أسابيع قليلة ويطل علينا الشهر البهي الكريم.. شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للنّاس وبينات من الهدى والفرقان، وقد أخذت بيوتنا ومؤسساتنا ومنظماتنا تستعد لاستقبال هذا الشهر الكريم كلٌ بطريقته وفهمه وسعيه لأن يكون من أهل الطاعات الذين يرجون المغفرة ويعملون على أن يكفّر الله سيئاتهم، وقد جاء في صحيح مسلم أنّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». رمضان شهر كريم فيه طقوس تعبّدية تختلف عما هي في سواه، وفيه أجواء روحية خاصة، لكننا -وللأسف الشديد- حولناه إلى طقس اجتماعي وثقافي مختلف، فأصبح يعني بالنسبة للكثيرين خاصة الشباب من الجنسين، ذلك التنافس الحاد بين الفضائيات ويعني الكم الهائل من المسلسلات والبرامج المنوعة مع قليل من برامج التوعية والترويح المتّصلة بالدين والعبادة. ليس رمضان وحده، فقد تحوّل الاحتفال بمولد سيد البرية الى مظاهرة ألوان وسُكًّر تملأ أرفف محلات بيع «حلاوة المولد» والشوارع والطرقات.. وكثير من أعيادنا أخذت شكلاً اجتماعياً أكثر من كونها مناسبة دينية، ولسنا ضد المظاهر الاحتفالية بالمناسبات الدينية لأن ذلك مطلوب وفيه تذكرة لأولي الألباب.. لكننا نأمل أن تتقدم القيم على المظاهر بحيث يصبح السلوك الديني المنشود هو الهدف الأسمى بعيداً عن الظواهر الطارئة التي تطل برأسها في كل عام.. وكل مناسبة. هل فكرت اللجان الشعبية في أحيائنا السكنية المنتشرة والممتدة بطول وعرض الوطن في أن تنتظم ساحاتها في (أرباعها) المختلفة موائد رحمن وإفطارات جماعية، تجمع في المقام الأول أهل الحي وتزيد ترابطهم وتواثقهم، ثم تكون فرصة لاصطياد الحسنات وكسب الأجر بأن تكون تلك الساحات قبلة للغاشين والماشين طوال ثلاثين يوماً خلال الشهر الكريم..!؟ اللجان الشعبية هي حكومات الأحياء، ويمكنها أن تبتكر من الوسائل ما يجذب أهل الحي نحو عمل الخير، وهي فرصة لمناقشة القضايا التي تهم المجتمعات الصغيرة داخل الأحياء.. ويمكنها أن تنظم برامج ثقافية وترفيهية وترويحية للرجال والنساء والشباب والأطفال تكون في شكل محاضرات أو ندوات أو ليالٍ للإنشاد الديني بعد صلاة التراويح مثلاً. أتمنى أن تتبنى وزارة الإرشاد والأوقاف الاتحادية والوزارات المختصة في الولايات برامج جديدة ومبتكرة تخرج بنا من دروب التقليد إلى ساحات التجديد، ولا نحسب أن الأمر يحتاج الى كثير مال أو كبير عناء. ونسأل الله ببركة هذا اليوم الكريم أن يجعل صيامنا في رمضان صيام الصائمين، وقيامنا فيه قيام القائمين وأن ينبهنا فيه عن نومة الغافلين وأن يعفو عنّا وأن يجعلنا من عباده الشاكرين والغانمين في يوم الدين.. آمين.. و.. جمعة مباركة.