نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدشن أغنيتها الجديدة (أخوي سيرو) بفاصل من الرقص المثير ومتابعون: (فعلاً سلطانة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدشن أغنيتها الجديدة (أخوي سيرو) بفاصل من الرقص المثير ومتابعون: (فعلاً سلطانة)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكاي نيوز عربية : بهنس.. نهاية مأساوية لمبدع سوداني
نشر في سودانيات يوم 19 - 12 - 2013


بهنس.. نهاية مأساوية لمبدع سوداني
محمد بهنس
رفيدة ياسين- أبوظبي - سكاي نيوز عربية
مفترشا الأرض ملتحفا السماء ظل الفنان التشكيلي والروائي والشاعر السوداني المعروف محمد حسين بهنس متنقلا بين شوارع وأزقة وسط البلد بالقاهرة حتى انتهى به المآل إلى الموت بردا وجوعا، عندما عُثر أمس الأول الثلاثاء على جثته على قارعة الطريق متجمدا محتضنا إحدى الأرصفة في أوج موجة البرد القارس التي ضربت القاهرة مؤخرا.
وأثار موت بهنس جدلا واسعا بين صفوف النخبة حول الجهة التي تقع عليها المسؤولية فيما حدث للفنان السوداني ذو الأربعين خريفا تقريبا حيث ظل لقرابة العامين مشردا في شوارع القاهرة بلا مأوى أو عمل يعاني حالة اكتئاب حادة .
شخصيات عديدة من كتاب وشعراء ومثقفين سودانيين نعوا بهنس، ووصفوا رحليه ب"الفجيعة".
وكان الفنان السوداني قد جاء إلى القاهرة قادما من الخرطوم منذ أكثر من عامين ليقيم معرضا تشكيليا للوحاته، ومعرضا آخر للصور التي التقطها في أماكن متفرقة وغالبيتها تعكس الثقافة والفلكلور الإفريقيين.
ويقول بعض معارفه إنه عاش لفترة في إحدى الشقق بوسط القاهرة إلى أن تدهورت أوضاعه المالية بعد فترة لم يجد فيها عملا ليحصل على قوت يومه، فأصابته حالة اكتئاب حاد دفعته للتجول في الشوارع والتسول في المقاهي بلا معين.
بعض كلماته الشعرية التي كتبها كانت تحكي قصة فجيعة ربما كان يعيشها بهنس ويعبر عنها عندما قال" أهديك الغربة.. هتاف الموتى وصمت التربة.. أهديك إحباطي حديث عابر في مركبة عامة".
وعرف عن بهنس تعدد المواهب إذ كان عازف الجيتار ومطربا يلحن أغانيه التي يؤديها وسط تجمعات من أصدقائه في المكتبات وفي ميدان التحرير.
وأقام بهنس معرضه التشكيلي الأول في الخرطوم عام 1999 ثم شارك في معارض تشكيلية أخرى في أديس أبابا ومدن أوروبية منها باريس حيث تزوج فرنسية أنجبت له ابنا عام 2005 ثم طلقها وعاد إلى بلاده.
وعرف بهنس أيضا برواية "راحيل" التي حققت له شهرة كبيرة في داخل وخارج السودان.
http://www.youtube.com/watch?v=lT4o5...em-uploademail
Dimofinf Player
http://www.youtube.com/watch?v=lT4o5...em-uploademail
راحيل.. مولد لطيب صالح آخر
قراءة فى رواية راحيل للكاتب السوداني محمد حسن بهنس
بقلم مهندس /هوارى حمدان هجو
http://www.mashaelnet.com
http://www.sudanpoem.com
[email protected]
مقدمة :-
هل كل من يقوم بالنقد يتوجب على الآخرين ان يتطلعون الى قراءة ما قام بنقده ؟ ، وهل كل ما يقول النقاد انه جيد يدفعنا الى اشتراه ومطالعته؟ ، بت اشك كثيرا فى بعض النقاد ، وصرت لا انقاد بسهولة الى نقدهم او الى ما يتناولونه ، بل ان بعضهم قد قتل اللهفة فى دواخلى لرؤية بعض الكتب الجديدة التى يتناولونها بالنقد ، وزاد شكى اكثر حينما تناول عدد كبير من النقاد الى رواية ذاكرة الجسد للكاتبة احلام مستغانمي ، فدفعت الكثير من اجل ان تصلنى الرواية الى السعودية ، فوصلتنى عن طريق صديق عزيز والذى تكبد المشاق من اجل ان تصلنى الرواية ، فبدات اقرا واقراء حتى مللت القراءة ولم اجد ما قاله النقاد ابدا ، فكفرت بالنقاد فى هذه الرواية بالتحديد ، فهى لم تعجبني بل هى اول رواية لم تلتصق اى جملة منها بذاكرتى ولا جسدى ، ولكن بريدى الذى لا زال ملى بالكتب والدواوين التى تصلنى من جهات مختلفة من اجل الدراسة او النشر او هدية من صديق هنا او هناك ، فقد فاجاتنى رواية سودانية اقوى واجمل من ذاكرة الجسد ولكن النقاد لم يتناولونها ابدا ولا ادرى لماذا ؟ هل لانها لم يكتب لها الانتشار كما كتب لذاكرة الجسد ام ان اعلامنا السودانى اهمها وعمد على عدم تسليط ا الضوء عليها؟ ، كما اننى اود ان اقول بان هذه الرواية لكاتب سودانى شاب ، وهذه هي المرة الأولى التى اتعرف عليه كاتبا ، ولم اعرفه من قبل ولم اقابله حتى هذه اللحظة ولا يدرى بانى قد اعجبت بروايته او كتبت عنها كما انى لا اريد ان اسوق هنا لهذه الراوية.
