د. فيصل عوض حسن [email protected] على الرغم من تنبيهي لممثلي الإعلام عند بداية حديثي في ملتقى جمعية المستهلك الذي أقامته الجمعية بشأن السلم التعليمي لمرحلة الأساس، بضرورة تحري الدقة في نقل ما يدور والاستفسار وفهم الأمور على وجهها الصحيح قبل نشرها في وسائل الإعلام، وجاءت هذه المناشدة والتنبيه لحساسية موضوع التعليم وما يترتب عليه من انعكاسات تحتم عدم تضليل الرأي العام سواء عمداً أو جهلاً، إلا أنهم (أي الإعلاميين)، وكالعادة، نقلوا جانباً كبيراً مما دار في الملتقى بنحوٍ خاطئ ومبتور، وبخاصة حديثي واستدلالاتي، ولا يزال الأمر ملتبساً لدى البعض، وهو أمر لا يستقيم مع موضوع التعليم، لا سيما في ظل الواقع المرير الذي يدفع ثمنه أطفالنا سواء سلوكياً أو أخلاقياً أو مهنياً! وفي الواقع، هو أمرٌ لاحظته منذ بداية الحملة التنويرية والتثقيفية التي أعقبت قرار وزارة التعليم بإضافة عام دراسي للتعليم الأساسي، تحت مسميات مختلفة (سنة تاسعة، مرحلة متوسطة وغيرها)، وهي جميعاً ليست مهمة بقدر أهمية المشكلة الماثلة والحقيقية، وهي تواجد تلاميذ بأعمار متفاوتة في مكان واحد، وبمعنىٍ آخر تواجد الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم ما بين (6-9 سنوات) مع صبية بالغين تصل أعمارهم حالياً إلى 16 عاماً وعقب إضافة هذه السنة قد يفوقون ال(17) عاماً، وهو ما يزيد احتمالات تعرض أولادنا وفلذات أكبادنا للتحرش والاعتداءات الجنسية التي تزايدت بصورة مخيفة وكبيرة في إطار السلم التعليمي (الثماني) الحالي، فما بالكم بإضافة عام آخر! وهي قضية تهربت منها وزارة التعليم في أكثر من موضع طيلة الأسبوعين الماضيين، بدايةً بعدم التعقيب على ما نشرته الصحف من مقالات، أو الهروب من المشاركة في بعض البرامج التلفزيونية سواء بعدم الحضور أو التسويف والانصرافية، مروراً بما تم في مؤتمر الوزارة الصحفي الذي عقدته الأسبوع الماضي وخلو وثيقتهم المزعومة ومصفوفتها الانصرافية والتسويفية الواضحة من أي معالجة للمشكلة الأساسية، انتهاءً بملتقى جمعية حماية المستهلك الذي نظمته الجمعية بمقرها ظهر السبت الثالث من مايو الجاري. ما يثير الدهشة حقاً ظاهرتين لمستهما خلال هذه الأحداث، هما ال(تضليل) وال(تضييق) الإعلامي الذي لمسته من البعض، ومن ذلك ما حملته الصحف في اليوم التالي للمؤتمر الصحفي الوزاري، والتي حملت عناويناً رئيسية توحي بمعالجة المشكلة الحقيقية (فصل التلاميذ وفقاً لفئاتهم العمرية)، وهو ما لم يحدث! فقد عمدت الوزارة إلى تضليل الرأي العام وساعدها في ذلك الإعلام (جهلاً أو عمداً لا أدري)! فالمشكلة الحقيقية التي نعاني منها الآن – بغض النظر عن مسمى المرحلة – هو تعرض الأطفال الصغار للتحرش والاعتداءات الجنسية، هذا يعني أن الذين سيدخلون المدرسة بعد شهرين من الآن، سيكونون عُرضة لهذا الخطر مما يستوجب العمل على إيقاف هذا النزيف! الأمر الثاني التضييق الواضح الذي مارسته بعض القنوات الفضائية التي تمت استضافتي بها، ومنها بصفةٍ خاصة قناة النيل الأزرق (برنامج حالة استفهام) يوم الأربعاء الماضي، حيث كان الحضور كبيراً ولم تُتح لنا الفرصة الكافية للحديث، بل حتى الفرصتين الوحيدتين اللتين أتيحتا لي قاطعتني فيها مقدمة البرنامج (سامحها الله) بنحوٍ واضح ومخل، وتم إنهاء البرنامج بشكلٍ غير مفهوم، وكان واضحاً للمشاهدين هذا ولا أدري سبباً وجيهاً لهذا. ثم ما دار في الكواليس من جدل وحوار مع وزير الدولة الذي سألني عن الحل، فقلت له بالنص: على الدولة ترك كل شيئ والاهتمام بإخراج كادر بشري سوي ومؤهل أخلاقياً وسلوكياً وأكاديمياً، والدولة لديها موارد كافية لترقية عملية التعليم التي تشمل كلاً من المناهج والمعلم بجانب البيئة المدرسية التي تتطلب، وبنحو عاجل، فصل التلاميذ الصغار عن الكبار في مدراس