بقلم الأب الدكتور/ القمص فيلوثاوس فرج أسرة بولس: تعد أسرة بولس الرسول بكنيسة أم درمان، موقعاً روحانياً مباركاً، ويجتمع شباب وشابات الأسرة يتدارسون الكتاب المقدس وعلم اللاهوت بأنواعه وتاريخ الكنيسة، وعند الأسرة رغبة قوية في التعرف على تاريخ الكنيسة القبطية في السودان، ويتتبعون تاريخ أقباط السودان والذين لهم ميزة سودانوية خالصة، ويعد تفوق قبيلة أقباط السودان تفوقاً سودانوياً خالصاً، فالسودان كله قبائل متنوعة، ولكل قبيلة خصوصيتها، ولكن الوطن فوق الكل، وكل أصالة وتقدم وتفوق، إنما يصب في مصب الوطن العظيم. ولقد كانت هناك أكثر من فرصة لقاء مع الأب الدكتور القمص فيلوثاوس فرج، حول تاريخ أقباط السودان، وهم في السودان منذ أن كان السودان هو مملكة مروي، وهو الممالك المسيحية الثلاث، منذ القائد السوداني بعنجي الذي وحد مصر مع السودان وهو كسوداني أسس المملكة المتحدة مصر والسودان، وأول من نادى بالمملكة المتحدة قبل أن تكون بريطانيا مملكة متحدة، وهو مؤسس الأسرة الخامسة والعشرين، وهي أسرة من بلاد النوبة حكمت مصر، ورحب المصريون بها ترحيباً كبيراً، وكان القائد الملك بعنجي على أرقى مستوى من الدبلوماسية، وعندما خرج من أسوان قاصداً الفسطاط مصر، رحبت به كل بلاد مصر لأنه كان يحترم مصر ويقدس آلهتها ويعتز بكرامة المواطن المصري، مواطن وادي النيل . وفي ذات مرة كان لقاء أسرة بولس الرسول مع الأب الدكتور فيلوثاوس فرج في حديث حول رجل سوداني عظيم من أقباط السودان، عاش مع الأقباط خلال أيام الثورة المهدية، بينما غادر كثيرون السودان بأمر الحاكم الإنجليزي غوردون نظراً لصعوبة الأحداث، وللظروف الصعبة التي مر بها السودان، وسافر الأنبا مكاريوس أسقف السودان الذي رسمه البابا بطرس الجاولي، وسافر باقي الآباء الكهنة الأقباط إلى مصر، وبقي كاهن واحد هو القمص فلتاؤوس قلادة، هو الذي استمر خلال المهدية، وكان وقت اشتعال الثورة طرق باب بيته عدد كبير من دراويش المهدية، وخرج إثنان من أولاده هم حنا وجرجس وكانا يانعان لكي يفتحا الباب، وبسرعة شديدة قام الدراويش بتصفيتهما جسدياً بالكوكاب، ولم يكن لديهم أمر بهذا، ولكن هي نار الثورات التي تحرق الأخضر واليابس عندما تشتعل، ولكن تشرف القمص فلتاؤوس بأن صار أبو الشهيدين، وهو أيضاً مؤسس حي المسالمة. بعد هذا جاء القمص فلتاؤوس قلادة مع بناته وهن أثنتان هيلانة وست الكل، واشترى الأب من حر ماله أرضاً في حي المسالمة، وبنى كنيسة العذارء مريم ، وبيتا لمعيشة أسرته، ويعد هذا الأب أول مؤسس لحي المسالمة العريق الجميل، موقع التوادد وأرض التعايش ودائرة المحبة، وقد أقام هذا الأب أول زواج جماعي لأبناء وبنات الأقباط، وكان البنات أكثر فأعطى الأب لكل بيت زوجية جديد بعض البنات كأمانة فقط حتى لا يتعرضن لزواج قسري لا يرغبن فيه، وقد دفن الأب عام 1913م، وشاءت إرادة الله أن يتحمس شباب أسرة بولس الرسول في أم درمان للقيام بنقل جثمانه من المقابر العامة للمسيحيين إلى مقبرة الأنبا أسطفانيوس والآباء الكهنة في كنيسة مارمينا، وكان يوم 31/1/2014م بعد مضي مائة عام على وفاة الأب قلادة يوماً مشهوداً، حيث تم إخراج الجثمان من المقبرة ودفن في الكنيسة، وكانت مشاعر الترحيب بالأمر تملأ قلوب كل أبناء كنيسة أقباط السودان، وقد أعجبني جداً اهتمام لجنة كنيسة مارمينا بأم درمان وسعيهم الدؤوب في إخراج أجمل الإحتفالات في حضور نيافة الأنبا صرابامون، ونيافة الأنبا إيليا، والسيد فيلب عبد المسيح المعتمد بولاية الخرطوم نائباً عن والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر الذي كان باهتمام من موقعه يتابع الإحتفال، وقد كانت حركة أعضاء لجنة الكنيسة بكل من فيهم بدءاً بالسيد تلميذ عازر، والسيد هلال صبحي الديب، والسيد نبيل جرجس، والسيد مايكل دانيال، والسيد وليم تواضروس، والسيد نسيم بسخيرون وغيرهم، وقد وفقت لجنة الكنيسة في تجهيز هدايا تذكارية قدمت إلى أعضاء لجنة تأسيس الكنيسة، وقد أخذوا الأسماء من مذكرة بخط نيافة الأنبا أسطفانوس، ومن بين هؤلاء السادة جورج إسحاق الناظر، بوندي مرقس، موريس بساده، مبارك أيوب، ميلاد يسي، هارفي يوساب، عبد مريم جورجي، زكريا نصحي، باخوم توما، وقد كان المهندس صلاح سليمان قد جهز مجسماً جميلاً لكنيسة مارمينا. كلمة الأسرة: إن الأب فلتاؤوس قلادة عاصر ثلاث حقب في تاريخ السودان، فقد عاصر التركية والمهدية والحكم الثنائي، ولدينا صورة له وهو يلبس العراقي السوداني، ولا نعرف متى ولد ولكن ربما عاش ثمانين عاماً فأكثر انتهت في عام 1913م . وقد قدم الشماس أيمن فيكتور أمين أسرة بولس الرسول بأم درمان كلمة قال فيها :- سيدي الحبيب، نيافة الحبر الجليل الأنبا صرابامون، سيدي الحبيب نيافة الأنبا إيليا، آبائي الكهنة الأجلاء، شمامسة وخدام، أخواننا وأخواتنا الحضورمساء الخير ونحن نجتمع من أجل مناسبتين جليلتين بل أقول أمام عيدين: الأول : العيد الخامس والعشرون لتدشين كنيسة مارمينا بأم درمان . والثاني: عيد فريد من نوعه، ألا وهو التبارك برفات القمص فلتاؤوس قلادة، لذلك وقبل أن نبدأ دعوانا أولاً أن نتبارك بكلمات من وحي الروح القدس بكتابه المقدس، فعن مناسبة تدشين الكنيسة: نقول ما سجله القديس بولس الرسول برسالته الأولى لأهل كورنثوس الذي قال «أطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا» (كورنثوس الأولى 14: 12)، وعن أبونا فلتاؤوس الذي عاش بيننا أكثر من قرن، نقول ما سجله الرسول بولس أيضاً برسالة العبرانيين:«لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا» (عبرانين 12:1)، فالقديس بولس يحثنا على الصلاة من أجل بنيان الكنيسة لكي نزداد، ونقول اليوم عن رفاة القمص فلتاؤوس، وقد أسعدنا أن ينضم قديس جديد ضمن سحابة الشهود المحيطة بنا. لذلك نجد العيدين امتزجا معاً، ليصيرا عيداً واحداً، ونجتمع اليوم من أجل العيد الواحد، ونحن كأسرة القديس بولس الرسول، لا ننكر فضل سيدنا وراعينا نيافة الحبر الجليل الأنبا صرابامون، الذي شجعنا كثيراً لإحياء ذلك اليوم المجيد، كما لا ننكر فضل أبونا القمص فيلوثاوس فرج، مؤرخ التاريخ المسيحي بالسودان، والذي جاءنا قبل أربعة أشهر بإجتماع الأسرة وأخبرنا عن سيرة القمص فلتاؤوس، وعن خدمته الجبارة، وشجاعته البطولية، وهكذا شوّقنا على أن ننقب ونبحث عن هذا البطل المسيحي، بالفعل اليوم وفقنا الله لكي نتبارك بجسده الطاهر، وسيرته العطرة التي مع عيد تدشين الكنيسة الخامس والعشرين، لذلك منا كل شكر للقمص فيلوثاوس، كما نشكر أيضاً، خدام كنيسة مارمينا، أولئك الذين شجعونا، لإحياء هذا اليوم وفتحوا لنا الكنيسة. ولا يفوتني أن أشكر كل من ساهم معنا فى إحياء ذلك اليوم الذي انتظرناه أشهرا، وأشكر كذلك كل الحاضرين، والذين قدموا إلينا ليشاركوا معنا إحياء هذا الحفل المجيد. وأخيراً أختم كلمتي بمزمور( 133: 1-3 ): هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معاً مثل الدهن الطيب على الرأس النازل على اللحية لحية هرون النازل إلى طرف ثيابه مثل الندى حرمون النازل على جبل صهيون. لأن هناك أمر الرب حياة إلى الأبد أمين هللويا.