قضينا وقتاً مقدراً من نهار أمس بدار حجوج للعجزة والمساكين ببحري.. تجولنا فيه داخل الدار ومن بعدها جلسنا إلى الأخت أميرة محمد بابكر مدير الدار.. خرجنا منها بالكثير المثير من الحكايات التي تدمي القلوب وتنذر بشر مستطير يتهدد المجتمع.. أسباب الزيارة كانت هاتفاً صباحياً تلقيناه من النزيل عمنا (أحمد)، يقول فيه إنه مهدد بالإبعاد من الدار بقرار من السيد المدير.. وحكاية عم (أحمد) كما نقول هي أخف قدراً وأقل إيلاماً من حكايات أخرى تكفي لأن تجعل بلدنا الأول في مجال السينما التراجيدية.. حكايات لا تصدق عن أبناء على قيد الحياة يعيش اباؤهم في دار المسنين على كفالة الدولة والخيرين.. هناك من يقول إن ابنه يزوره في العام مرة وأحياناً لا.. وآخر له أربعة أبناء قالوا إن أباهم يهدد والدتهم بالقتل، وحفاظاً على حياة والدتهم جاءوا به للدار.. وحكايات (أخر متشابهات). نعود لحكاية عم أحمد، حيث أفادت السيدة المديرة أن شقيقته تقيم بالخرطوم وهي ترحب به للعيش معها في دارها، وهذا يدخل ضمن برنامج لهم اسمه (برنامج لم الشمل)، يهدفون من ورائه في دار حجوج للم شمل النزلاء مع أسرهم ربطاً للنسيج الاجتماعي ومداً لحبال الأرحام المتقطعة.. والعم أحمد يقول إن شقيقته لا تعامله جيداً بعد أن سبق له العيش معها. سبعون رجلاً أو يزيدون يضمهم سجل النزلاء بدار حجوج.. كل واحد منهم له حكاية ترفع الحواجب دهشة ولا تنزلها.. وتبقى حكاية الحكاية في المجتمع السوداني الذي لا ندري ماذا أصابه.. فلم نكن من قبل نسمع بدار حجوج ولا غيرها.. ولا نسمع بأبناء آخر الزمان.. وإنما كنا نسمع بعبارة هي القول الفصل في مثل هذه الحكايات، وهي عبارة (الما عندو كبير.. يفتش ليهو كبير).. حيث للكبير طعم ولون ورائحة وكان هو روح البيت. المهم أننا كما قلنا خرجنا بالكثير من هذه الزيارة والتي نعد بزيارات مماثلة لها إن أمد الله في الآجال.. ونعد بكتابة سلسلة متواصلة عن هذا الموضوع المهم.. موضوع العجزة والمساكين والدور الإيوائية.. وقبل أن نبدأ ذلك نورد ملاحظة صغيرة نسأل الله أن تكون في محلها.. ونوردها في شكل علامة استفهام كبيرة تعقبها ثلاث علامات تعجب.. لماذا تقبل دور المسنين، مَنْ يأتي بهم أبناؤهم والذين يعلمون أسرهم.. ألا يساهم هذا في تهتك النسيج الاجتماعي ويشجع على عقوق الأبناء، خاصة أولئك ضعاف الإيمان والنفوس ممن يتذرعون بالظروف الاقتصادية وغيرها.. هذا التساؤل نختم به موضوع اليوم ونستهل عبره سلسلتنا بإذن الله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.