كتب -سعيد الطيب حينما كان الوطن العزيز مستعمرا من قبل المستعمر الانجليزى منذ اواخر القرن التاسع عشر الميلادى وحتى منتصف القرن العشرين . كانت الاغنية الوطنية موجودة تتمشى بين المواطنين وتتقدمهم فى وجدانهم وتلهم أهل الفن شعراء ومطربين ليوظفوا مواهبهم الفنية لخدمة قضايا هذا الشعب والوطن وكان ابرزهم الفنان الموسيقار الشاعر خليل فرح الذى سبق الجميع فى وضع عمل غنائى معبر عن الوطنية والتوق للاستقلال وحفز الناس للمقاومة والنضال وتحدى المستعمر . ( الشرف الباذخ ) نشيد كتبه وتغني به الشاعر والمغني الوطني الراحل خليل فرح إبان سطوة الإستعمار وإشتداد حركة المقاومة الوطنية منذ العام 1921م حتي رحيل خليل فرح في العام 1932م وقد مات وهو في الثامنة والثلاين من عمره . عبر النشيد بلغة بسيطة عن آمال وطموحات الشعب السوداني في الإستقلال ، لكن إاردة الله شاءت أن يرحل الفنان الوطني الخليل قبل أن يري بلاده التي أحبها قد نالت الإستقلال بعد 24 عاما من رحيله يقول النشيد : نحن ونحن الشرف الباذخ دابي الكر شباب النيل من تبينا .. قمنا ربينا ما إتفاسلنا قط بقليل ده ود عمي ... وده ضرب دمي وإنت شنو .. طفيلي دخيل قوم وقوم كفاك يانايم قوم وشوف حداك ياهايم مجدك طلَّ .. وشرفك ولّي وإنت تزيد ... زيادة النيل كان الخليل يتمتع بأحساس وطني متقدم ، يري ملامح الصمود سوف تشتعل ، حيث شهد عهده قيام جمعية اللواء الابيض في العام 1924م وغنى كذلك (عازة فى هواك) انشودة وطنية اعتمدت على الرمزية فى ايصال مفاهيم وقيم الوطنية وحغز الهمم للمقومة والتصدى للاستعمار . الفنان الوطني الكبير حسن خليفة العطبراوي وضع القضايا الوطنية نصب عينيه وهو يري منذ ريعان شبابه وبحسه الوطني العالي كيف كان عمال السكة الحديد في عطبرة يسيرون التظاهرات في ميدان المولد هناك ضد المستعمر الذي أرهق مناضلي المدينة وأهلها كثيراً ، فكانت تلك التظاهرات هي التي ألهمته عند توظيفه لموهبته الغنائية والموسيقية توظيفاً متقدماً ليخرج للجماهير تلك الأناشيد الخالدة التي سكنت الوجدان تماماً من خلال أكبر مجال وهي الليالي السياسية والإجتماعية بعطبرة والدامر وحين تأسس مؤتمر الخريجين ، ظلت عطبرة تحتفي بذلك الحس الوطني ضد المستعمر ، والتظاهرات تلهم الجماهير الثبات والنضال ، فأخرج حسن خليفة من خلال تلك الأجواء الوطنية الباهرة تلك الأنشودة الرائعة والصامدة حتي اللحظة ، والتي ستحافظ علي ذات ألقها وقوة طرحها بما ظلت تكتنزه مفرداتها من إفتخار بالحس الوطني عالي المقام ، فجاءت إلي الوجود في العام 1943 والحركة الوطنية تتوثب إلي إثبات ذاتها في خارطة السياسة السودانية ، جاءت أنشودة (انا سودانى انا ) والتي كتبها الشاعر الأستاذ محمد عثمان عبدالرحيم (الذى رحل مؤخرا ) بمدينة رفاعة ، حيث أطلت القصيدة وهي تمتليء بمفردات كبيرة المعني ، قوية الطرح ، تلهم الروح الوطنية لكل من يستمع لها بلحن حسن خليفة وبصوته الواضح المعالم والمتمدد عشقاً لتراب هذا الوطن وقد كان التركيز في مخارج الصوت واضحا كل اجزائه لنا وطنٌ إذ نباهي به ونفتتنُ نتغني بحسنه ابدا ًدونه لايروقنا حسنُ نتملي جماله لنري هل لترفيهِ عيشه ثمنُ غير هذي الدماءِ نبذلها كالفدائي حين يُمتَحنُ بسخاءٍ بجرأةٍ بقويً لا يني جهدها ولا تهِنُ تستهينُ الخطوبُ عن جلد تلك تنهالُ وهي تتزنُ أنا سوداني أنا ، أنا سوداني أنا هذا النشيد هز أركان الوطن كله بما طرحه من مضامين تخاطب الروح الوطنية في ذلك الزمان الذي شهد بدايات حركة الخريجين ،ثم غنى العطبراوى نشيد (يا غريب يلالبلدك) ونشيد لن احيد عن الكفاح للشاعر محى الدين فارس ..