ظلت المرأة السودانية عبر تاريخها الطويل الممتد عبر القرون منذ ان عاش الانسان على هذه الأرض تعيش حياة مليئة بالعمل والكفاح من أجل الحياة ومن اجل مستوى من الطموح الى وضع متميز عبر الكيانات الثقافية العديدة التي كونت الشخصية السودانية، فلم تكن المرأة كياناً منفصلاً عن مجتمعها بل كانت عنصراً فعالاً في هذا المجتمع. التكوين الثقافي والاجتماعي والديني للسودان القديم والحديث لم يعرف اطلاقا الحدود بمعنى "الطبقات"، بل عاش المجتمع محافظاً على أعرافه الاجتماعية وكانت المرأة رغم تفاوت الأوضاع الاجتماعية إلا أنها ظلت في مشاركة نابعة من الواقع الاجتماعي السوداني و كانت مشاركتها بمختلف مستوياتها الاجتماعية والثقافية تعبيراً صادقاً عن تلك المستويات كما انها نابعة من صميم الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لذلك نجد المرأة الملكة والمرأة المربية والمرأة الفقيهة والمرأة الفارسة المقاتلة، والمرأة الشاعرة والمرأة الكادحة والمرأة التاجرة .وبهذه المستويات المتعددة المختلفة في اختصاصاتها المتباينة في متطلباتها العلمية والتطبيقية والفلسفية قامت المرأة بدورها في بناء الوطن و كانت رقماً ولم تكن هامشاً ابدا . ظلت المرأة السودانية عبر التاريخ الطويل تحافظ على الأداء المتميز والمشاركة الفعالة رغم تباين المشاركات واختلاف طبيعة الأداء. فإذا كان المؤرخون غفلوا عن ذكر دور المرأة في الحقب المختلفة إلا أنهم لم ينكروا هذا الدور وإذا غابت الإشادة بعض الأحيان فذلك لا يعني انعدامه وإنما يعني عدم تحري الدقة في كتابة التاريخ ولذلك لا يمكننا تحميل المرأة وزراً ليس لها فيه دور وإنما ننسبه الى تحري الدقة والأمانة وتوثيق المعارف لإنتاج المعلومات الصحيحة. يحكي التاريخ ان الانسان واجهته صعوبات جمة في طريق حياته الحافلة بالنضال من أجل حياة أفضل ومن أجل ان ينعم بالاستقرار والراحة النفسية والبدنية. ولا نعني بالراحة الخلود وإنما دائماً نعني بها تسجيل النجاح في مواجهة قوى الطبيعة دعماً للحضارة الإنسانية. فالإنسان ظل منذ فجر الخليقة يتعامل مع الطبيعة التي حوله بالطريقة التي تستجيب لاحتياجاته وتشجع غرائزه وقد انتهج في ذلك توزيع المهام وفقاً لخصائص النوع ونقصد به النوع البشري الذكورة والانوثة. فالرجل تصدى لمهامه المتملثة فى الصيد وإزالة الصخور من مدخل الكهف والمرأة أنيط بها تربية الأطفال ورعايتهم وجمع الثمار من المناطق القريبة، فإذا كانت مهام الذكورة ارتبطت بالقوة العضلية فلا شك أن مهام الأنثى ارتبطت بالقوة العقلية حيث أتاحت لها طبيعة عملها المرتبطة بقلة الحركة التأمل والتفكير. وهذه مسلمة بديهية لا تحتاج الى مطالعة ولا شك في أن الرسوم الجدارية البدائية تحكي عن فعاليات ملء الفراغ، إذ لا يمكننا أن نتخيل المرأة في ذلك العصر تقضي وقتها في الانزواء وانتظار عودة الرجل من رحلة الصيد الشاقة التي بذل فيها جهداً يحتاج بعده الى الخلود والراحة. وهنا يأتي التماثل في المهام وفقاً لخصائص النوع. فإذا كانت القرائن الدالة على مساهمة المرأة في الحياة البدائية لا تقبل الجدال ولا شك ارتباط ذلك بخصائص الانوثة ومهامها في تلك الحقبة من الزمن حيث تشير الدلائل المنطقية الى أن الأنثى أنيط بها القيام بمهام التربية والتعليم ويحق لنا ان نقول تلك الفترة هي مرحلة الأسرة التي سبقت تكوين الجماعة وهي فترة اتسمت بالمشاركة الفعالة في مواجهة تحديات الطبيعة من جهة وإقامة نظام حياة جديرة بالإنسان ونظام سماته التعاون الخلاق والعمل الجاد وفقاً للخصائص النوعية دون تمايز ولا تعالٍ. من خلال الخلفية التاريخية يمكن إدراك الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي عايشها الإنسان في المراحل المختلفة من التاريخ البشري، كما يمكن التعرف على مدى تأثر الحالة الاجتماعية بالعوامل الطبيعية والبيئية وما تتركه من رواسب تتغلغل في شخصية الإنسان ومدى تأثيرها في الخلفية الثقافية والمساهمة الحضارية لفترات التطور الحاسمة في البشرية. استمر تطور الإنسان وتمتع بفترة من السلام نسبة لوفرة الموارد وهذا التطور حافظ على حياة الإنسان الأمر الذي أدى الى تكاثر النوع البشري وتطور المجتمع الاسري الى مجتمع العائلة ثم القبيلة ونسبة لتغيير الظروف الطبيعية والجفاف، والفيضان أصبحت العائلات تتنافس على الموارد بالطريقة التي أدت الى الاحتراب وخضوع الضعيف الى سيطرة القوي. و التاريخ نفسه يثبت الدور المتنامي للمرأة في الحياة العامة من خلال مشاركتها في القيام بأعمال الزراعة والرعي والخياطة وفي فترات الازدهار كانت مشاركة المرأة في التربية والمشاركة في الحياة السياسية وهذه المشاركة ترتبط دائماً بالنظرة الايجابية لدور المرأة في الحياة العامة، أما في فترة القهر والتسلط فإن دور المرأة يتراجع بصورة عامة ويصبح دوراً هامشياً. وفي العصر الحديث أخذ دور المرأة يتعاظم من خلال نضالها وانتزاعها لحقوقها واحتلالها لمكانتها التي تليق بأدائها وقد نالت المرأة حقوقها من خلال التشريع الدستوري وأصبحت في منزلة واحدة مع الرجل بل تفوقت عليه. ======