انها رواية (راحيل ) للسودانى المحنك ( محمد حسين بهنس ) نشرتها مكتبة الشريف الاكاديمية فى عام 2001 كطبعة اولى وصمم غلافها الامامى مؤلفها والخلفى كان صورة بعدسة طارق باظابي وجمعها واخرجها الشاعر السودانى الفذ عاطف خيرى.
محور شخصيات الرواية يرتكز على اربعة شخصيات اساسية هى سالم صاحب الرواية وراحيل فتاة سودانية فى زمن الخرافة ، وعلى العربجى و الرقيب نصر الدين ( شلة بيت العذوبية ) وبوب لها صاحبها ابواب تتناغم مع عمله كمصور اذا نجد ان اسماء هذه الابواب – فى الزوووم-خفقة فلاش-ثم –على العربجي- رجل غريب الاطوار-محاضرة اب روف وختمها باستفسار لماذا انا حزين؟
لا اريد كما قلت ان اسوق لهذه الرؤاية ولكنى اقول بانها رؤاية يجب ان تكون فى مكتبة كل مثقف سودانى وودت لو ان مؤلفها او دار نشرها قد ارسلت بعض النسخ الى نقاد عرب من دول مختلفة ، لكنا شهدنا مولد اديب سودانى شامخ آخر مثل الطيب صالح على مساحات الوطن العربي ، فعيب المثقف السودانى كما قلت من قبل فى عدة مقالات الاستحياء وعدم الظهور ، وغياب الاعلام السودانى.
في الزووم :-
(كانت هاجرة حلوب، تحلب العرق. تحلب الذاكرة بمواقيت. كنت كمن كان مهيأ لاستقبال أمر عظيم. كانت حركة الشارع امامى من خلال زجاج الباب ترجعنى برهة لحركة النمل قبل حلول الشتاء وكانت الشمس تحدق بقسوة كمن تبحث عن شىء عزيز ، كان ذلك اليوم الغامض والذى غير مسار حياتي)..هكذا يبدا ذلك الشاب الروايه كمن يجلس امام شاشة تلفاز لرؤية فيلم من افلام الاكشن ، البداية هادئة تتواثب الافكار لشى مضى فكل الرؤاية مكتوبة وتحكى عن الماضى فالحليب لا ياتى الا بمواقيت فى وضعه الطبيعى فمابالنا بحليب الذاكرة التى نظم لها سالم هنا مواعيد ، يذكر كل هذه الاشياء من حركة الناس الشبيهة بحركة النمل قبل موسم الشتاء ومشغوليات الناس ، وفى خضم كل تلك الفوضى والخلط بينها وبين الحركة الطبيعية وحركة عمله داخل معمل انشاء وتحميض الصور لانه كان يعمل باستديو كمصور ، تجلس امامه راحيل بطلة هذه الرواية ، الفتاة التى شدت انتباهى من اول الرواية الى آخرها ، فتاة من الطبقة الكادحة لكنها واثقة من نفسها ومقتنعة بجمالها ومقنعة بحكمتها وثباتها فى المواقف .. تجلس امامه كزبونة للتصوير ولكن هذه الزبونة مختلفة تمام الاختلاف ، حيث يقو ل عنها واصفا حالتها التى قدمت بها من هجير الشمس الصباحية التى تعرقل مزاج اهل بلادى " كانت هنالك 42 قطيرة عرق تقريبا تجلس على عرش جبينها الوضى واربعة قطيرات اصغر على ارنبة أنفها " ويواصل فى الوصف "والذى اعجبني حقا فى قطيرات العرق تلك هو انها كانت تتلألأ عاكسة رونق النهار غير ابهة بزمجرة أجهزة التكييف التى تتوعدها بين الفينة والاخرى بالتبخير" وزاد فى الوصف بان تلك الفتاة كالنار التى تركت الاخشاب واجهزة الاستديو لتشب فى قلبه.. معطي اشارة واضحة لبداية القصة الحقيقة من ايماءات وتلميحات لحب حقيقى ، حيث بهره حسنها ( حينما بهرنى وجه راحيل ، لولهة افاق الزمان بعد جدب واختلطت النار والريح والتراب والماء في مزاج ضاري، ولا تعرف، المريض رجع الى صحته والسكران من سكره صحا، والمجنون ثاب اليه عقله والنائم من نومه استيقظ والغافل من غفلته انتبه.
