-حقا تمخض الجبل فولد فارا ، فمن مفارقات المعارضة السودانىة باحزابها الداعية لتحكيم الديموقراطية وتحقيق التداول السلمى للسلطة عبر سلطة الشعب انها طربت لشاعرها الذى اعتلى منصة حملتها المناوية للانتخابات المقررة فى ابريل المقبل حيث كانت دعوة الشاعر الديموقراطى المغمور فى قصيدته بعنوان (ما تنخدع) التى خاطب بها رعاة الديموقراطية والداعين لها وعبرهم موجها نصحة للشعب السودانى بالقول ( أسمع نداء السودان وبس - أوعك تفكر تنتخِب ... ما تقبل أصلك تُنتَخَب ). فكيف يريد ان يحكم هؤلاء الذين تعبر دعوتهم عن خشيتهم من الممارسة الفعلية لما يدعون اليه وينبذون اى وسيلة اخرى فى الوصول لسدة الحكم . والناظر لهذه الاجواء يجد ان اكثر الايام التى تتأزم فيها مواقف هذه الاحزاب وتضطرب ، الاجواء التى تدعى فيها للاحتكام للشعب الذي يناضلون باسمه . فالانتخابات القادمة المقرر انطلاقها فى الثانى من ابريل المقبل معلنة ومعلومة الزمان ومحددة الاجال منذ انطلاقة هذه الدورة المنتهية التى انطلقت قبل اربعة اعوام . ففى الوقت الذى تكتمل فيه كافة الاجراءات والترتيبات لانطلاقة هذه الجولة تحتشد القوى المعارضة هذه لتكرر وتعيد للاذهان ذات الاجواء التى واجهت بها الانتخابات السابقة فى العام 2010م رغم اختلاف الظروف نوعا ما الان عن تلك . فبعد ما أعلنت المفوضية القومية للانتخابات اعتماد "15" مرشحاً رئاسياً بينهم المشير عمر البشير رئيس الجمهورية المنتخب ، تضم قائمتهم تسعة من غير المنضوين لاحزاب (مستقلين ) فضلاً عن "8748" مرشحاً للبرلمان النيابي المركزي والولائي، بينما كشفت عن ستة أسماء قالت إنهم فازوا بالتزكية يتبعون لحزب المؤتمر الوطنى في دوائر جغرافية بثلاث ولايات ، واعلان تعذر إجراء الانتخابات في تسع دوائر لشغل مقاعد نيابية . وتم الاعلان عن تقديم العديد من الجهات العالمية بطلبات لمراقبة الانتخابات ، بجانب 176 جهة محلية. لشحذ الذاكرة لابد من القاء نظرة للوراء قليلا لننظر ونقارن بين الاجواء التى تلف الساحة السياسية ونحن بين يدى هذه الانتخابات التى لم يتبق على اعلان انطلاقتها اكثر من شهر واسابيع ثلاثة من اجل المقارنة بين هذه الاجواء والاجواء الصاخبة التى عاشتها البلاد خلال انتخابات العام 2010م السابقة . والناظر للامر عن قرب تبدو لديه مواقف أحزاب القوى المعارضة تجاه المشاركة فى الانتخابات القادمة ، هى ذات المواقف ان لم تكن اسواء منها فى مواجهة الانتخابات السابقة فى العام 2010م رغم ان الانتخابات الماضية كانت اكثر زخما والاهتمام الدولى بها كان اكثر وحتى على المستوى الداخلى من منطلق انها مثلت المرة الأولى التى تجرى فيها بالبلاد انتخابات عامة بعد 20 عاما. وبالعودة للاجواء التى سبقت الانتخابات السابقة على المستوى الداخلى لا نجد كبير اختلاف بين ماهو واقع الآن مع قليل من الاختلافات ، رغم اختلاف الظروف التى جرت فيها تلك الانتخابات تتدافع القوى الدولية لانجازها على الوجه الاكمل لتخطيها كحاجز يقف امام اجواء الاستفتاء الذى افضى للانفصال ، ومثل هذا حينها الدافع القوى للقوى الخارجية لدعم تلك الانتخابات والاسراع بالاعتراف بنتائجها وتاكيد سلامة اجراءاتها . وقد عبر الدكتور حسن الترابى زعيم حزب المؤتمر الشعبى المعارض، فى تصريحات صحفية حينها عن موقف حزبه الذى شابه مواقف بقية القوى المعارضة حيث قال " إن حزبنا يريد خوض الانتخابات المقبلة وان كانت معيبة، وان شيئا خير من لا شئ". وأقر الترابى باختلاف وجهات نظر قوى المعارضة، قائلا " صحيح هناك اجتماعات مشتركة لأحزاب المعارضة، ولكن آرائها لم تكن متماثلة بالطبع، وقد قررنا خوض الانتخابات، وقد اتفقت معنا بعض القوى السياسية ، فى حين ان قوى أخرى تريد المقاطعة أو التأجيل". وعلى ذات النهج لمولانا محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الإتحادي الديمقراطي - الاصل - قال فى تصريحات منسوبة له " موقفنا سيتحدد في الأيام المقبلة".