ماقدمه الموسيقار الكبير عمر الشاعر من ألحان، كفيل بأن يضعه في خانة الملحنين الكبار، فقد رفد المكتبة الغنائية السودانية بعدد كبير من الروائع، لذا الحوار معه يتطلب مناقشة القضايا الموسيقية التي أصبحت مسار جدل عند كثيرين، فكيف يرى عمر الشاعر راهن الغناء السوداني، خاصة وأن الخارطة تغيرت بعد رحيل فنانين كبار. وقد حكى لنا داخل هذا الحوار أكثرمن حكاية، ليدعم بها رأيه في كثير من القضايا أنا موجود ولدي ألحان جديدة، وهي في طور التجريب، ولابد من وقفات نتأمل ونعرف أين موطئ القدم، وماهي متطلبات المرحلة المقبلة ومع من تتعامل.. ٭ بعد رحيل زيدان أليس هناك فنان آخر ستتعامل معه؟ - بعد رحيل زيدان وجدتني في مرحلة تأمل، لاسترجاع وتقييم هذه المرحلة وماسيقدم من أعمال تواكب مستقبل الغناء السوداني. ٭ ومالذي تحتاجه الساحة؟ - كنت أتعامل مع الأستاذ الكبير محمد جعفر عثمان، وهو بمثابة أب روحي، فرغم فارق السن بيننا لكن الحس الفني كان واحداً، والأفكار نعمل على جعلها متسقة تتفق وحاجة الساحة الفنية، ما أعنيه أن الساحة تحتاج الى التفاني والإخلاص في العمل، وتحتاج الى شراكات فنية، تعمل من أجل مصلحتها بعيداً عن الصراعات. ٭ وماذا عن صراع الجديد والقديم، هذه الجملة التي أصبحت تتكرر يومياً؟ - جيلنا حرص على أن يسلم الراية للجيل الجديد، لمصلحة الابداع الفني، على حساب الأمشاج والأطوار التي قدمت في فترتنا، ونحن امتداد طبيعي لمن سبق، لكن بعد رحيل عدد كبير من الفنانين الكبار أصبحت الساحة شبه خالية، وخارطة الغناء اختلفت، فقد اقتحم فنانون شباب الساحة، وهم يرون أنهم يعالجون القضايا التي تهم أبناء جيلهم، وأصبحنا نسمع أفكاراً جزافاً، وهناك من راعى الخط السابق، وهناك من يلتفت الى التجارب السابقة، لذا حدثت هذه الفجوة بين القديم والجديد، وللأسف أصبحنا نسمع أشكالاً موسيقية هشة وخالية من المضمون، لكن هناك من يرى أن الموسيقى السودانية الحالية وماقدم من خلالكم كجيل، أنها كلاسيكية، وأعني بذلك دارسي الكونسوفوتوار. ٭ ويرون أن الموسيقى السودانية من أسهل أنواع القوالب ولاتحتاج الى جهد؟ - الموسيقى السودانية ومن خلال منظورنا هي من أجمل وأحب ضروب الموسيقى في العالم كله، لسهولتها وبساطتها ولأنها تتمتع بحس فني عالي، كما أن الآلات خرجت من مزاج سوداني، ومن رحم البيئة والموروث الثقافي السوداني العظيم، لذلك تجد فيها حلاوة لا تتوفر في أخريات، والسلم الخامسي الآن العالم بدا يكتشف أنه لحن ثري ملئ بالشجن والعواطف، وجمله الموسيقية مليئة بالشجن ٭ وهل ترى فعلاً أن هناك قطيعة؟ - لا، ليست هناك قطيعة، أذكر أن الفنان محمد ميرغني قد قال: «كنت أمشي من بيتي وحتى بيت حسن عوض ابوالعلا، كي اسمع بروفات أحمد المصطفى، وأقف ساعات طوال، كنت استمتع» محمد ميرغني استصحب معه هذه الذاكرة، واستفاد منها وغنى لأحمد المصطفى، واذكر أيضاً أن خليل اسماعيل كان يشجع الخالدي كثيراً. ٭ للأسف الأجيال الجديدة ذريعتهم أنهم مرفوضون ويجأرون بالشكوى وحدث استسهال للغناء؟ - نعم، الجيل الجديد لم يكلف نفسه عناء البحث، لايريد أن يتعب، فأصبح يلحن ويؤلف الكلمات، فاختلط الحابل بالنابل، والناتج مفردة هشة، فتغير الشكل العام وأصبح الغناء مهنة من لامهنة له، وإذا أردت حصر المغنيين، ستجد كماً هائلاً، والأغرب أنهم يقلدون بعضهم، ويختارون أقصد الطرق ليصبحوا أثرياء، ويمتلكون العربات الفارهة، وحتماً ستكون هناك محاسبة لهذه التجارب ٭ محاسبة مِن قبل مَن؟ - من قبل المجتمع، ومنهم أيضاً، سيصلوا الى مرحلة سيكون فيها جرد حساب، لتجاربهم، وماقدموه، وأقول لك: لا يستقيم الظل والعود اعوج، ولابد من أوبة وعودة، وأتمنى أن لا ييأس أصحاب التجارب الهادفة، والذين يقدمون فناً هادفاً، يحترم العقول ٭ على ذكر استقامة الظل، هناك سلوكيات لا تمت للفن بصلة من قبل بعض الفنانين؟ - هناك تصرفات وسلوكيات بعيدة عن القيم السودانية، جيلنا من الفنانين تجده دائماً في الأفراح والأتراح، يجامل في كل شيء، ويحترم عادات المجتمع، لذلك كان قدوة، لكن كيف يمكن لفنان جل اهتمامه بزيه وتسريحة شعره أن يصبح قدوة للآخرين، نحن في حاجة الى الفنان (أخو البنات الفنان فارس الحوبة). وبالنظر الى الفنان الشاب مصطفى السني رغم أنه عاش في لندن زمناً طويلاً، لكنه ظل متمسكاً بسودانيته في الشكل والمظهر والجوهر، كما أنه صاحب أطروحات، وهذا هو نموذج الفنان الذي نريده.