لا ادرى ولكن كلما اقرا راحيل اتذكر كلمات شاعرنا المجيد أزهرى محمد على صاحب ( وضاحه)
بتَفْرِق حبيبتى البِتَلْبس فصول الخُصوبه
بِتضْحَكْ أغاني
وتْدفِّق عُذوبه
وْبِتَنْزِل
مَطَرْ
عِشِقْتِكْ لأنِّك حبيبتى
وْبحبِّك بَحرْ
ويستمر فى وصف حجباها كانهما حاجبان على باب خليفة او ملك من الملوك ،اصبح سالم مولع باى حركة من حركات راحيل ، فمن الطبيعى لاى شخص يريد ان يتصور ان يرى وجهه على المراة قبل اخذ اللقطة لكن راحيل لم تفعل ذلك لثقة مفرطة فى جمالها كما يقو ل سالم " لم أجدها تتذوق فى المرآة ، كانت واثقة من أن هذا الشكل يقنعها ويقنع أي جن"...ثم يصف ارنب صدرها بالعراك الدائم وهذا لا يتاتى الا لمصور بارع او راوى فذ فى لحيظات للتصوير يستطيع ان يجمع كل هذه الشوارد بل انه يزيد على ذلك الوصف بانه لم يصل الى كنه هذه المراة فلهذا عندما انتهى من تصويرها كانت تجرى العادة ان التحميض لا يتم الا بعد اكتمال لقطات الفيلم الستة والثلاثون ولكن كان فى لهفة لرؤيتها مما اضطراه الى ان يدفع من حسابه الخاص من اجل تحميض هذا الفيلم متناسيا باقى اللقطات لانها راحيل ، ويذهب اكثر من ذلك الى نفاذ الصبر عنده عندما احس ان الثلاثة ايام لاستلام الصور كما هو الحال من قبل فى السودان ، ولكن الان هنالك استدويهات حديثة تعطيك اللقطات فى اقل من ربع الساعة ، فالرواية يبدو ان كاتبها قد كتبها فى عهد قديم وحينما بدا فى نشرها لم يهتم بالتكنولوجيا الحديثة ولم يغير احداثياتها ، المهم قال ان الصبر ثلاثة ايام كانت بعيدة بعد الفردوس عن اب لهب ،مما دفعة الى تحميض الفيلم فى يومه وطبع خمسة كروت ليحتفظ هو بكرت خاص ،وهذه وان كانت استثنائية هنا لحدث جلل الا ان هذه العادة خبيثة على اصحاب الاستديوهات الذين يصورون الفتيات الجميلات ومن ثم يطبعون كرت خاص لهم .. ولا ادرى ماذا يفعلون بالكرت الاضافى عندما ترحل الفتاة ولا ترى المكان مرة اخرى!!!
ينقلها الراوى الى منزل العذابة والذى يشاركه فيه كل من على العربجي الذى من شدة اعجابه به افرد له فصل او بوب له باب لوحده على حد التعبير ، ونصر الدين الرقيب فى الشرطة ، وتبدا علامات النار التى شبت فى قبله من قبل تظهر بشده على قلب سالم والذى كغير عادة فاق لصلاة الصبح فى ذلك اليوم مما جعل العربجي ان يقول له قولته المشهورة ( العشق والجيش واحد يا صاحبي نوم مافى "
ثم ينقلها سريع الى انتهاء الثلاثة ايام من اجل مقابلة راحيل ، والتى وصفها بانها صادقة الوعد ثم يذهب الى وصفها حينما طلبت منه ان تشرب .. فهو لا يكف عن وصفها ..( كانت تشرب كنعاس آسر يتسرب الى الرأس ".. فى زمن تتوفر فيه المصاصات يقول لنا ذلك الشقى كانت تشرب كنعاس آسر يتسرب الى الراس رغم انها شربت بكوب نيكل ومن حافظة ماء الاستديو لكنه لا ينفك يوصف اللحظات وتنزف ذاكرته فى نفس اللحظة وتقوده الى شراب العربجيى من الزير كأنه ثور يقح مفارقات..
وياتى الى الحوار الحاسم فى تحديد موقفة او مدخلة الى الاستقرار
" الصور دي تذكارية ولا... جامعة أو شغل ؟" ... كان يمكنها ان تقول له بلهجة الحاسم والذى لا يعطى امل " وانت دخلك شنو تصور وبس " لكن روحها طيبة بطيبة السطور التى كتبها لها المؤلف قالت بعفوية بعد ان سكتت ليس للتفكير ولكنه دلع بنات كما اعتقد " ثلاثة تذكارية .. والرابعة لعريس فى السعودية " تقودنى هذه الفقرة الى المغتربين الذين يتزوجون بالصور فقط فى زمن توفر فيه كل سبل الاتصال وخاصة مغتربي السعودية الذين يرون ان المجتمع فى بادى الامر غريبا عليهم بعد غيابهم عن مقابلة النساء او مصافحتهن وهكذا... وتضحكنى هذه الفقرة بشدة ولكن لا ادرى لماذا؟؟!
كيف؟
يشوفك؟
وترد عليه بنبرة ساخنة لانه تمادى فى الخصوصيات من اجل ان يوسع مداخلة الى هدفه ( عرس.. ما سمعت بي عرس قبل كدة !"
ثم يحاول ان يقنعها بمبدا تخلف الفكرة حتى يزداد قربا ( فى زول متعلم ومثقف زيك في نهاية القرن العشرين يتزوج بالشكل دا؟" ومن هنا يتضح ان الرواية قديمة فعلا.
ثم ترد فى لهجة احسبها انكسارية وتزيد من التوضيح ( فى حاجة اسمها الظروف يا استاذ.. انت ما عارف حاجة "
انه فعلا زمن ردى يجعل فتاة فى قمة رونقها ان تزوج نفسها بهذه الطريقة المتخلفة الى رجل فى السعودية او اى دولة فى الخليج او رجل ثرى ، ويجب على الاثرياء ان يعطوا مساحة للمحبين ولا يقفون حجرة عثر فى طريق اولائك الفقراء.. فكثيرا ما ياتى الطلاق نتيجة لهذه الزيجات المتخلفة فعلا.. ولكن لا انكر قد يكون القدر فى بعض الاحايين اقوى ويوفق الله.
