حتى هذه اللحظة لم نجد (كلنا) إجابة محددة للسؤال أعلاه.. تضيع الإجابة ربما وتتوه بين طيات الجهات والمؤسسات المتعددة التي تتولى ملف هذه الشريحة من خلق الله الذين ماتوا في سفر جماعي داخل عاصمة البلاد المثلثة.. لم نستشعر بعد أو هكذا يبدو لي الأمر خطورة وفداحة ما حدث.. علينا ألاَّ ننسى أن الذين ماتوا (بالسلس المعدل) نفر من (البشر) وليسوا قطيعاً من البغال، نسأل الله ألا يسألنا يوم العرض الأكبر لم لم نسوِ لهم الطريق.. والطريق في مقاصده العليا يتجاوز (الزلط المحفر أو المحاط بخيران لم تكتمل بسبب نقص تمويل الحفر وإزالة مخلفات الخريف الماضي).. والذين ماتوا تجاوز عددهم حتى يوم أمس السبعين يتفاوتون في أعمارهم ويشتركون في تعريف موحد (شريحة المشردين).. في دراسة علمية رصينة صدرت عن جامعة الجزيرة أورد الباحث تعريفاً طريفاً (للشماشي) حيث قال إنه شخص له مقدرة التحايل على الظروف والمجتمع لضمان البقاء.. وأنه شخص لا مأوى له، ولذلك يستظل بالشمس.. ومن هنا جاءت التسمية التي سارت بها أحاديث المدينة وتعريف الناس.. وفي ذات الدراسة ملخص لتعريف المشردين بحسب قانون 1983 للأحداث، حيث يعرف المشرد بأنه الذي لم يتجاوز عمره ثمانية عشرة عاماً، بلامأوى وغير قادر على تحديد مكان سكنه، غير قادر على إرشاد الشرطة الى من يتولى أمره، لا يستطيع إعطاء معلومات عن نفسه.. لا يمارس عملاً يعيشه.. ويكون مارقاً عن سلطة أبويه.. وبحسب هذا التعريف القانوني يقفز سؤال موضوعي على ظلال الموت الجماعي للمشردين: كم عدد الذين ينطبق عليهم التعريف في قائمة الذين ماتوا قبل أيام ولا تزال مجموعة منهم تحت تأثير المخدر ومتابعة العلاج؟!!. وسؤال عن الرقم الحقيقي أو قل المعقول في سجلات المؤسسات التي ترعى وتقوم على متابعة شأن هؤلاء الناس، ممن ابتلاهم الله بالتشرد وحرمه من نعمة الاستقرار في أسرة تحميهم من هجير الشمس وعاديات الأيام ؟!! ربما تضاعف العدد الآن بطرف الأخت العزيزة قمر هباني مسؤولة المركز القومي لرعاية الأمومة والطفولة، والذي أعلن عن أعداد المشردين في احصائية عام 1986، حيث بلغت سنتها 6000 مشرد تشريداً كلياً و28000 مشرد تشريداً جزئياً.. وحذر التقرير الصادر في تلك السنة من تزايد أعداد المشردين لما تحمله من مخاطر على المجتمع، فهم طاقة هدامة ويشكلون من بعد ضغطاً أمنياً على الدولة ويشكلون مصدر خطر يتنامى ويتضاعف من وقت لآخر.. ولا أعرف هل تعاني الأخت أمل والعاملون معها في خدمة المشردين من تعدد المؤسسات والجمعيات التي تعمل في هذا المجال، وهي ظاهرة تتكرر في أكثر من موقع حيث تتعدد نوافذ تقديم الخدمة والرسمية أو الطوعية للشرائح الضعيفة والتي تحتاج عناية ورعاية خاصة لا تبلغ مراميها بسبب تباين وتنافس و(حسد) العاملين في مجال واحد!!.. الدراسة التي أعدتها جامعة الجزيرة حذرت من تعدد نوافذ تقديم الخدمة للمشردين ومحاولة البحث عن حلول آنية ومستقبلية لمشاكلهم.. وطالبت الدراسة المشار اليها بأعداد مراكز المعلومات والبيانات الدقيقة والحديثة عن ظاهرة التشرد، وإعداد برامج متكاملة لهم، كما شددت على ضرورة تكوين آلية موحدة تشرف وتتابع مشاكلهم، لأن تعدد الجهات يشتت الجهود ويؤثر سلباً على المعالجات المطروحة للخروج من دائرة الخطر! شهدت الآونة الأخيرة جرائم نوعية في مجتمعنا السوداني.. وكشفت تحريات ومتابعات الجهات الأمنية المعلنة والمسكوت عنها عن تطور مذهل في طرق ووسائل ارتكاب جرائم دخيلة على مجتمعنا، أخذت بشاعتها وغرابتها من مجتمع الجريمة العابر للقارات.. ولأن الأجهزة الأمنية المختصة تعرف كيفية التقاط خيط وإشارات الأيدي التي تقف خلف جريمة السلس المعدل, لأنها تعرف هذا وزيادة، فلن يفوت عليها مراجعة تفاصيل الجرائم المماثلة في عدد من دول امريكا اللاتينية، حيث تم التخلص من مجموعات المشردين في تلك الدول عبر نشاط منظم لعصابات قبضت الأجر من خلف ستار، واتضح لاحقاً أن القاتل الحقيقي يقف بعيداً في ركن قصي، يرقب الموت الجماعي في سادية مطلقة.. نبحث عن إجابة عاجلة لسؤالنا اعلاه .. الكتلم منو؟!!