صدور تلك القرارات اجتماع مغلق عقده البشير مع نائبيه وكبار وزرائه ومساعديه وقيادات عسكرية وأمنية داخل القيادة العامة للجيش قبيل دقائق من مخاطبته للجماهير، الأمر الذي يشير إلى ان تلك التصريحات لم تكن وليدة لحظتها، سيما وان البشير واثناء خطاب التهديد هذا كان يقف بجانبه نائباه ومساعدوه وكانت علامات الرضا لحديثه واضحة على وجوههم. حالة اضطراب ويرى المحلل السياسي الجنوبي اتيم سايمون، في حديثه ل«البيان» أن تصريحات البشير تأتي نتيجة لحالة الاضطراب الاقتصادي والسياسي الذي يشهده السودان، سيما وانه يمر بأصعب الظروف في هذه الفترة التي تتقدم فيها قوات الجبهة الثورية المتمردة وتسيطر فيها على معظم المناطق بغرب السودان وتهديداتها بنقل الحرب إلى الخرطوم مقابل التراجع الكبير للجيش السوداني. ويشير سايمون إلى ان كل ذلك جعل الرئيس السوداني عمر البشير يشهر كرت ضغط وقف النفط في وجه الجنوب، الذي لا يقل اضطرابا عن السودان، غير انه يرى بأن حالة الاضطراب هذه والاتهامات ظلت قائمة ويتم استخدامها من حين لآخر. اتفاقيات مرهونة أما المحلل السياسي السوداني صفوت فانوس فاعتبر ان تهديدات البشير يمكن قراءتها في اطار قناعة السودان بأن الجنوب لم يوقف دعمه للحركة الشعبية قطاع الشمال، والا لما توفرت للجبهة الثورية المعدات الحربية المتطورة التي اتاحت لها مواصلة هجماتها بمناطق بشمال وجنوب كردفان. ويشير فانوس إلى ان تنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة بين الدولتين مرهون بجدية جوبا في فك ارتباطها مع متمردي قطاع الشمال، الذين يهددون الأمن بالسودان، مما يجعل خيار ايقاف التعاون مع الجنوب واردا بقوة امام الحكومة السودانية، الأمر الذي يضع حكومة الجنوب امام تحدي حسم أمرها، وبناء دولتها، دون عداءات مع الجانب الشمالي. مشروعان متناقضان أكد المحلل السياسي السوداني صفوت فانوس ان هناك جناحا داخل حكومة جنوب السودان يسعى إلى إقامة مشروعين متناقضين، وهما مشروع اقامة دولة وطنية في الجنوب من ناحية ومشروع السودان الجديد، الذي يقوم على تغيير بنية الدولة السودانية الحالية من الناحية الأخرى.