صدم سالم حينما علم ان هذه الجمال والثقة تحوطها ظروف وتود ان تتزوج رجل ثرى ... وقبل ان تغادر قال لها رحيل .. التفتت مستغربة لنبرته .. لكنه زاد اجمل تعبير لم اره ولم اقراءه فى اى رواية عربية او انجليزية .. تعبير سودانى خاص جدا وخطير " قسما بدين الله يا راحيل . قسما بدين الله. أنا معاك لحدى يوم القيامة. لو ضل هبشك اهدم حيطتو وابني مكانها حيطة جديدة ، ما عرفتك قبل الكم يوم ديل وما حأعرف بعد دا الا انتي ، انا طالب قلبك وداير اعرسك، انشف البحر بي وراك واكورك : ريحة راحيل ." كما قلت من قبل ان هذا الباهر محمد حسين بنهس لم اعرفه من قبل ولكن يجعلنى دائما اشكك بانه فعلا مصور ، لان هذه المفردات لا ياتى بها الا مصور لبق ، فهو يحبها لدرجة الجنون ، كما يقول العرب لا يقبل فيها النسمة الطائرة ، ولكن هنا اقوى فالظل خيال وان كنا نستريح تحته فهو خيال يزول بزوال الحائط واذا بنى الحائط يحل محله آخر ولربما يكون نفس الاول من يدرى ، وحركته لا تتم الا بالشمس ، لكنه لا يريده ان يشاركه حب حبيبته ، ثم وصل الى الاقوى من ذلك اذا حدث وسافرت الى وراء البحار..وهذا الحديث ان هى سلمت بزواج رجل من السعودية فهو يتودع البحر الاحمر بان يفرع ماءه تمام ليصل اليها ، .... ويقول هذا الحديث وهاجس المغترب الذى تود ان تتزوجه يقف امامه ويؤثر على تفكيرة بيقارن حاله به قائلا لها " الفقير لمن يعشق ويريد وضوعو يتحسن تلقائيا اذا كان عقيدتو في الهدف راسخة . وكان هو صادق . وهسه أحمد الله ، وضعى مش بطال، أوضة وزير ودولاب صغير وعنقريب وملاية جديدة وموت عديل كدا"
هذا جنون القناعة ..هو لا يمتلك الا غرفة واحدة فى منزل العزوبية ودولاب و(سرير) يعنى عنقريب وغالبا ما يكون من اعواد اللالوب لانه مر ولا تسكنه الحشرات وملايه جديده وحب وفير ... ماذا تريد راحيل اكثر من هذا .. لقد قام بشرح وافى لوضعة بصدق لم يكذب عليها ولم يعيشها فى وهم كما يفعل شباب هذا الزمن متسترين تحت الوجاههة والمظاهر الخادعة ، رغم ان خيارها الاول مغترب وبالسعودية ووضع مميز.... لكن جراءة هذا الفتى المشاكس جعلتها تضحك بعمق وتقول له فى قناعة " يا مجنون.. أنت أكبر مجنون.. لكن ورحمة زكية أمي أنا حأعرسك" كما قلت من قبل انها ثابته وحكيمة فى مواقفها لقد اقتنعت او اقنعها الكاتب.
خفقة فلاش :-
خفقة فلاش هى بداية الباب الثاني لرواية راحيل .. والناظر للوهلة الاولى ربما يصاب بالعجب لاختيار هذا الاسم الغريب ولكن عندما تبحر فى سطور او صفحات الرواية تشعر فعلا بان الاسم سليم وتندهش اكثر لمطابقته تماما لسطور بابها ، لان سالم قد عزم على الزواج منذ ان تعرف على الفتاة ففى يومين فقط خطبها من اهلها ورغم عدم موافقته خالاتها لكنها تمردت عليهم لتفى بوعدها له ولتبر بقسمها بامها ذكية و العياذ بالله ( لهذا القسم الشركى )، حتى انها وهى معه فى تلك اللكونده كانت غير مصدقة بان الزواج تم بهذه السرعة فقط 48 ساعة من تاريخ استلامها للصور من الاستديو " أنا ما مصدقة " ويرد هو " من الأفضل في بعض المرات أنو الزول اصلو ما يصدق
، حتى صاحبة الرقيب الذى خطب "شوقه" قبله لم يتكمن من الزواج فقال لهم بغبطة " عرسان الغفلة.. والله لقيتوها.. أنا والكاشف دا نحاحى لينا سنين عشان نعمل ربع العملتهو انتو فى يومين" هكذا كان الزواج فقط للمصور كما يحرك اصبعه ويغضط على فلاش الكميرا ليحرك الفلاش .. جاء الزواج كخفقة الفلاش السريعة ، وفى هذين اليومين اجتهد المصور سالم من اجل ان يكمل هذا الزواج على افضل وجه يقنعه وزوجه ، رغم جيوش العراقيل كما قال" وأن أقنع المنطق نفسه ان هذا الزواج قدري الشخصى وفردوسى الحلال"... توفيت والدة راحيل بعد ان وضعتها وبعد زواجها من والده المهندس بسنه ونصف ، فتربت مع خالاتها ، ويصفهن هنا بالغولات لصعوبتهن.