و " ما زلت عند موقفى الذى ينادى بالوفاق الوطني الشامل، وما زلت ادعو الى لقاء جامع بين الرئيس البشير وقادة كل الاحزاب السودانية للتحدث بصراحة حول الموقف السياسى الراهن". اما حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فلم يغير حينها موقفه الرافض لدعوات تأجيل الانتخابات، ، حيث جدد رئيس الحزب ومرشحه لانتخابات الرئاسة، المشير عمر البشير رفض الحزب تأجيل تلك الانتخابات .ونوه لطبيعة الاجواء بالاشارة الى ان الانتخابات" لن تؤجل لان مفوضية الانتخابات والمنظمات الدولية المراقبة للانتخابات ترفض التأجيل". ودعا البشير القوى السياسية فى السودان إلى الاحتكام الى صناديق الاقتراع فى الانتخابات المقبلة، وقال " من اراد الحكم فعليه ان يرجع إلى الشعب، والمواطن السودانى هو من سيقرر من يحكمه". وهاهى المعارضة اليوم تعيد ذات ما حذرت منه قبيل الانتخابات السابقة بالاشارة إلى أن إجراء الانتخابات في هذه الظروف سيقود إلى الحرب وعدم الاستقرار في البلاد ، وقد نحج المبعوث الأمريكي للسودان حينها اسكوت غرايشون، بعد سلسلة من المباحثات مع شريكي الحكم ، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتجاوز الكثير من العقبات حيث افلح فى اقناع الحركة الشعبية التى كانت قد قررت وقف حملة مرشحها لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان معللة لاستمرار الصراع في دارفور ومخالفات انتخابية وفقا لتصريحات ادلى بها حينها نائب رئيس الحركة رياك ماشار. كما افلح الوسيط فى سوق جل المعارضة ذات التأثير نحو القناعة بخوض تلك الانتخابات . وقد عبرت الحكومة السودانية على لسان الدكتور نافع على نافع نائب رئيس المؤتمر الوطنى للشئون الحزبية حينها عن تقديرها للموقف الامريكى المساند لقيام الانتخابات العامة فى السودان فى موعدها المحدد بالحادى عشر من ابريل 2010م . فيما رأى ممثل الأمين العام للامم المتحدة بالسودان ، ان اجراء تلك الانتخابات فى السودان ، يمثل الجزء الأهم من اتفاق السلام الشامل ، الموقع بين شمال وجنوب السودان مضيفا " ان الانتخابات القادمة لها وظيفتان غير منفصلتان ، فهي عنصر مهم وأساسى في تنفيذ اتفاق السلام الشامل، كما انها مدخل للديمقراطية في السودان ، وشدد منقريوس على ان الأممالمتحدة ليس لها دور في مراقبة الانتخابات فى السودان ، على أن تفويض بعثة الأممالمتحدة في السودان ، ينطوي على تقديم المساعدة والمشورة للحكومة والمفوضية القومية للانتخابات ، وتشجيع جميع الأطراف الأخرى المعنية على معالجة المسائل التي قد تعرِض مصداقيتهم للخطر . ومن ضمن اهم الاحداث التى رافقت تلك الانتخابات الاتهامات التى وجهها حزب الامة (الاصلاح والتجديد) بزعامة مبارك الفاضل المهدي لبعثة الاممالمتحدة في السودان بمنح عقود لمفوضية الانتخابات من اجل طباعة بطاقات الاقتراع داخل السودان ، فى وقت تطالب الاحزاب السياسية بطباعة بطاقات الاقتراع الخاصة بالعملية الانتخابية خارج السودان، مبررة ذلك ب"عدم التزوير". وردت البعثة بنفى الاتهام جملة وتفصيلا واعتبرت فى بيان ان "هذه الاتهامات لا اساس لها من الصحة". واوضح البيان الاممى "ان المفوضية القومية للانتخابات السودانية اتخذت قرار طباعة بطاقة الاقتراع للمناصب التنفيذية التي تشمل (انتخابات رئاسة الجمهورية والولاة) داخل السودان بمبادرة فردية منها، ومن ثم قامت بابلاغ برنامج الاممالمتحدة الانمائي، وبعثة الاممالمتحدة في السودان بذلك".