منذ تلك الإشاعة الصادرة من الحقدة على ضأن السودان، إشاعة حمى الوادي المتصدع لم تمنح دولة الإمارات تأشيرة لدخول الخليج لأي قطيع سوداني من أنعام وشياه ، وصادف ذلك انتقالي لدبي لأُمارس مهام وظيفتي المثيرة للحقد وللعاب الطامعين فمنذ ثلاثة أعوام ظلت الأقلام تنتاشني وأنا لا أزداد إلا إيناعاً وحبراً ومداركاً واغتباطاً بأن أرى نار الضغينة تفتك بأمعاء الحقدة وتُحيل أفئدتهم قصديراً ورائحة بلاستيك. أعيش في أعلى سقوف المسرة مجدداً صلتي العضوية بالشعر والرواية وأطوف منتديات الخليج أشارك في لياليها الثقافية وأدبّج الوفد تلو الوفد للسودان وأدعو من شعراء بلادي نواضرهم ومن مفكريها أفذاذهم ومن صحفييها كل عام أجدرهم، وأكتب في فبراير من كل عام مقالاً حول الروايات الست التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العالمية في نسختها العربية، وأرشح واحدة للفوز بالمركز الأول قبل إعلان الجائزة بشهر كامل وأحمد الله أن فراستي أصابت مرتين، مرة في (حلم الغروب) لبهاء الطاهر ومرة أخرى في (عزازيل) التي كتبت عنها ورشحتها للفوز بقوة قبل إعلان يوسف زيدان فائزاً بالجائزة. هذا ما حفّز وزارة الثقافة بحكومة الشارقة لاختياري محكّماً لجائزة الشارقة للإبداع لهذا العام. كل شيء يسير وفقاً لما تشتهي سفني ولا ينقصني إلا (الضأن السوداني) ! الأسبوع الماضي أصدرت السلطات الإماراتية قراراً يقضي بدخول الضأن السوداني بعد تبرئة ساحته من الأسقام والعلل والحمى المتصدعة، فانسربت القطعان مثل نيازك طلقة سربلها اللمعان فأبرقت، ولما كان ذلك في عصب مكونات وظيفتي انطلقت لمواقع الضأن واخترت مقصب دبي لكي أبدأ إدارة حملة إعلامية للضأن وكي (أمتع نفسي بالدهشة) . تلمّست موقعه في حظيرة تليق باتساعه وكانت تجاوره خرفان هندية كتومة ووجلة تكاد تقول من شدة ارتيابها (نهي) وعلى شمال حظيرته أغنام صومالية أضر بجسمها طول الحروب ! الضأن (زينة الحياة العليا) ودليل رغد العيش وتاج الزهو وبؤبؤ (العين الحمرا) حين ترعف السكين بدمه، ما رأيت في الكون (يا ضانا أجمل منك) في عذوبتك وفي تقوسك وفي تثنيك وفي طواعية لحم صدرك وفي (صغارة سنك). انتضى يا سبحان الله خروف من ذلك القطيع الدبلوماسي وأخذ يتفرس في وجهي بنظرة فيها الكثير من التشابك والظلال ولم أجد تفسيراً لحدة نظرته فأجوزت حدة النظر لاحتمالين إما أن أكون قد أكلت جده قبل أعوام وإما أن يكون قد انضم لزمرة المحتجين لتعييني (ملحقاً إعلامياً) ! بهاء يمتد على أفق البصر، قوام مكتنز باللحم الفاخر وأذيال طويلة تحرر حالة فريدة للانتساب السلالي الأكثر سطوعاً لحالة (الخلاسية). عشب البطانة الطري يتجلى في صوفه الجامع بين نداوة الحرير وورع (التقروقا). صرت أحدق في امتداد القطيع ومستني حالة أشبه بصبابات العشاق بكل أعراضها فكلما تأملت جف ريقي، وكلما تفرست تنملت مفاصلي، ثم قذفت بي حالة مست فروة الرأس وتحركت كليتي اليمني (وقلبي زاد خفقانو وزاد كمان في ولاهو). أنت السهول كلها وأنا (الوادي المتصدع) من زيّنك على هذا النحو المستدر لهيجان أشجاني الهتونة ومن ربّاك على هذا التأدب الذي يجعلك مطواعاً وأنت تتقدم بنحرك نحو السكين، نضّر الله وجه (ذاك الراعي) ! في هذه الحضرة تذكرت البطل الذي يتندر علينا وهو يدري كيف يستبد بنا هذا العشق ناسياً أنا إذا كففنا عن الذبح فكيف سيطبخ ؟ قصة لها علاقة بالضأن : أحبت نعجة (ثيب) خروفاً غراً لم يكمل العام وهذا ما يطلق عليه (الجضع) وعرضت عليه الزواج وبعد تداول استمر طويلاً، اتفقا أن يكون الزواج بعد عيد الأضحى !!