واجه سالم عدة مشاكل ومفارقات طبيعة للذى يتزوج فى ظروفه وزواج بدون تخطيط وكثيرا ما اشعر ان القصة رواية شبه خيالية او ان سالم رجل سحرى يبهرك بسحره كما كان يفعل مصطفى سعيد فى راوية الطيب صالح ، ولكن سحر مصطفى سعيد لم يتركز على امراة واحدة الا فى نهاية حياتة التى اختارها فى قرية على ضفاف النيل ،ولكن سحر سالم تركز على امراة واحدة هى راحيل واخذة يقنع نفسة والمنطق ومن حوله بانها قدره الذى يجب ان يحيا من اجله ، لهذا باع كميرا التصوير ، وباع كل ما يملك ، وباع صاحبة العربجي الاطارات الاضافية لعربة الحصان واستلف صاحبة الرقيب فى الشرطة راتب لاتمام زواج صديقة وهكذا تكاتفت الجهود لخلق بيت سعيد من رحم العدم ،.. حتى ان سالم شعر بالدواخ وعدم تملكة للمعانى اذا استشهد بترديد مقاطع من اغنية سودانية مشهور " وبي سكر تملكني واعجب كيف بي سكر"....ليجد نفسة بعد انقضاء حفل العرس والخيمة التى نصبت من اجلة والتى يصفها بالمغناطيس الذى جمع كل من هب ودب من اهل الحى والماريين بالطريق .. فى سلسلة من المديونيات ابتداء من بائع اللبن.. فاللبن فى السودان يحمله رجل على حماره ويمر به على البيوت ولا يقتنع كثيرا من اهلى بالسودان باللبن الذى يجلس على ثلاجات السوبر ماركت المكتظة بعدة اشياء!!.. حتى يصل الى عدة اشخاص فى الدين .. واسلوب مطالبتهم له .. مرات يتعلل باسابب واهية وحينا يخلق لغة اعذار مرضية.. وعندما يوغل الدين فى القدم يقسى قلبه ويفاوض.
على العربجي:-
على العربجي هنا شخصية واعية ومحبوبة لسالم ولنا كقراء، العربجيى فى السودان هو من يعمل بعربة الحصان او الحمار، يسمى عربجي ، وتكون مهنتة دوما التحميل والتنزيل ، وعندما زار العربجي العرسان فى اسبوع العسل خطرت له فكرة استثمارية بحته ، هى لماذا لا يتعاقد مع اصحاب اللكوندة من اجل ادراج خدمة التنزة داخل العاصمة على عربة حصان "على فكرة أنا كامل الاستعداد أي عرسان دايرين فسحة على الكارو والراس ما عندي أي مانع والدنيا فيها شنو غير العرس والطيب والباقيات الصالحات ... اهو الواحد بعد دا يفارق الغم وسوق الشمس والشولات والبرسيم ".. فعلى العربجي شخصية كما يقول اهل السودان " فى حالها " يعمل لتوفير رزق بالحلال لاسرته ويتعبد لله ولا يحب القال القيل، فكان فى وقت انتهاء عمله بالعربة التى يجرها الحصان " الكارو" ينجر مهام عزابية الطابع كاعداد حلة عشاء او تصليح شيء يدويا او زرع نبات، حتى انه لا يشارك سالم والرقيب نصر الدين فى احتساء الخمر ، لكنه كان يشاطرهم الونسة والضحك " انتو تشربوا ونحن نسكر" حتى انه لم يكن يعرف الكتابة ذو طابع امى فكثيرا ما كان يطالع صور المجلات فى غرفة سالم المصور .. وكانت له كلمات يرددها فى صور الخواجات وخاصة صور الحريم الكاسيات العاريات اللاتى حرم الله عليهم رائحة الجنة فيقول " عالم عايشة .. ديل يا ابوى بخشوا النار بحقهم خواجات اكلوا وشربوا وسمعوا وشافوا وزعطوا ومعطوا .. لكن السودانيين هالالال.. خلى بالك يخشوا النار سب دين جرائم بقرش ونص" هكذا وصف العم على العربجي كما تقول له راحيل فى ادب عم على ولم تقل له على حاف ولا العربجي لعاطفة نمت بينه وبينها وكانت تحسن دائما بانه والدها ، يوصف على حالة الزهج والقرف التى يدخل السودانى بسببها النار بعفوية ، .. حتى العم على رفض تصويره بملابس الشغل لانه كان يقو ل"خلق الله كلو سمح الا انا اعفينى اذا بليتم فاستتروا" لكن الراوى او سالم يصف لنا على العربجي بكلمات درر" كان منظره بالعراقى ونظرة الجد التى يمكن ان تند عنها ابتسامة تحت أي لحظة من اللحظات والوجه الفاحم السمرة القاسى الملامح مع عرقين نافرين في الجبين منظرا يخبرني ان على رجل خلق للكدح والنقاء. كنت ارى فيه خلق الانبياء وسمت الصحابة وحلاوة روح الزاهد اضف الي ذلك لسان العربجية الواصل" ..ويكفى انه موحد الله فى رزقة وموكل امره له اذا كان يردد " انا شغال في شركة مديرها الله العظيم " ..