الجريمة منظومة لا تتجزأ ولا تقتصر على مكان وزمان محددين، وتجسدت هذه الحقيقية بمدينة كسلا التي كان أهلها يسمعون عن قصص اختطاف اللاجئين وحكايات تجارة البشر، ولم يتوقعوا ان يطرق الخطر أبوابهم ويتربص بهم. وما تعرض له طفلان قبل أيام ينذر بخطر داهم بدأت بوادره تلوح في الأفق. وتشير تفاصيل قصة الطفل الأول البالغ من العمر عشر سنوات، إلى أنه تعرض للاختطاف من قبل ملثمين يقودون عربة، وذلك عندما خرج من منزل جده بحي الحلنقة وسط متجهاً إلى خلوة قرآنية يدرس بها، وقامت العصابة بخطفه من الطريق العام، ووضعته مكبلا على العربة، وتحركت بسرعة كبيرة من الحلنقة شرقا باتجاه جبل مكرام، وتوقفت العربة التي كانت تقل الصغير الذي تملكه الرعب وشل عامل المفاجأة حركته، ولم يكن يعلم ماذا يحدث والي اين هو ذاهب، وبعد مشوار ليس بالقصير توقفت العربة وترجل من كان بداخلها تاركين الطفل وسط شبه غابة من اشجار المسكيت، وذلك لإجراء مكالمة هاتفية وانتظار آخرين ظهروا فجأة من بين الأشجار، وأرادت عناية السماء أن تنقذ الطفل الذي استجمع قواه وهرب من العربة رغم أن يديه مكبلتان، وعندما انتبه خاطفوه قاموا بمطاردته بين الأشجار ولم يتوقف حتى وصل الى منزل أهله بحي مكرام ليبتعد خاطفوه بعد ان تيقنوا من استحالة إعادته وخوفا من اكتشافهم وقبضهم من قبل سكان الحي، الذين وعقب سماعهم خبر اختطاف الطفل سارعوا بالخروج بحثا عن المجرمين الذين لاذوا?بالفرار. وذات السيناريو تعرضت له طالبة بمرحلة الأساس بإحدى المحليات التي تقع بالقرب من مدينة كسلا، حيث تعرضت لعملية اختطاف تحمل قدرا كبيرا من الجرأة والتخطيط والتنظيم، وذلك لأن التلميذة خطفت من أمام مدرستها بواسطة عربة انطلقت بها مسرعة نحو السوق الشعبي بمدينة كسلا، وقام المختطف بتسليمها الى آخر بغية تهريبها خارج الولاية، وكانت العملية تقوم على مرافقة التلميذة تحت التهديد، وبعد أن أدخلوا الرعب في نفسها البريئة، الرجل الذي استلمها في السوق الشعبي إلى وجهه غير معلومة، ولكن الشك الذي ساور أفراد شرطة المعابر الذين شاهدو? التلميذة بالزى المدرسي داخل حافلة متجهة خارج الولاية، جعلهم يطلبون منها النزول من الحافلة لمعرفة حقيقة أمرها، وكان خاطفها يجلس في مقعد خلفها مباشرة، وعندما رأى الشرطة تنزل التلميذة من العربة وتستسفرها، انتهز الفرصة ونزل سريعاً من الحافلة متواريا عن الأنظار، وعند معرفة أفراد شرطة المعابر كامل التفاصيل من التلميذة عادوا ليجدوا ان الجاني قد لاذ بالفرار ليقوموا بتسليمها الى ذويها. لتدخل الحادثتان الرعب في قلوب مواطني مدينة كسلا والمحليات المجاورة الذين باتوا يحذِّرون أبناءهم من ركوب العربات الخاصة، وعدم التوقف لشخص غريب، وهذا ما أكده القيادي بالمؤتمر الوطني محمد آدم صباح الخير، مشيراً إلى أن الولاية شهدت خلال الفترة الماضية عمليات تهريب واسعة، وقال إنه تم إصدار الكثير من الأحكام الرادعة بحق المخالفين للقانون، مشيراً إلى أن قضية الاتجار بالبشر باتت من القضايا التي تستحوذ على اهتمام مواطني الولاية، لأنها آخذة في الانتشار، بل أضحت مهنة تدر عائداً جيداً للكثيرين، وهو أمر اعتبره يحتاج لد?