لا تدخل من هذا الباب رجاءاً.. فقد أوصدتُ المدخل رقم واحد أمام العبور بعد أن انهارت الجسور التي تولج إلى الأعماق القصية بسيول الفيضانات الإنسانية العابثة المزمجرة بالأزرار ومضابط التأمين.. دعني أغلق عليك خط سيرك المعتاد الذي إما أوصلك إلى محطة المنتهى أو تركك في عراء الانتظار المر.. أرجوك لا تدخل لأنني أغلقت المدخل بباب واهن من جهة الخارج، ولكنه مسند ومدعم بشعاب الأعمدة من الداخل من جهة أغواري القصية.. فلا تحاول الطرق أو الاقتراب، قف مكانك.. ما أصعب أن تمارس سادية قطع الدخول على من كانوا أهل الداخل.. من حفروا البئر وغرسوا الدوحة إلا أن الأيام أبت إلا أن تتركهم على الاعتاب يستجدون الدخول أو الهجوم وكسر المقابض.. وهنا تتلبسك بلا شك حالة من التململ القاسي.. فالأرض التي عرفتها من قبل صارت بوراً إلا من (تريعات) تركها الانخفاض الزائد مجمعاً لعصب الحياة وأنها إلى نفاد.. فلا تكن ذلك المغوار الذي فجر طاقة التراب اخضراراً بعد يباس.. فقد سئمت أن يرتبط هذا الدور بمجمل فكرك التقليدي ذي الاتجاه الواحد الآمر.. كأنما ينتهي حيث تبدأ خطواتك بعد أن تخطو أولى خطواتك بعد الاعتاب.. لذا لزم عليَّ أن أوقفك في حد الاستواء عندما تساوت عندي مشاعر قربك وابتعادك ولك أن تعيد قراءة اللافتة «منطقة حذر.. رجاءاً لا تقترب أكثر.. هناك أبواب أخرى يمكنك العبور عليها لتفادي الدخول إلى اللب..». عودة الوسادة.. بكى الصغير وهو «يجذب» طرف ثوب أمه التي في لحظة غضب نفضت عنها كل عهود الاحترام لمن يقف أمامها.. فقد ضبطته متلبساً في حالة من حالات «من غير مخدته غير مودته ومحبته» ولكنه لا يفقه ماسر انتفاض أمه على أبيه لذلك يود أن تظل في بيتهم تطبطب على أحزانهم وصدورهم الممتلئة ومعتملة بالكثير من الحاجة الماسة للحنان والعطف.. ولكن ماذا يدور بين (الحاجة والحاج) الشيء الذي يفوق احتمال فهم الصغير الذي لا يعرف غير أنه لابد من وجود الطرفين معاً.. ولكن هذه المرة «غير».. كلما جذب ثوبها أزاحته عنها كأنه لم يخرج من بواطنها المكينة.. وكلما اقترب منها ركلته بعيداً كأنها تنتقم في هذا الصغير ما جناه أبوه.. وانفكت بجلدها من الموقف ليبدأ هو في برنامج (الجودية) التي تجوب الطريق ما بين داره وبيت نسابته، رغم امتناعها عن ذكر سبب خروجها من بيتها الذي لم تتمتع بعد برؤيته مزداناً بالستائر والملايات الجديدة.. فتتلاقى جماعات الجودية والتصالح ولا تصل لشيء لامتناعها الخضوع لرأي الجماعة.. إلى أن جلبوه إليها صاغراً، لأنهم يعرفون أن امتناعها عن ذكر السبب يعني (أن في الأمر إنة) مع إصراره على إرجاعها دون تفسير.. جلبوه يجرجر الصغير بعد أن بدا للجميع أنه ناحل وأصفر من يوم أن تركته أمه.. جرى «الشافع» نحو أمه بكل فرح البراءة في لهفة أزالت عنها غبن ماجنى أبوه.. «يا ولدي تعال.. كان ما أنت والله ما أرجع لكن.. ياكا قيد الهوان..» انفض موسم (الأجواد) بعودة (المدام) المشروطة.. مشروطة لأنها امتلكت بموقفه المضبوط مفاتح التشرط والتفاوض.. أصبح شخصاً سهل التسامح معها بعد أن كان يفتتح صباحاته معها بمحاضرة في الدين والدنيا ويختمها بمواعظ الذكر والتدبر وكيفية أن تكون المرأة صالحة لزوجها.. ولكنه بعد ما جرى لم يعد عندها سوى ذلك المطيع المنكسر المنهزم.. فصارت تتلذذ بالتسلسل في الطلبات التي لا شك مجابة وإلا اجترت له قصة تغيير الوسادة.. لا.. لا بل تغيير المخدة. آخرالكلام..لا تقتربوا من الأبواب الموصودة بعد أن كانت مشرعة لكم، لأن ذلك يعني أن قفلها كان بسبب ضاغط.. وعذراً لا تجعلوهم يملون عليكم اشتراطاتهم.