ثم يصف لنا نصر الدين فى مداخلة لفصل على العربجي ومتوالية مع احداثيات مهام العذوبية يقول لنا ان الرقيب كان يحب الاطلاع قليلا ولكنه كان مولع بقصيدة شاعرنا الراحل والتى تغنى بها سيد خليفة رحمهم الله اجمعين " ثم ضاع الأمس منا " .. فقرة معبرة ومتحسرة .. وكلنا قد ضاع الامس منا ونبحث عن حاضر ومستقبل مشرق .. وياتى فى خصوصيات العم على زوجاته الاثنين .. فالراوى يختصر زوجتة الاولى سريعا لانها ليست سبب قلق ، فالمراة المقلقة هى التى تظل بالذاكرة دوما ، فزوجته الثانية وددت لو انه جعها فى باب خفقة فلاش لانه تزوجها بنفس طريقة المصور سالم ، فقط امراة زبيدية فى شرق السودان وهى كاملة الحجاب والنقاب كغير حال نساء السودان ( نص حجاب.. والوجه باين " كيف حب وتزوج ذك العاقل هذه المراة والزبيدية الاصل ( قبيلة لا يمكن ان تزوج من خارجها ابدا " فقط راها على لورى يحمل الركاب " اللورى عربة مكشوفة يركب الناس له عن طريق التسلق للسيخ.. ويكثر فى قرية ام ضريسة بسنار" .. راى وجهها عندما ارادت التسلق فلفح الهواء نقابها.. فراى جمال اقسم بالله ان يكون من نصيبة .. فالقصة مجنونة كجنون المصور براحيل ورغم انه اكل علقة مظبوطة من اهلها وصادفت طلقة نارية خدة ...تزوجها .. ليصف لنا ايام شهر العسل كسودانى بسيط عفوى " الاكل يجي، الشراب يجي.. النوم ما بجي.. اربعة ايام زي تصفيات الدوري العام ، تسديد عالي يا صاحبي واهداف في الشبك"... حتى عندما طلقها نتيجة لمضايقات ابناء عمها ، ورغم انه مكث معها ايام قليلة لكنه كان يؤمن بانها حبلت منه وكان يردد " ان له ابنا سيظهر ذات يوم ويراه لا ريب" فختم الرقيب الساخر باب على بمزحة " اصلو ولدك دا نبي؟ "
رجل غريب الأطوار :-
فالروايه فاكهة على سله فى منتصف البيت الكبير ، ملى بالنكات والحديث العفوى الحلو الخاطر ، و اجمل المقاطع والفقرات ما سرده الراوى فى تبويبه لرجل غريب الاطوار .. حيث ياتى الرقيب شرطى نصر الدين الى منزل العزوبية الذى سكنت به راحيل ايضا فى غرفة زوجها ، ولكنهم كانوا يحترمونها بشدة حتى ان العم على علق على ترتيب البيت وتحول المطبخ من وكر لباقات السكر الى شى تدب فيه الحياة برفاهية ( تحول الى تكل) ، فالرقيب قد اتى من الخارج فى قمة الضيق .. وعندما سأله اهل الدار اخذ يسرد عليهم رواية المواصلات بلهجة سودانية مقننه " كنت راكب في بص مهكع كوريلا على الله اخير منو، الكراسى مفكفكة ،الجربكس معصلج ،الحديد يكورك صندوق مرتق ، دنقرت على جيبي ادي الكمسارى حقو وقع فينى الكرسى القدامى بي ستو مرة مانعة زي التلاجة رفعناها ولمن جيت اشتم وانبذ عاينت قدامى لقيت مكتوب شنو جنب السواق " لا تغضب فالحياة اقصر مما تتصور" ) ..مشهد فى قمة الاناقة وحقيقى ومتكرر يوميا فى مواصلات العاصمة فى الخرطوم وان امتلات بالرقشات وسيارات جياد ،ولكن رغم الضيق الذى حدث للرقيب واخرجة من طوره وجد لافته مكتوبة على مقربة من السائق جمحت عضبه وحولته الى تعجب وان لم يكن استفهام ... ولكن العربجي المازح دوما وصاحب النكتة المتحركة لا يفوت هذا الموقف للرقيب عندما علم من سالم ما جرى فقال فقرة " قلنا لك تعال ابقى عربجي معانا ، شرطة ايه دي البتركبك مواصلات مع المواطنيين ، حرم قالوا في انجلترا العفين الزيك دا يكون واقف الصباح اخر فنكهة ووجاهات زى العريس يفتح ليك البلاغ زي كأنو فتح صفحة كتاب يقبضك كانوا قبض ليهو ماهية تتسجن يا ابوي في امانة الله كأنك في الهيلون تلفزيون ، اكل نضيف وراحات حرم يشهو الناس فى الخطا" انتقد الراوى على لسان العربجي خدمات الشرطة لموظفيها ، وجعلهم يخالطون الناس فى المواصلات .. مما يؤدى الى انتقاص فى هيبة رجل النظام ، ولكن لا ضير فى هذا مع جملة الخدمات المتردية فى بلدى فكثيرا ما نجد عطالة لخريجيين بدرجات عليا لظروف اقتصادية بحتة المت باهلنا وانعكست على كل الشعب ، ولكن كما قلت ان الرواية كتبت فى القدم اى منذ اربعة او ثلاثة سنوات ، قبل ان تتشوه صور العسكرى او الشرطى الاوربى او الامريكي فى نظرنا وفى نظر العربجي ، ولربما يكون قد سحب حديثة بعد احداث سبتمبر !!! .. ولكن نقول كما قال العربجي " ركوب الباص في البلد يعلم الزول الصبر وقوة الاحتمال" .. ويحضرنى هنا موف اذكر انى كنت فى سفرية بالسيارة لزيارة خالنا بمدينة حائل السعودية التى تبعد من مدينة ينبع 700 كيلو تقريبا ..فكنا فى كل هذه المسافة انا وصديقى فقط وعندما دلفنا الى المنزل وجدنا التلفاز السودانى يعرض برنامج اسمة صور مقلوبة ، وظهرت صورة بص من البصات التى تعمل كمواصلات داخلية فى الخرطوم ، وكان يبدو فى الصورة وهو يحمل الكثير من الركاب وبعضهم ظهر على ابوابه ، فعلق المزيع على الموقف وختم حديثة قائلا الصورة دى مقلوبة لازم نغيرها ، فصاح صاحبي قائلا " عليك الله خليها اجمل صورة .. راكبيين من ينبع انا هوارى لمسافة 700 كليو زى الشواطين"..
