*الحالة النموذجية السودانية في التعامل غير المنضب مؤسسياً في تمليك الباصات، أولاً لبعض الأشخاص الذين هم خارج الفئة المستهدفة من المشروع.. فقط لأنهم يملكون المقدم.. الذي هو 50 ألف جنيه من جملة مبلغ ال (542) ألفاً، هو قيمتها الكلية، يجري تقسيطه بواقع (6) آلاف كل شهر، وهذا ما أفشل معظم المشترين في الإلتزام به.. فتحول الأمر برمته إلى أزمة واضطرت الهيئة لملاحقة المشترين عبر الشرطة، وفي الشوارع وحجز الباصات المخالفة، بل وبيعها لمن يرغب.. *لاحظ المتابعون أن السائقين (الحرفيون) الذين تملكوا بعض هذه الحافلات كانوا أكثر التزاماً، من (المستثمرين) الذين أخذوا يتهربون من الدفع، ومنهم من تخلص من الباص وباعه لآخر دون علم الهيئة.. وهذا ما ألجأ مدير الهيئة د. عبد السميع حيدر إلى رفع سيف الملاحقات القانونية بحد (الشيكات المرتدة)، بعد أن أضطر لتخفيض القسط الشهري ألف جنيه ليصبح (5) آلاف عوضاً عن (6) آلاف، ولكن – من أسف- لم يكن ذلك يمثل حلاً للأزمة. *الملاك، بحسب الناطق باسمهم (عبد الله الصديق) اعتبروا أنهم تعرضوا لعملية خداع كبيرة.. وأن العملية من أولها إلى آخرها كانت (مجرد إعلام)- على حد قوله- وأن هدفها لم يكن تقديم العون من جانب الولاية لمواطنين محتاجين لمساعدة السلطات عبر تمليكهم أدوات للإنتاج.. وربما يكون الأهم فيها بالنسبة لتلك السلطات هو اتمام الصفقة مع (الوكيل)، الذي لم يستوفِ أهم شروط البيع القانونية، وهو توفير الاسبيرات (قطع الغيار) للسيارت المباعة.. التي يترتب على تعطلها، أثناء أو بعد (فترة الضمان) خسائر مادية تحرم صاحب الباص (المشتري) كما تحرم الهيئة (البائعة) من الوفاء بالتزاماتهما تجاه بعضهم البعض!!. *محدثي الخبير، أكد أكثر من مرة أن الباصات مطابقة للمواصفات الفنية المطلوبة، لكن المشكلة التي برزت أثناء العمل ناجمة من أوضاع الشوارع الرديئة المليئة بالحفر والمطبات.. هناك مثلاً - كما قال- عارضة حديدية تحت قاعدة الجيربوكس (ناقل السرعات) لحمايته من تحت.. هذه العارضة كثيراً ما ترتطم بالأرض عندما يمر الباص فوق الحفر والمطبات، وما أكثرها.. وهذا ما لاحظه الملاك وكان يمكن تعديلها أو إزالتها بسهولة إذا ما كانت هناك جهة تتابع المواصفات الفنية. *في الماضي .. (عندما كان الزمن زين والشعر مغطي الإضنين)- كما يقول السودانيون- كانت هناك هيئة تسمى (النقل الميكانيكي)- رحمها الله.. كانت تلك المؤسسة مسؤولة بشكل حصري، عن فحص الآليات والسيارات والتصديق لها والإشراف على عمل الحكومية منها وصيانتها.. وكانت هي الجهة الفنية التي تقرر ما إذا كانت هذه المركبة أو تلك مناسبة وصالحة للعمل في البيئة السودانية، من حيث المناخ ودرجات الحرارة ومن حيث الشوارع، والارتفاع المطلوب للمركبة، بالإضافة إلى كل العناصر الأخرى، الوقود ومصافي الزيت إلى آخر ما هو ضروري لضمان الاستفادة القصوى من المركبة المستوردة.. لكن هذه الهيئة (راحت في حق الله) ضمن برنامج (التشليع) المفضي ل (التمكين).. فكانت هذه الحالة النموذجية من الإهمال والتسيب والعشوائية التي تضرب حياتنا بلا رحمة حيثما صوب المرء ناظريه. *الناطق باسم الملاك يقول إنهم خاطبوا هيئة الصناعات منذ الأيام الأولى، كما خاطبوا وكاتبوا مكتب الوالي أكثر من ثماني مرات، والأمين العام لحكومة الولاية، والمجلس التشريعي لولاية الخرطوم، وهيئة المواصفات والمقاييس، ولم يتركوا حجر جهة مسؤولة أو مظنون بمسؤوليها إلا قلبوه، إلى أن انتهوا إلى البرلمان القومي، ولم يجدوا من يفيدهم بحل لمشكلتهم، ومن غير المنظور أن يستفيدوا شيئاً أو يجدوا حلاً إذا ما توجهوا للقضاء.. لأن الهيئة أو مديرها -بحسب ناطق الملاك- قد حصّن هيئته أو نفسه ببند في عَقَد الشراء لا يسمح لهم بالشكوى للقضاء، إنما تحل الخلافات بالتحكيم والتراضي. *النتيجة.. النتيجة،عوداً على بدء، هي أنها (حالة نموذجية سودانية) لسلوك المؤسسات الرسمية وجميع الناس في بلادنا.. فلا شيء يخضع للدراسة المتأنية والنبوءة العلمية والضوابط القانونية المستقرّة.. مما يُلجئنا لضرب الرمل و(انتظار الفرج) من لدن عالم الغيب.. فرجك ياكريم!.