اسة ومعالجة فورية من السلطات التي أصدرت قانوناً رادعاً وجد الإشادة من المواطنين، ولكنه يحتاج لتفعيل وتنزيل إلى أرض الواقع بصورة أكثر قوة، ولا بد أن تكون العقوبات قاسية ورادعة، ويجب أن نترك العمل على طريقة الأجاويد الذين يتدخلون لحل هكذا قضايا، ويؤكد على ضرورة التنسيق وتضافر الجهود بين الأجهزة الأمنية المختلفة التي قال إنها قادرة على حسم هذه الظاهرة، مطالباً بإشراك الشرطة المجتمعية، وذلك للاستفادة من خبراتها وكفاءة كوادرها، وقال إن الاتجار في البشر بعد أن كان حالات فردية ومعزولة تحول إلى واقع يشكل خطورة بال?ة وظاهرة تزعج المواطنين، مطالباً بضرورة إحكام الرقابة أكثر على معسكرات اللاجئين الموجودة بالولاية، مؤكداً أن ظاهرة اختطاف الأطفال التي أطلت برأسها أخيراً في ولاية كسلا تعتبر نتاجاً طبيعياً لتفشي الظاهرة التي تحولت من اختطاف اللاجئين إلى أطفال السودانيين، مشيراً إلى أن قضية الاتجار بالبشر يجب أن تكون محاربتها أولوية من قبل سلطات الدولية المركزية والولائية، وذلك لأن آثارها الاجتماعية والنفسية لا حصر لها، وربما تحدث شرخاً في النسيج الاجتماعي بين مختلف القبائل. ويؤكد معتمد محلية كسلا حسن الشريف في حديث ل «الصحافة» وجود تجارة البشر، مشيراً إلى أن البعض يستغل المتسللين الأجانب إلى السودان، وذلك عبر خطفهم وطلب فدية من أهلهم نظير إطلاق سراحهم، معتبراً ظاهرة الابتزاز ممارسة غير كريمة ولا تمت إلى الدين الإسلامي وموروثات الشعب السوداني بصلة. ويؤكد معتمد كسلا تراجع الظاهرة وانحسارها بعد القوانين الرادعة التي تم إصدارها عطفاً على العمل المقدر الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المختلفة، غير أنه نفى وجود حالات اختطاف لأطفال بمحلية كسلا كما أشيع أخيراً. ولكن الصحافي بصحيفة «الدار» سيف الدين آدم هارون، يؤكد وقوع حوادث اختطاف بمحلية كسلا، مشيراً إلى أنه التقى بالأطفال المخطوفين وأسرهم، وأجرى معهم حوارات قام بنشرها في صحيفة «الدار» خلال الأيام الماضية، مدعمة بالصور وإفادات أسر الأطفال المختطفين، وناشد في حديث ل «الصحافة» الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال أن يكونوا على قدر المسؤولية، وذلك عبر عكس الحقائق مجردة وتبصير المواطنين بخطورة الذي يحدث من قبل الخاطفين، ويقول إن هذه الظاهرة استحوذت على اهتمام الرأي العام، وأدخلت الرعب والهلع في نفوس الأسر، وقال إن بعض الآ?اء والأمهات يقومون بتوصيل أبنائهم إلى المدارس حتى تطمئن قلوبهم، مشيراً إلى أن اهتمام المجلس التشريعي بالولاية الذي أصدر قراراً غير مسبوق بتشديد العقوبة على تجار البشر ومنتهكي حقوق الأطفال، يؤكد حقيقة وجود ظاهرة الاتجار بالبشر، مؤكداً أن القضية تتطلب تضافر جهود كل المجتمع ووقوفه بجانب السلطات المختصة، للحد من هذه التجارة الخطيرة التي تديرها شبكات بعد أن أصبحت مهنة تدر دخلاً جيداً في زمن وجيز.