مشيرا الى ان مسؤول شؤون الانتخابات بالبعثة الاممية ابلغ المفوضية بأنه يجب أن تضمن الترتيبات التي اتخذتها لطباعة هذه البطاقة، واتاحة الفرصة للمراقبين المستقلين (غير المنتمين للأحزاب السياسية السودانية) للتأكد من عملية المراقبة عند الطباعة". وفى ردة فعل على تقرير كان قد اصدره مركز كارتر الذى أصدر تقريرا يطالب بتأجيل الانتخابات السابقة هدد الرئيس البشير بطرد أى جهة تحاول عرقلة العملية الانتخابية . وكان المركز قد علل طلبه بما أسماه ( تأخيرات في التجهيز والإعداد للانتخابات مع غياب مئات الآلاف من الأسماء عن قوائم الناخبين" ، وقال إن استعدادات المفوضية القومية للانتخابات متأخرة ) فيما اعرب المبعوث الروسي الخاص للسودان حينها ميخائيل مارجيلوف روسيا تأمل في اجراء انتخابات حرة ونزيهة في السودان واكد مشاركة بلاده فى عملية المراقبة . فيما اتت مساهمة جامعة الدول العربية متمثلة فى ابتعاث وفد من 50 مراقبا برئاسة مبعوثها لدى الخرطوم السفير صلاح حليمة. وقد شملت قائمة المرشحين لتبؤ منصب الرئيس فى انتخابات 2010م وفقا للقوائم التى تم اعلانها قبل اقل من شهر من انطلاقة العملية السادة المشير عمر البشير عن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم ، ياسر سعيد عرمان عن الحركة الشعبية لتحرير السودان ، الصادق المهدى عن حزب الأمة القومى ، عبد الله دينق نيال عن المؤتمر الشعبى المعارض ، فاطمة عبدالمحمود عن الحزب الاشتراكى ، حاتم السر عن الحزب الاتحادى الديمقراطى ، محمد ابراهيم نقد عن الحزب الشيوعى السودانى ، مبارك الفاضل عن حزب الأمة "الاصلاح والتجديد" ، عبد العزيز خالد عن حزب التحالف الوطنى السودانى ، منير شيخ الدين عن الحزب القومى الديمقراطى الجديد ، كامل ادريس ، مرشح مستقل ، ومحمود احمد جحا ، مرشح مستقل. وكانت التوقعات حينها قد اكتدت تمتع الرئيس عمر البشير بفرصة كبيرة لاكتساح الانتخابات ،تلك الانتخابات ما لم تحدث مفاجآت. واما الان فذات الاجواء تقريبا بين يدى انتخابات ابريل 2015م تعيدها القوى المعارضة التى اطلقت حملة لمقاطعة هذه الانتخابات بعنوان "إرحل" حيث أعلنت هذه القوى تدشين حملتها عبر الاعلان عن عزمها إجراء عملية تصويت موازية للانتخابات المعلنة ، عن طريق بطاقة اقتراع تحمل رمز "إرحل"؛ في إشارة لنظام الحكم ،ثم عادت ورجعت عن حديثها لعدم معرفتها لتلك القوى التى ستشارك فى الحملة الموازية تلك وسبقت الامر بتعلّيق مشاركتها فى الحوار الوطنى المطروح وربطت العودة لطاولته بإطلاق المعتقلين . غير أن المؤتمر الوطنى ، قلل من خطوة المعارضة، وعدّها عملية "غير ديمقراطية" لأحزاب تَدّعي "الديمقراطية".وقال المتحدث الرسمي، امين الاعلام ، ياسر يوسف، إن "حزبه يرحب بحملة المقاطعة التي أعلنتها المعارضة، باعتبارها ستشكل دفعة قوية للانتخابات المقبلة. وأضاف: "نحن نرحب بأي عمل سلمي وديمقراطي بما فيه ابتداع تصويت موازٍ ضد الانتخابات"، موضحاً "ليعرف الناس الأحجام الحقيقية ومن هو أقل وأضعف عدداً"، لكنه اعتبر الخطوة "غير ديمقراطية". وقال إن "المقاطعة ليست بالعمل الديمقراطي لأحزاب ظلت تنادي بالديمقراطية وتحاكمنا بها، كما أن الوسيلة التي تقوم بها الحكومات وتؤسس عليها الممارسة السلمية هي الانتخابات" . الا ان انطلاقة حملة المقاطعة جاءت فيما يبدو مخيبة للامال حيث اشارت اكثر الوسائط انحيازا للمعارضة صحيفة (حريات) الالكترونية التى قدمت تغطية تفصيلية للندوة اشارت الى إنه تم جمع أكثر من ألف توقيع من الحضور، ( بالرغم من أن البعض كان يبحث عن أوراق التوقيع في نهاية الندوة بدون أن يجدها ) فهذا الالف ونيف الموقع على هذه الرسالة الموجهة الى السيد الرئيس ، مطالبة اياه بان ارحل انت وحزبك ) وهدد الالف بانهم لن يصوتوا للبشير فى الانتخابات القادمة لانها ( ما بتهمنا في حاجة) وقد قام هذه الكم الضعيف المقابل لملايين التى ذهبت طوعا للتسجيل لضمان حقها فى الممارسة الديموقراطية ، وافرغت الانتخابات من محتواها بحديثهم باسم الشعب الذى وصفوه بالعظيم مطالبين دون عناء برحيل الرئبس البشير بدعوى انهم يريدون رئيسا يشبههم . س ص