ثم يسرد اطوار الرقيب الغريبة فى حبه لشوق العفوى المرتجل فهى تعمل ممرضة ، وكذلك فى المشهد التلفازى ذو حوار الدقائق الذى عبر فيه الرقيب بعفوية وحرية ، .. كما انه كان يردد بعض الابيات المقطوعات من الراس كهلوسات المحب فى بداية عشقة.. وخاصة عندما التقى بشوقة
كان العبور شرف السرو
كان بشارع الاذاعة
السبت قدحي يابس
والخميس كانت مجاعة
بير ومافيش دلو
قصة تجبر تجر
آه ريدك حلو
آه ريدك مر
غير ان العربجي البسيط كان مقتنع بشعر الرقيب وكان يردد بعض ابياته ودون ان يشعر يقول
الخلوق جارية جري الخبل
والرزق راكي فوق رأس جبل
سيدي شايلا الخلق ذلعة
لكني جاهل قساوة السجار ولعة
ولعل من اشهر واجمل ما راواه الكاتب على لسان الرقيب نصر الدين مشهد جميل وذكى حيث قال " انا دائر اقول ليك : انا عمرى ما ندمت علي شىء فات لكني دائما بتذكر الحاجات زي البقر لامن يجتر العلف وكل ما اتذكر افتح عيونى وارندق زي الديدبان في الاستعداد لاني مؤمن انه الانسان مخدوع خدعة كبيرة فجأة حتنكشف... متين؟ والخدعة دي شنو بالضبط الله يعلم"
ثم ياتىسالم الى نهاية الرواية و يحكى كيف كان يعيش حياته مع راحيل .. وكان يكثر المزح معها حيث يورد هذا المشهد
" سالم"
لبيك وسعديك يا قطرة هى اول الغيث وآخره
يا سالم!
أي نعم مولاتي
" سوليييييم"؟
"أوووه أيوه"؟
اطرش ؟ اسوى الغدا؟
ويختم هذا الحديث العنادى المخلوط بطيبة المعشر " قلبي قطعة الزلابيا التي رمتها الاقدار في زيت عينيك الذي يغلى " هذا الكتاب يمارس الجنون على صفحات هذه الروايه وياتى بالفاظ من البئية العامة ولكن يموسقها ويبروزها وينفض منها الغبار ليجعلها لنا صالحة للاستعمال مرة اخرى حتى لا ننسى من نحن!!
راحيل!!
نعم
نعامة تسكك لي مدني وين القميص المشهور؟
ثم يصف فترة الشهور الستة التى قضتها معه راحيل قبل ان تموت بذلك المرض اللعين اجارنا الله واياكم منه " السرطان " " كنت وراحيل طيلة الستة اشهر ، مواطنين صالحين في جمهورية اليقظة الدائمة ، في برزخ المودة نسكن . تتأود هي في حناياي اتهجد انا معتكفا في شغافها نعود لنتحد فى محراب الشهوة الآمنة.كنا حينما نأتنس رجما بالغيب في شأن اولادنا القادمين يتخذ وجهها سمة الشروق، فالمح الامومة السماوية عليه واضحك بمسئولية فكأني جوقة من الاباء مرة واحدة
اختار الكاتب هنا لغة طيبة فى مداخلات اللغة العربية للتعبير بصدق عما كانا يحسان به .. ثم يواصل فى هضربات .. التباريح ستار انفتح عن مسرح الافق. الارض في مقرن النيليين تبدو عجوزا بشيب اخضر. الخرطوم عاصمة الاخضر. الاخضر امير الالوان . الشمس تسحر رقع الليمون علي شاطى المقابل بالحنان المعتدل امرؤ القيس يلاعب ميراندا الشطرنج امام نهر النيل الشريف راحيل يا بلور النقاء اداعبها كطفلة لم تتجاوز الخمس دقائق، تداعبني كأني شاهد طوفان نوح ..تضحك متكومة فى ضمير الحب. تتكرفس الملاءة بيننا الف مرة.. .. كهذا يسرد اشياءه الخاصة فى العشق من داخل غرفة النوم .. يحكى بصدق لحظاته الحلوة وحلمة الاول والاخير ..ادغدغها في يانبيع الحس . تصرخ متكتمة مثل مياه بئر. تحنق علي بجمال بالغ تعضنى في عنقى تتوسد ذراعي تتنهد كما البحر كما شجرة لبخ مرهقة من الظل الكثيف. افاغمها ونغيب في قبلة هي اقصر من العمر واطول منه بقليل.. تتنهد ثانية كزفرة جهنم في الشتاء
ترى لماذا سكت النقاد فى بلدى عن تناول هذه الروية بالنقد .. وفيها كل ما يوحى بالاخذ الى النقد ، وتامل معى هذين المقطعين ..
