رغم مئات المعتقلين ، والذخيرة الحية على الرؤوس والصدور ومئات الشهداء والجرحى ، ورغم تحويل العاصمة والمدن الرئيسية الى ثكنات عسكرية تجوبها الدبابات وتاتشرات وبكاسى الامن والمليشيات ، رغم كل ذلك ، تجددت التظاهرات الحاشدة اليوم السبت في برى وشارع الستين والسوق المركزى الخرطوم . (شاهد الصور المرفقة ). يالها من جسارة ، ويالها من عزيمة . رداً على رصاص القتل الذى يطلق بلا تمييز ، خرج الشباب يرددون (مليون شهيد لعهد جديد )و(بالروح بالدم نفديك ياسودان). صفحة جديدة ، سطرتها الجماهير المنتفضة ، صفحة طوت صفحات الحرب النفسية لنظام المؤتمر الوطني ، الحرب النفسية التي صورت نظامهم الاجرامى الدموى كختام لتاريخ الشعب السوداني ، وحاولت زرع اليأس والقنوط بانه لا مكان ولا سبيل للتغيير ، وان الإنقاذ باقية إلى يوم الدين ! الحرب النفسية التي صورت المعركة وكأنها معركة الإنقاذ مع الأحزاب ، أو مع الخارج الذي تبرم معه الصفقات والتسويات . ولكن تدخل الجماهير الآن لتقرر مصيرها بنفسها ، ولتقل ان المعركة معركتها ، وان الإنقاذ ليست قدراً مقدوراً ولا نهاية التاريخ ، وان بدائلها ممكنة ومتاحة من حركة الجماهير ذاتها. وتخطت الإنتفاضة الآن المطلب الإقتصادي بإسقاط زيادات الأسعار إلى المطلب السياسي الرئيسي : إسقاط النظام . وإذ تجاوزت الجماهير المنتفضة بحراكها العفوي الواسع والعميق تخريب الحياة السياسة والمدنية الممتد لحوالي ربع قرن ، فإن واجب القوى المنظمة حزبياً أو في النقابات ومنظمات المجتمع المدنى توفير مقومات وشروط الإنتصار ، وأهمها وحدة قوى التغيير جميعاً حول مطالب الشعب الرئيسية ، وأبرزها حكومة قومية إنتقالية ، ودستور إنتقالي يقوم على الديمقراطية التعددية وفق مواثيق حقوق الإنسان ، وإيقاف الحرب بالإستجابة لمطالب القوميات المهمشة في عدالة تقسيم السلطة والثروة ، والقطيعة مع السياسات الإقتصادية الطفيلية بإيقاف الصرف الأمني والسياسي والفساد ووضع نسب محددة من الناتج القومي الإجمالي للصرف على الصحة والتعليم والمياه النظيفة والإسكان الشعبي وتوظيف الشباب ودعم الفقراء وسلع الإستهلاك الشعبي ، ومن ثم تشكيل قيادة موحدة لقوى التغيير تشمل القوى السياسية والمسلحة والحركات الشبابية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ، ومطالبة القوات المسلحة السودانية بالإنحياز إلى مطالب الشعب والإشتراك في ترتيبات الفترة الإنتقالية . والأولويات القصوى الآن ، إستمرار التظاهرات وتوسيعها في جميع المدن الرئيسية ، والبدء في إستخدام سلاح الإضراب وسط الفئات سهلة التنظيم والتعبئة كأساتذة الجامعات والأطباء والصحفيين والصيادلة والمحامين ، ومن ثم المزارعين والنقابات العمالية ، بهدف نهائي وهو العصيان المدني والإضراب السياسي الشامل. والتحدى الآن أمام القوات المسلحة ، اما ان تنحاز بشرفها العسكرى وسلاحها الى مواطنيها لتوقف آلة القتل التى تحصد شعبها او تثبت انها تحولت بصورة كاملة ونهائية الى مليشيا لحزب المؤتمر الوطنى الاجرامى الدموى ، وحينها لن يتوقف التاريخ ولكن سينتهى الامل في انتفاضة سلمية ، سيكتسب الكفاح المسلح مشروعية اضافية وستنعطف نحوه الاجيال الطالعة ، ورغم ان الاكلاف الانسانية ستتعاظم الا انه في المحصلة النهائية ما من قوة قادرة على مواجهة الشعب المسلح . وسواء نجحت الإنتفاضة الجارية في تحقيق أهدافها أو أغرقتها السلطة الفاشية في الدم ، فقد سطرت صفحة جديدة في التاريخ السوداني ، أكدت ان السودان ليس إستثناء من التاريخ الإنساني ، وان الشعوب لا تموت والشوارع لا تخون ، لا غرف التعذيب باقية ولا زرد السلاسل ، والليل مهما طال لن يمنع الشمس من الاصباح ، وان عمر البشير الفاسد الكذاب لا يمكن ان يشكل ختاماً لتاريخ الشعب السوداني ، و إسقاط النظام الشمولي ليس سوى مسألة وقت .