الحركة الإسلامية السودانية مالها وما عليها، المتتبع لمسيرتها خلال السنوات الماضية يلاحظ إنجازاتها.. كما لها إخفاقاتها كغيرها من الحركات الأخرى في العالم.. خاصة التي تحمل الأيدلوجية المرتبطة بالدين.. على رأس أولوياتها كانت إقامة شرع الله على الأرض، وإحقاق قيمه في جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وبعين متفائلة أقرب للإنصاف، بذلت الحركة الإسلامية مجهوداً مقدراً في رسالتها السياسية إصلاحاً لنظام الحكم، والعمل على تعزيز هوية الأمة السودانية، وترسيخ الثوابت الوطنية.. إن بالمقابل قد يرفض كثيرون من أتباع الحركة الإسلامية على الأقل ما ذهب إليه غيرهم بأن الحركة حققت مكاسب سياسية، بيد أن الإخفاق الأكبر كان عدم تمكنها من الحفاظ على وحدة البلاد..!! واقع جديد تصفه الحركة الإسلامية أن ما حدث كان في إطار إقرار الحرية للجنوبيين، وقفاً للحرب والعيش طوعاً في إطار الوحدة، أو البحث عن السلام في حالة الانفصال كذلك أمر الانفصال برأي المحلليين للقضية السوداني،ة لم يعمل على الحفاظ على الأمن والسلام.. مساجلات المفاوضات والمباحثات لم تتوقف بين الطرفين في إطار دبلوماسية النفس الطويل، التي تتبعها الخرطوم، والتهور أو التحجر السياسي لجوبا التي ما تزال في امتحان السنة الأولى لتأسيس الدولة المدينة. إذن هي تحديات سياسية ما تزال الحركة الإسلامية تواجهها في سبيل تحقيق الأهداف التي رسمتها.. منها موقفها من قضية الدستور الإسلامي وارتباطه بمواقف الحركة الداعمة لوحدة الصف الإسلامي، كما وضعت الحركة منذ فترة طويلة مؤشرات ومحددات للاسهام في مواجهة «أزمة الحكم في السودان»، وفي إطار مساعيها لتحقيق الاستقرار السياسي، كما رفعت الحركة الإسلامية السودانية منذ فجر الاستقلال شعار القرآن دستور الأمة وفي عام 1964م نادت الحركة إلى إعداد دستور إسلامي عقب إنشائها لكيان جبهة الميثاق الإسلامي، الشيوعيون واليساريون كانوا له بالمرصاد عقب انقلاب مايو 1969م. عقب المصالحة الوطنية في عام 1977م عملت الحركة الإسلامية على دعم التشريعات الإسلامية التي أعلنها الرئيس نميري، ودافعت عنها وواجهت الأصوات التي كانت تطالب بالغائها بعد انتفاضة أبريل عام 1985م، ولم تكتفِ الحركة بهذه الخطوات، بل ذهبت أبعد من ذلك في خلق تحالفات مع جماعات إسلامية وأهل الطرق الصوفية، وكونت خلال فترات متفرقة جبهة إسلامية عريضة مثل الجبهة الإسلامية للدستور 1955 -1958م.. وجبهة الميثاق الإسلامي 1964 -1969 الجبهة الإسلامية القومية 1984 -1989م رأي سائد في أوساط منتسبي الحركة الإسلامية بأن الحركة استطاعت أن تحقق نجاحاً في تكوين جبهات عريضة تحوي كل ألوان الطيف السياسي الإسلامي، ووجهت بهم بقوة نحو الحياة الاجتماعية السياسية الاقتصادية، ووحدت صفوفها في مواجهة العداء الخارجي.. بيد أن أزمة الحكم هي التي قصفت بديمومة مسيرة الحركة الإسلامية منذ عام 1955م ضعف التنمية وعدم الاستقرار السياسي وبروز نزاعات متفرقة كان وراء عدم الاستقرار الذي كانت تنشده الحركة الإسلامية.. كثيرة هي عوامل أزمة الحكم على رأسها تباين الأعراق والثقافات والصراعات التقليدية بيبن القبائل، وجود طوائف دينية متعددة، نشوء أحزاب سياسية على خلفيات جهوية طائفية تدني مستوى الوعي بمفهوم الوطنية، وجود هذه الأسباب قلل من تدارك أهمية الإعتراف بالآخر، وتدني الإستعداد النفسي في التعايش السلمي.. كل هذه القضايا دفعت الحركة الإسلامية بمسمياتها المختلفة وتطورها السياسي للبحث عن صيغة مطلوبة للخروج من أزمة الحكم دون تدخلات خارجية، تفضي إلى المزيد من التورط في زعزعة الاستقرار.. لم تجد الحركة طريقاً أفضل من سلك طريق قبول مبدأ التعايش بين مكونات المجتمع الواحد وقبول قاعدة تداول السلطة والإجماع على آلية تداول السلطة من جماعة إلى أخرى. تستعد الحركة الإسلامية خلال الفترة المقبلة لعقد مؤتمرها العام، تستصحب معها الكثير من التحديات تستشرف مستقبلاً واعداً يتحقق فيه المزيد من الاستقرار دفعاً لمسيرتها ومسايرة مع واقعها الجديد في ظل واقع وظروف ملحة. أبرز القضايا الموضوعة هي تحديد دستور يؤمن على هوية الأمة السودانية ويعمل وفق رؤية استراتيجية تقود إلى تطبيع العلاقات مع الجارة- دولة جنوب السودان- بحثاً عن مزيد من التعاون الأمثل لشعبي البلدين، إلى جانب قضايا أخرى موضوعة على طاولة قادة الحركة الإسلامية السودانية.