شهد شهر فبراير الماضى حراكا سياسيا متصلا شمل كل الساحة السودانية بتنظيماتها واحزابها حتى الساحة الاقليمية والدولية انفعلت مع هذا الحراك لانه حمل جديدا فى ثناياه والقى حجارة على بركة الجمود فى الوضع السياسى مما حرك الجميع بين انفعال ايجابى غالب على الساحة وانفعال غاضب من جناح لايجد تأييدا . وبقراءة لطبيعة الحراك السياسى وشكله وحجمه ودواعيه اولا خطاب رئيس الجمهورية المشير عمر البشير فى السابع والعشرين من يناير الماضى طرح فيه "الوثبة الوطنية الشاملة" التى تتضمن رؤية حزب المؤتمر الوطنى لامهات القضايا الوطنية السودانية مثل السلام - الحرية - محاربة الفقر - الهوية اى بعبارة أخرى ضرورة بناء المجتمع السياسي الحر ومشاورة الناس تحقيق السلام في السودان ومحاربة الفقر وتحقيق نهضة إقتصادية وتماسك هوية للشعب السوداني. وبالتالى جاءت الدعوة الى عقد حوار وطني عريض بين كل السودانيين قوىً سياسية وأحزابا مجتمعا مدنيا ً وفئات ومنظمات حضراً وريفاً مثقفين وغيرهم شباباً وكباراً رجالاً ونساءاً ولا يستنثي الحوار حتى الجماعات المسلحة. وخلال فبراير تمخض الحراك الحار للمشهد السياسى بعد لقاءات الاحزاب فيما بينها او مع حزب المؤتمر الوطنى الى مسلمات وخطوط عريضة تعبر عن روح توافقية التقت كلها على انه لكي لتطوير العمل السياسى لابد من وضع دستور توافقي يشارك في وضعه الجميع ولابد من مرحلة جديدة بحكومة جامعة تتشكل بعد إعداد الدستور ثم اختيار لجنة محايدة للانتخابات. القراءة الثانية تشير الى ان اتجاه النوايا السياسية الحاكمة والمعارضة تميل الى التصالح مع الذات ومع الاخرين فمثلا الرئيس البشير قال : (يجب أن لا نجعل خلافاتنا مانعا لتحقيق تطلعات الشعب ) والدكتورحسن عبدالله الترابى الامين العام للموتمر الشعبى قال: (دعونا نجلس للحوار ومن ثم نتحاور ). حزب المؤتمر الوطنى استطاع أن يلقي بكل هذا الحراك والتفاعل السياسي بطرح الإصلاح السياسي وحسب مراقب محلى فى الشوؤن السياسية يقارب ذلك مفهوم الانقلاب السياسي إذا تمكن الوطني أن يحتفظ بنصيب وافر من السلطة والقدرة على الفعل السياسي في أثناء وبعد الحوار وامتلاك ناصية الفعل السياسي في مخرجاته. وإذا افترضنا أن ما يتمخض عن هذا الحوار أياً كان شكله حكومة انتقالية أو قومية لابد وأن يتبعها استحقاق انتخابي يفضي إلى رئيس وبرلمان منتخبين، وبالتالي تقنن عملية الحصول على السلطة من جديد، ففي حال أن المؤتمر الوطني أعاد إنتاج المشهد السياسي السوداني عبر مبادرة الحوار هذه وقدم مقاربات جماعية لمشكلات الوطن نتج عنها وفاق وطني وأعاد فتح صفحة جديدة في التعاطي مع القضايا الوطنية، ونجح في تصحيح الأوضاع بنية خالصة عبر برنامج الإصلاح في الحزب والدولة وقدم للأحزاب التنازلات الكفيلة بأن تثق في الدخول إلى العملية ككل فإنه يكون قد أعاد تقديم نفسه للجمهور من جديد، وبالتالي فإنه يرجو أن يحصد ثمار ذلك بالمحافظة على جماهيره من المنتمين إليه والمتعاطفين معه على الأقل بما يكفل له تحقيق نتائج تمكنه من البقاء بنصيب وافر في السلطة الجديدة المتراضية عليها معظم الأطراف, وإن أكتمل هذا السيناريو فعندئذ يصح إطلاق مصطلح الانقلاب السياسي على هذا الحراك الذي أقدم عليه.على الجانب الآخر تسعي المعارضة السودانية إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب من هذا الوضع الذي فاجأها به المؤتمر الوطنى (الحزب الحاكم )اذ إنها كانت قد وطنت نفسها على خيارين لا ثالث لهما: أن يسلم الوطني السلطة عن يد وهو صاغر عندما يعجز عن الاضطلاع بمهام الحكم نتيجة الحصار الخارجي والمضايقات الداخلية، أو تقوم هي بالاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلاب أو الانتفاضة المدعومة بالحراك العسكري في الأطراف من أجل إضعاف أركان النظام للإجهاز عليه في الخرطوم، هذا الطريق الثالث الذي استطاع الوطني أن يباغت به المعارضة أربك حساباتها كثيراً . مثال واحد فقط على المتابعة الدولية وردود الفعل التى خرجت فى الاسبوع الاخير من فبراير الماضى حينما قال مبعوث الجامعة العربية لدى السودان السفير صلاح حليمة، إن الحوار الذي يجريه الرئيس السوداني عمر البشير مع القوى السياسية، من شأنه الإسهام في معالجة قضايا السودان مشيرا الى وجود رغبة حقيقة من كافة القوى السياسية لتحقيق الوفاق الوطني، وأن استجابتها للحوار يدلل على أنها راغبة في أن ينعم السودان بالأمن والاستقرار. التهيؤ الذى اوجده خطاب البشير لكل الفعاليات السياسية والاجتماعية مرحلة اولى تلتها مرحلة الحوار الثنائى والجماعى القادم ثم مرحلة التوفيق واخيرا مرحلة التطبيق . ولكننا نحذر من التلكؤ سواء من الحكومة نفسها او المعارضة فى ترجمة مرحلة التهيؤ المتاحة وهى اخر واجمل الفرص للقضاء على كل المهددات والقضايا التى تعيق تقدم الوطن واقعدته واشغلته عن تنفيذ كل النوايا الاقتصادية الحسنة للنهوض والنمو لانه بدون سلام لن نحقق نموا وتطورا زراعيا او صناعيا وبدون اقتصاد سليم يعالج الفقر ويستأصله من جذره لن يعطى الفرد انتاجا ولن يضيف ايرادا .