يأمل سكان منطقة الدويشات القريبة من مدينة دنقلا شمالي السودان، أن تزدهر الحياة بقريتهم الفقيرة عندما يقفز إنتاج احدى الشركات العاملة في تعدين الذهب بمنطقتهم الى (2) طن، وإنهاء ترتيبات إتفاق دعم الشركة للخدمات بالمنطقة. فالاهالي هناك عازمون على ان ينالوا نصيبهم من انتاج الشركة الواقعة بمنطقتهم، والقانون والدستور السوداني يكفل لهم الحق في ذلك. والدويشات الفقيرة التي تقع على الناحية الشرقية من نهر النيل تعاني من تردئ الاوضاع الصحية وبالكاد يوجد "مساعد طبي" بالبلدة ولمقابلة طبيب عمومي يضطر السكان الى السفر الى مدينة دنقلا جنوبي المنطقة بولاية الشمالية. ويثير إنتشار شركات التنقيب عن الذهب بوديان الولاية الشمالية وولاية نهر النيل اسئلة كثيرة في الشان الصحي واستخدام هذه الشركات مواد سامة في عمليات التنقيب، وتواجه قرى عديدة قريبة من شركات تعمل في انتاج الذهب نفس المشكلة الصحية، هذا الى جانب إستخدام المعدنين التقليديين مادة الزئبق في عمليات استخلاص الذهب. سكان منطقة "الدويشات" تفاجئوا ذات صباح بنفوق مئات الطيور على طريق عام يربط منطقتهم بشركة التعدين الشهر قبل الماضي، وبمتابعة الامر من الاهالي مع شركة التعدين تكشف ان سبب نفوق الطيور مادة سامة "الساينايت" تستخدمها الشركة في عمليات التعدين وتسكبها على احواض مائية كبيرة. استعشر سكان المنطقة حينها الخطر ودفعوا بمذكرة الى الشركة لإيقاف عمليات التنقيب الى حين الاطمئنان على الموقف الصحي، لكن مسؤولون بالشركة رفضوا مطالب السكان بحجة عدم وجود مادة قاتلة في عمليات التنقيب. ويقول الطبيب البيطري، اسامة طيفور ل(الطريق)، " الطيور نفقت بسبب تجرعها مادة الساينايت القاتلة " واضاف " الاجراءات الصحية المتخذة من قبل الشركة غير كافية لان المادة ربما افرغت في مجرى مائي للتخلص منها دون مراعاة خطورتها ". ويقول محمد ماهر، الذي يكافح من اجل ابعاد الشركة عن المنطقة ل(الطريق) " هذه الشركة دمرت كافة مظاهر الحياة في المنطقة لقد نفقت عشرات الطيور جراء تناولها مياه مختلطة بمادة الساينايت القاتلة وعندما طلبنا من الشركة اتخاذ اجراءات تمنع اختلاط المادة بالمياه رفضوا معاينة الطلب وزج بنا في السجن لاسبوع ". ويضيف ماهر " الشركة لاتساهم في تطوير البلدة وتنهب الذهب من المنطقة على الرغم من نقص المدارس وعدم توفر مرفق صحي بمواصفات عادية والدستور ينص على قسمة 2% من الارباح لصالح مناطق الانتاج ". وعززت الشركة المنقبة عن الذهب في منطقة الدويشات اجراءات امنية مكثفة على خلفية مطالب الاهالي باخلاء مواقع التعدين في اعقاب نفوق عشرات الطيور واقتادت الشرطة 2 من اهالي المنطقة الشهر الماضي، الى قسم شرطة وادي حلفا ومكثا في الاعتقال قرابة الاسبوع وافرجت عنهم السلطات لاحقا دون توجيه تهم. معدنون تقليديون عن الذهب في السودان ويرى الخبير في مجال البيئة، عمر النور، ان الشركات المنقبة عن الذهب عادة ما تتجاهل اجراءات السلامة بحثا عن الذهب والانتاج وتساعدها على ذلك السلطات الصحية التي تعمل على اجراءات غير راتبة. ويقول النور ل(الطريق) " هناك في وديان الشمال وصحرائه يهيم آلاف المنقبين على وجوههم بحثا عن الذهب وسط اطنان من الزئبق الذي يختلط بحياتهم وغذائهم كما ان البلدات والمدن المجاورة لم تسلم من مادة الزئبق ". وتعترف السلطات الصحة بالولاية الشمالية، بتاثير صحي للاستخدام الكثيف لمادة الزئبق على المواطنين المنقبيين، وقال مسؤول صحي بوزارة الصحة الاتحادية ل(الطريق)" الزئبق يستخدم بكثافة عالية في مناطق انتاج الذهب خاصة في اوساط المعدنين ". وقال " السلطات الصحية امكاناتها شحيحة ولايمكن ان تحظر المادة او تعمل على ايقاف استخدامها ". وزار وزير المعادن السوداني، المنطقة منتصف مارس الماضي برفقة فريق فني من الوزارة للتاكد من أستخدام الشركة لمواد سامة في عمليات التنقيب، لكن لم يعلن عن التقرير الفني لخبراء الوزارة حتي الآن. ولم تعلن الحكومة السودانية عن حجم الذهب المنتج لهذه الشركات، لكنها أعلنت مارس الماضي رفع إنتاجها من الذهب الى (70) طناً خلال العام الحالي، بدلاً عن (34) طناً منتجة خلال العام 2013م – في عملية تطوير آليات التنقيب التقليدي بالبلاد. ويسهم التعدين التقليدي ب(90%) من انتاج الذهب في السودان، بحسب وزارة المعادن السودانية، التي قالت انها تعتزم تقنين وتنظيم عمليات التعدين الأهلي من خلال قانون الثروة المعدنية للعام 2014م المنتظر إجازته من الجهات المختصة حتى يساهم في ميزانية الدولة.