منفصلة وبعيدة عن بعضها لإيقاف هذا النزيف الأليم وذلك قبل بداية الدراسة بعد شهرين من الآن، ثم يمكن بعدها النظر في أمر المناهج وتجريبها وقياسها وتعديلها إذا تطلب الأمر، بجانب تأهيل المعلم (مهنياً وتربوياً) ليكون قادراً على أداء مهامه التعليمية والتربوية، وأن أي مشروع آخر تقوم به الدولة سيكون هباءً منثوراً لغياب أهم عوامل التنمية وهو العنصر البشري (السوي). من الواضح جداً أن الوزارة لم ولن تفعل شيئاً حيال المشكلة الرئيسية التي ما زالت قائمة، وهي تواجد أولئك التلاميذ بأعمارهم المتفاوتة، متحججة بالإمكانيات رغم قدرة الدولة على بناء مدارس جديدة منفصلة تماماً وبعيدة عن بعضها لتحتوي كل فئة عمرية منفردة، ولكنها تأبى هذا وتُصر على أن الأمر تم بناءً على دراسات موضوعية وتقارير نوعية وغيرها من التسويف، ولا أدل على غياب الدراسة والموضوعية من ترك الوزارة للقضية الأساسية والاهتمام بالجوانب القشرية وإظهار نفسها (أي الوزارة) وكأنها أتت بالجديد وفشلت في هذا أيضاً. فحينما تقول الوزارة بأن السلم المعمول به عالمياً وفي كل الدول هو 6-3-3 وأنها قامت بالتعديل، فإن الواقع هو أن الوزارة رجعت عن الخطأ الذي يستوجب محاكمة ومعاقبة من ارتكبه لما ترتب على هذا الخطأ من كوارث لحقت بالدولة وبالسودانيين، سواء كان على الصعيد الأكاديمي أو الأخلاقي أو التنموي، فنحن كنا نطبق هذا السلم مما يعني أن عودة الوزارة له عبارة عن إقرار ضمني (وغير خجول) بالخطأ الكارثي الذي ارتكبته الدولة! وما يدل على عدم الدراسة أن كلا القرارين (الأول بتغيير السلم لثماني) والجديد الآن بإضافة سنة دراسية قد اتخذا بناءً على (توصيات) مؤتمرات في العادة لا تطبق مباشرة، ولكن بعد الدراسة التي غابت تماماً في الحالتين. حيث امتدت الفترة بين المؤتمرين 22 عاماً الأول كان في عام 1990 والثاني عام 2012!! فأين التقييم والمتابعة طيلة هذه الفترة! وليتهم نجحوا حتى في هذه العودة المتأخرة جداً ولكنهم يرغبون بقرارهم هذا في تعميق وتأصيل هذه الجراحات والآلام! دعوتي لكم أنتم فقط أيها الآباء وأولياء أمور التلاميذ باعتباركم أصحاب ال(وَجْعَة)، فالضحايا هم أبناءكم ووضح لكم ولنا جلياً وبما لا يدع مجالاً لأي شك أن الدولة لا تعبأ بهم، بل تعمل على تدميرهم أكثر، فحافظوا على عيالكم الذين سيسألكم الله عنهم يوم الحساب، طالبوا بمدارس منفصلة لأبنائكم وفقاً لأعمارهم ابتداءً من العام الدراسي الجديد بعد شهرين من الآن والفترة كافية إذا كانت الدولة جادة وتضع لكم اعتباراً، كما وأن الدولة قادرة على إنجاز هذا الأمر ولديها الموارد المالية الكافية، سواء كانت نسبة ال6% المخصصة للتعليم من الدخل القومي، أو الأموال التي يلهفها الفاسدون ونسمع عنها ونشاهدها في الصحف يومياً، وهذا ما يجعلنا نقول بأن الدولة ساهمت وستساهم أكثر في تدمير أبنائنا. إن قبولكم بهذه الوضعية الكارثية هو إقرار وقبول منكم بآثارها، وسيدخل المزيد من الأطفال في دائرة هذا الخطر (تلاميذ السنة الأولى الجديدة بعد شهرين)، ولا مجال آخر أمامكم لإنقاذ هؤلاء الصغار إلى بمناهضة هذا الأمر حتى يستجيبوا لكم حيث لم تدع لنا الدولة مجالاً آخر سوى هذا السبيل. وأقول لأهل الإعلام إنني لا أتحدث عن أبناء من كوكب آخر أو أطفال خارج الحدود وحتى لو فعلت فهم أطفال واحباب الله ولا يليق أو يجوز تركهم عُرضة لهذه المهالك، إنني أتحدث عن ابنائي وابنائك وابناء أخيك وأختك وابن عمك وخالتك وصديقك وجارك الخ، فأفيقوا واتقوا الله في ما تقومون به من مهام وأعمال وأقوال فأنتم ونحن جميعاً مسئولون عنها يوم الحساب. أنقذوا اولئك الأبرياء ولنعمل جميعاً على إعادة سودان معافى يبدأ بعلاج إنسانه الذي أصبح خواء من فرط النكبات.. وللحديث بقية.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.