" الفها بالملاءة وادخل كقرد يدخل الغابة فتضحك . تشتعل في حقول نفسى . انا وراحيل في تويج الانس ، في الفجر تغدو الطيور الخضراء اللامعة . في الظهيرة تقيل الاسرار. في العصر تترقق المياه في الاشياء. في المغرب ترتفع الطفولة، في الليل يتسلل ضوء القمر التام كلص وغلالاته اوركسترا النشوة. نرتقى . نلتئم مثل جرح بالغ . نشارك بني البشر والكائنات الالم ونعمة العيش والخطأ والصواب والسرور وطلعة النفس ونزولة وشرب الماء ، نتحد مجسدين جبهة قتال ضد العدم ، نتحد مجسدين لبنة من لبنات الوجود الشاسع" .. هذا مشهد يصور فيه جدول حبه لراحيل .. فهو كما ذكرت لكم فى بداية الرواية مرتب الذاكرة ومرتب الخواطر وحلوب الذكريات وان كانت نزيف فى زمن رحيل راحيل ، لا يوجد فى يومه العشقى مساحات للحركة خارج محور راحيل ، فالرواية لا تختلف كثيرا عن رواية موسم الهجرة للشمال ، ولربما اكون قد تجراءت فى قراءتى وتطاولت فى وصفها فى ذلك الشبه لكنه احساسى الخاص ، ومؤمن بان كتابها سوف ياتينا بالعجب فى القريب القريب ، واكاد اجزم بذلك !!
" كانت راحيل تحب التطيب ، تضمخ جسمها بزيت الصندل اوان النوم حتي يخضل ، وبالنهار تضع بختين وجيزتين من عطر غال كان قد اهدينه اليها الغولات الائي صالحننا بعد انقضاء الامر واستتباب الاسباب ، كان يتضوع رياها طيلة الليل والنهار ، حتي خيل الي ان شرايينها هي التي تنتج الرائحة الذكية " كغيرها من ناس اهل السودان تمارس مهنة التطيب بالصندل ولكنه يزيد فى الخيال حينما يعتقد بان شرايينها هى التى تنتج الرائحة الذكية.
وعندما ماتت راحيل بذلك المرض اللعين سرطان الجوف ،قال عنها واصفا لها وهى ميته " حينما ماتت راحيل تأوه جوهر الرقة ، وارتبكت الظليلات الذهبية على سيقان الاعشاب في المياه الضحلة ورأيت التاريخ بكامل الوانه الفاشلة يتلألأ على فقاعة تنفسها الطين المتشبع من قبل أن يهضم الماء ويتجشأ فتنفثىء " رغم ان النهاية حزينة وادمعت لها عيونى بشدة لكنه لا ينفك فى اختيار عبارات سلسة وعذبة .. ويقول فى آخر الاوصاف فى محاضرة اب روف
" كانت محاضرة اب روف محتشدة بالتلاميذ ، من اللبخ البليد الذى يرسب حتى فى امتحان الظل الهين كالماء، الى النخيل الملكي الذي برهن شيئا تافها، أن النخيل ايضا يكذب. كان وجهها يرمي بالغمي بعيدا عني . يرميه بقسوة ، وكانت قطيرات العرق تنتج من ارنبة انفها الحاد وجبينها وأول عنقها الذهبي ، كانت تجعل وجهها يبدو مثل زير احمر جديد يدخل لاول مرة تجربة الماء " ولعل هذا الوصف لو سرد على امى لقالت بسرور "اتش" عبارة سودانية تعني الاعجاب بالشى )
وكانت حينما تضحك وهي تضرب بكفيها على ردفها ، ينسكب من عينيها الابيض والازرق، تانا في بطينها العاطفي، فكتوريا في بطينها العقلي، والمقرن يتألق على وجهها الرقيق. فامسح بإبهامي على خديها محاسبا لعدم هدر دموعها التي سحت على الارض ، امسح كنحات شهير ، أمسح كمعلم حنين يمسك بمسطرينة ويملط التعميشة فتفوح رائحة التراب والروح والاسمنت والظمأ ، بعدها اتذوق شقاء عمرى ماسحا بابهامي ولساني متوخيا اقصى بؤرة فى الذوق
اكاد احس هنا ان راحيل هى السودان الوطن الطيب صاحب النيلين الابيض والازرق ،فعشقة لهذه المراة كعشقة للوطن ولترابه ، ثم ختم محمد حسن بهنس الرواية بصفحة واحدة بوب لها باب تحت سؤال لماذا انا حزين ؟ المطلع على الروايه يتعاطف بشدة مع راحيل ، فكثيرا ما تحس بها زوجتك واختك وبنتك وجارتكم فى ذلك الحي الذى احببنها فيه النساء ، وراحيل الوطن فعندما ترحل هذه الاسطوره ماذا تبقى فى الحياة .. يقول سالم .. ما هذا أنا لست سالم صلاح.. لقد كنت مصورا، والآن.. لا شيء بعد راحيل ...
قصدت بهذه القراءة ان الفت بعض النقاد وخاصة من داخل بلدى الى تناول هذه الرواية ، والمنتديات كذلك لتخصيص ندوات لمناقشة واستفسار كاتبها من اجل تطوير وتشجيع الادب فى بلادى ..وارجو شاكرا فى حالة صدور اى كتابة او نقد عن هذه الرواية ان توافونى بنسخة منها على عنوان مجلة الثقافة السودانية (مشاعل).. وتحياتى الى كتابنا محمد حسن بهنس
تفاصيل اوفى على صفحات مجلة الثقافة السودانية مشاعل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.