إذا كانت أقدار العباد مكتوبة في اللوح المحفوظ عند رب العباد من قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء.. فهل في استطاعة الدعاء إلى الله عز وجل أن يغير تلك الأقدار؟.. وهل العين تسبق الأجل وتستطيع أن تغير القدر؟.. وهل الإنسان مسيّر أم مخيّر في اختياره لأقداره.. تلك الأسئلة تشغل تفكيري كثيراً يا قارئي العزيز وتجدني في بحث دؤوب عن إجابات مقنعة لها.. فمن خلال قراءتي لأحد الكتب التي تتحدث عن الإيمان بالقدر استوقفتني جزئية تتحدث عن أن الدعاء لا يغير القدر.. فالقدر نافذ وقدر الله لا يرده شيء.. يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير»، ويقول سبحانه «إنا كل شيء خلقناه بقدر».. إذن فلماذا نحن مأمورون بالدعاء إذا كانت الأقدار نافذة لا تتغير.. ولماذا نحن مطالبون بالاستغفار «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً».. وتلك الآية في كتاب الله عز وجل تدل على أن الاستغفار يغير من الأقدار من سعة الرزق وزيادة الأولاد وتلك من الثوابت الموجودة في اللوح المحفوظ. جادلت أحد شيوخ الطرق الصوفية في تلك الجزئية فأجابني بأن الدعاء يغير القدر وأن العين تسبق الأجل وتعجل بالموت وأن البلاء والدعاء يتصارعان في السماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لم أقتنع بتلك الإجابة وواصلت البحث فوجدث جزئية تتحدث عن الدعاء والقدر تقول إن من أصول الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره، فالقدر ماضٍ ولا يغيره شيء لكنه قد يكون قدراً محتوماً غير معلق على سبب يفعله العبد أو يتركه وقد يكون معلقاً على أسباب، فالمعلق على الأسباب يزول عند عدم وجود السبب الذي علقه الله عليه، قد يكون معلقاً مثلاً أن يشفى فلان إذا دعا له فلان أو عالجه الطبيب فلان ويكون شفاؤه في هذا الدعاء، ولهذا نحن مأمورون بالدعاء لأن الله عز وجل قد يكون علق شفاءك على دعائك أو دعاء فلان لك وهكذا طلب الرزق بالتجارة والبيع والشراء شرع الله لك ذلك لأنه سبحانه قد علق رزقك وحاجاتك بهذه الأسباب التي أمرك بها وشرعها لك سبحانه وتعالى، فأنت مأمور بالأسباب والله مقدر الأمور جلا وعلا، فإذا فعلت السبب الذي علق الله عليه رزقك أو شفاءك حصل المطلوب، فقد يكون رب العباد قد قدر لك أنك إذا دعوت بهذه الدعوات في آخر الليل أو في صلاتك أنك تشفى من مرضك أو تجد زوجاً صالحاً أو يجعل لك ذرية طيبة أو رزقاً واسعاً وأنت في أسبابك لا تخرج عن قدر الله، قال بعض الناس يا رسول الله إن لنا رقي نسترقي بها ودواء نتداوى به، فهل هذا من قدر الله؟.. قال: هي من قدر الله. وعليه فلا يجوز أن نمتنع عن الدعاء بدعوى أن الأقدار مكتوبة، وإذا لم تقدر الإجابة للدعاء فإن الله إما أن يدخرها لصاحبها يوم القيامة وإما أن يصرف عن صاحبها من السوء مثله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها»، ولإجابة الدعاء شروط منها الإخلاص لله وأن يكون الداعي طيب المطعم والملبس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذيّ بالحرام فأنى يستجاب له»، ولكن ما زال هنالك سؤال قائماً ولم أجد له إجابة شافية.. هل العين تعجل بالأجل؟