من قبل تعرض الأستاذ مصطفى أبو العزائم لإعتداء من القاضي المكاشفي طه الكباشي قاضي محاكم العدالة الناجزة الشهير، حين رأى (القاضي) أن يأخذ حقه بيده، فهذه حالة لا تنتظر الإجراءات القانونية المطولة ما دام هذا الصحفي قد تطاول على من يطبق شرع الله.. ولم يجد تصرف القاضي غير الإستهجان، ولم يتطوع أحد ب (تبرير) تصرف المكاشفي بدعوى الغيرة على الدين. لذا عجبت أشد العجب و أنا أطالع ما خطه قلم الأستاذ أبو العزائم أمس مبرراً جريمة الهجوم على مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية و قتل عدد كبير من صحفييها بدافع ديني. يمكن فهم ما يجري في الغرب عند الربط بين ما ينشر من آراء ورسومات عن الأنبياء ، والحرية التي ظل يتمتع بها الشقيقان كواشي حتى إرتكبا جريمتهما رغم المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية عن علاقتهم بتنظيمات متطرفة، خاصة سعيد كواشي الذي تعلم المخابرات الفرنسية أنه تلقى تدريباً عسكرياً في اليمن، لكن ما يمنع السلطات الفرنسية من إلقاء القبض على كواشي لمجرد الإشتباه، هو ذاته ما يمنعها من التدخل في الخط التحريري للمجلة. هو فهم واحد لقضية واحدة، لا يتجزأ و لا يبتدع معالجة لكل حالة .. وليس جديداً القول إن حدود الحرية تجد جدلاً حتى في البلاد الغربية خاصة عندما تمس بعض الأخبار و التعليقات ما يعتبر مهدداً للأمن الوطني،أو تتدخل في الحياة الخاصة لشخصيات عامة أو تمس مقدسات، لكن تصحب الجدل على الدوام حساسية عالية تجاه ما قد يمس مبدأ الحرية.. هذا ما يفسر (تسلل) آراء و مقالات ورسومات تمس مواضع تثير الجدال، وهذا هو التفسير المنطقي، وليس لأن الغرب المسيحي ضد الإسلام والمسلمين، كما جاء في كلمة الأستاذ أبو العزائم، فالسيد المسيح نفسه يتعرض في الغرب المسيحي للسخرية. لن نجد خياراً كاملاً، لكن إذا خيرنا بين قبول كل الآراء مع الإحتفاظ بحقنا في التعريف بقضايانا دينية أو غير دينية و دحض دعاوى الآخرين ، و بين (حسم) مخالفينا بمواجهات عنيفة غير مأمونة العواقب، فلا شك إن الخيار الاول هو الأفضل، خاصة و أنه متاح بحكم مبدأ الحرية الراسخ في الغرب، حيث يجد المسلمون المهاجرون ما إفتقدوه في بلادهم، لدرجة نيل جنسية حرموا منها في بلاد ولد فيها أجدادهم . و يدافع محامون غربيون عنهم عند أي إتهام يطالهم، و يجدون معاملة حسنة حتى بعد الإدانة، وغير ذلك من حقائق يفترض ألا يطمسها إنفعال عارض .. و لو جاز لطرف أن ينفعل في هذا الظرف لجاز للفرنسيين و الأوربيين إثر الهجوم الغادر على المجلة، لكنهم إحتفظوا بموقف مبدئي رافض لدعوات غاضبة مطالبة بالتظاهر ضد المسلمين، بل خرجت مظاهرات مضادة بأعداد مضاعفة للتعبير عن التضامن مع المسلمين . لقد درج البعض على نشر ملصقات في مناسبة عيد الميلاد تدعو المسلمين لعدم الإحتفال بهذا العيد لأن من تشبه بالكفار فهو منهم . فهل تجيز مثل هذه الدعوة للمسيحيين السودانيين أن يهاجموا المطبعة التي طبعت هذه الملصقات أو مقر الجهة الداعية بعد أن وصفتهم بالكفر؟ قطعاً لن يقبل أي عاقل أن تتصرف أية جهة خارج نطاق القانون بدعوى أن مشاعرها الدينية قد استفزت. لقد فتح الأستاذ مصطفى أبو العزائم باباً لنقاش موضوع الحرية و المقدسات .. و عل أكثر الأسئلة إثارة للجدل هو : أليست الحرية من المقدسات ؟