كذلك غنى (يا وطنى العزيز) ثم غنى الفنان الشاب فى ذلك الزمن الجميل زنقار (سودانى الجوة وجدانى بريدو) وبعد ذلك بدأ المبدعون الوطنيون من أهل السودان يحثون علي رفع وتيرة الإحساس الوطني لدي الجماهير بإنشادهم الوطني عالي المقام ورويدا رويدا ، تكونت الجمعيات ومؤتمرات الخريجين وتشكلت التكوينات الأولي للأحزاب السودانية ، فالنقابات المهنية ، حتي تحقق إستقلال السودان في 1/1/1956م فأتي الإستقلال سالما ً تماماً( كالصحن الصيني.. من غير شق أو طق ) كما قالها الزعيم الأزهري في خطاب الإستقلال في ذلك الزمان . بعد الاستقلال مباشرة تغنى العديد من الفنانين بأغانى وطنية خلدت فى الذهنية السودانية وظلت تردد موسميا خلال اعياد الاستقلال او ابان الايام الوطنية الاخرى مثل نشيد (اليومَ نرفُع راية إستقلالنا ويسطِّرُ التاريخ ُ مولدَ شعبنا) الذى كتبه الطالب الجامعي عبدالواحد عبدالله في العام 1961م وقد ذكر الموسيقار الراحل محمد وردى بأنه كان يلتقي كثيرا ومنذ سنواته الأولي في طريق الفن بالأدباء والشعراء من طلاب جامعة الخرطوم في ذلك الزمان إلي أن أعطاه ذلك النشيد أحد أولئك الشعراء من الطلاب النابهين وهو عبدالواحد عبدالله ، من أبناء القضارف وقد كان طالبا بكلية الآدب ، وكان ذلك في العام 1961م ، ثم غنى وردى اغنيات وطنيات اخر مثل ( نحن في الشدة ِ بأسُُ ُ يتجلي .. وعلي الود نضُّم الشملَ أهلاً .. ليس في شرعتنا عبدُ ُ ومولي) وغنى للفيتورى ( أبداً ما هُنت يا سوداننَا يوماً علينا .. بالذي أصبح شمساً في يدينا ..وغناءً عاطراً تعدو به الريح ... فتختال الهوينا يابلادي.. من كل قلب يابلادي) وغنى وطنيات اخرى مثل (اصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقى ) وغنى لاكتوبر الانتفاضة المجيدة ولابريل الانتفاضة الثانية المجيدة . وجاء نشيد ( آسيا وأفريقيا ) لتاج السر الحسن وأداء الكابلي ليوضح ان للسودان ولايزال دورٌ مشرفُُ في مناصرة شعوب العالم المستضعفة وقد ظل يجاهر بذلك دون تحفظ أو وجل . تغني بتلك الأنشودة الخالدة الأستاذ عبدالكريم ولأول مرة أمام الرئيس عبدالناصر في عام 1960م حين زار السودان في زمان حكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود .. فجاءت هذه المقاطع المتميزة (عندما أعزف ُ ياقلبي.. الأناشيد القديمة ..ويطل الفجر في قلبي.. علي أجنح غيمة .. يا صحابي فأنا .. مازرتُ يوما أندونيسيا أرض سوكارنو .. ولا شاهدتُ روسيا غير أني والسنا .. في أرض أفريقيا الجديدة والدُجي يشربُ .. من ضوء النجيمات البعيدة قد رأيتُ التاسَ في قلب الملايو.. مثلما شاهدتُ جومو .. ولقد شاهدتُ جومو .. وغنى الفنان عثمان الشفيع نشيد ( وطن الجدود .. نفديك بالأرواح نجود .. وطني ) ليعمل فعل السحر في أوساط شعب السودان ومثقفيه وطلابه وعماله ومزارعيه ، لذلك ظلت تجمعات الطلاب في الثانويات وفي الجامعة تنشده بلا تحفظ داخل أسوار معاهدها في مهرجاناتها العامة السنوية.. وغنى عثمان حسين (افديك بالروح يا موطنى) وغنى عبدالعزيز محمد داؤد ( بلادى يا سنا الفجر ) ثم غنت عشة الفلاتية (وطنى) وغنى سيد خليفة (يا وطنى يا بلد احبابى ) وغنى الثنائى الوطنى (امة الامجاد) ما ذكرناه هى نماذج لبعض الاغانى الوطنية التى صيغت قبل الاستقلال وبعد الاستقلال وكانت تلعب دور معنويا بالغ الاثر فى النفوس وفى الوجدان السودانى وبالتالى ساهمت كثيرا فى مسيرة الاستقلال وفى توثيق النبض الشعورى والتركيبة النفسية المناضلة فى تلك الفرات من عمر هذا الوطن الشامخ وهو يحتفل بعيد ميلاده ال59