طفت كل ولايات السودان، شرقها وغربها وجنوبها وشمالها ووسطها، ولم أرَ تهميشاً كالذي ظلل هذه الولاية وجارتها الشمالية، رغم أن سكانها قد عملوا منذ عشرات السنين بكل مفاهيم التنمية الشاملة التي تسود الآن في العصر الحديث، لأنهم لم يعتمدوا مطلقاً على الحكومة بمختلف مسمياتها وأنظمتها، فمنذ الاستقلال عرفوا العون الذاتي وشيدوا المدارس والشفخانات، ووفروا وسائل المواصلات، وشيدوا المشاريع الزراعية من حر مال أبنائهم، بعد أن انهارت السكك الحديدية ولم تقدم لهم الحكومات المتعاقبة غير طريق التحدي وبعض المشاريع الاقتصادية، التي هي كضل الدوم) ترمي بعيد( وكمثال مصانع الأسمنت التي لم يجدوا فيها أي ميزة تفضيلية رغم أنها شاركت في المشاريع التنموية في كل أنحاء السودان، بل لم تتكرم الشركات ولا الحكومات التي غرفت من خيرات الولاية ببناء مستشفى تخصصي يعالج الأمراض التي خلفها ذلك التلوث المريع الذي أهلك الحرث، وقلل النسل ودمر بعض الأراضي الخصبة. الجفاف وقلة الموارد والتصحر، تسبب في هجرة وإخلاء قسري لعشرات القرى التي أصبحت أثراً بعد عين، ولم تتدخل الحكومة بأية صورة من الصور لإزالة تلك الإشكالات حتى كدنا نظن أن الأمر مقصود لاخلاء الولاية من سكانها، رغم الموارد الهائلة التي تزخر بها، خاصة على الأصعدة الزراعية والسياحية، والآن نشهد استثمارات عربية هائلة في أخصب أراضي الولاية دون أن نفعل أفاعيل سكان بعض الولايات الأخرى بحجة الملكية وغيرها، بل نتمنى أن تعمر كل أنحاء السودان وتنمو، وبسبب هذه السماحة وقلة المشاكل نجحت الاستثمارات نجاحاً غير مسبوق أغرى دولاً كثيرة للاستثمار في الولاية . نتمنى هنا أن يكون في تلك الاستثمارات جانباً تنموياً للمنطقة بإعمار تلك القرى وتوفير سبل الحياة الكريمة والخدمات الضرورية للسكان، وذلك بالاتفاق مع المستثمرين لتوجيه جزء من الأرباح لهذا الغرض النبيل، وبذلك تتوفر الأيدي العاملة لتلك المشاريع بدلاً من استقدامها من خارج الولاية أو من خارج السودان (فجحا أولى بلحم تورو) والمقيم من ناحية اقتصادية أقل تكلفة وأحرص على نجاح المشروع، ويسهم فعلياً في إعمار الأرض والمنطقة كشريك أصيل.