هل يكفي أن تعلم الحكومة الأمريكية أننا فقط نعرف ونتركها تفعل ما تريد وتخطط وتجتمع وتنفذ مخططاتها لتقسيم ما تبقى من السودان وفي ذات الوقت نترك العناصر التي تسببت في فصل جنوب السودان نتركها تواصل مخططاتها القذرة وقد خرجت الحركة الشعبية من معادلتنا السياسية الداخلية وأضحت لاعباً خارجياً، نتركها ترسم مع هؤلاء بقية المخطط اللئيم؟ وجدت نفسي مندهشاً لدرجة بعيدة وأنا أقرأ المادة الصحفية التي نشرتها صحيفة (الأهرام اليوم) أمس الأول التي كشفت فيها عن اجتماع عقده القنصل الأمريكي بجوبا (باري واكلي) مع باقان أموم وعبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان وكان الهدف من الاجتماع دراسة الوضع بالشمال بعد فصل جنوب السودان وقد كشف لهم القنصل الأمريكي عن الإستراتيجية الأمريكية التي لن تتخلى عن أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأنهم يدعمون استمرار الحركة الشعبية في الشمال لتكون قريبة من هذه الملفات وكل ذلك من أجل تغيير بنية الدولة بالشمال وأنهم سيدعمون هذا الاتجاه، ومن جانب آخر فرغت الحركة الشعبية من توفيق أوضاع قطاع الشمال وذلك ببقائه حزباً بالشمال برئاسة مالك عقار ونائباً له عبد العزيز الحلو وياسر عرمان أميناً عاماً. أستغرب لهذه الخطوات الغريبة جداً والخطيرة جداً على مستقبل الشمال في دولته ونسخته الجديدة، كيف بالله عليكم نسمح للحركة الشعبية وهي ترتب على نار هادئة لزعزعة استقرار الشمال وتتفق مع القنصل الأمريكي بجوبا على تغيير بنية النظام في الخرطوم، أتعلمون ماذا يعني تغيير بنية النظام؟؟ يا سادتي هنا مكمن الخطر فالمسألة أكبر من تغيير النظام، المسألة هي أن تتم تغييرات جذرية في سحنة ولغة ودين وتوجهات النظام تقوم على إضعاف عامل الدين وسط المجموعات المسلمة والتركيز على شعارات المهمشين والزرقة والأطراف مع استقطاب المجموعات العلمانية في الشمال وهي بنية تستبعد الصادق والميرغني والترابي. أمريكا لن تترك الشمال أبداً وهذا ما يجب أن تعرفه حكومتنا الموعودة برفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب وذلك بعد أن تستكمل الخرطوم كما قال القنصل اليهودي الأمريكي بجوبا كافة مطلوبات السلام وهي يا سادتي مطلوبات لن تنتهي أبداً حتى إن انفصل الجنوب وأقام دولته واعترفنا بها ولذلك الحزم كل الحزم هو السياسة الرشيدة التي يمكن أن نحافظ بها على هذا الوطن والحزم يبدأ بحسم الحركة الشعبية وعدم تدخلها في الشأن الشمالي فلم يعد عقار ولا الحلو ولا عرمان مواطنين جنوبيين هم شماليون ويجب أن يتفاعل حراكهم السياسي داخل وطنهم مع كافة القوى السياسية وليس خارجه فقد أضحت الحركة الشعبية في وطن وهم في وطن آخر والمسألة تجاوزت حالة الحزب والحركة إلى حالة وطن ودولتين منفصلتين، ثم إن الحركة الشعبية غدرت بهم واستخدمتهم للوصول إلى غايتها ورمتهم دون أن تلتفت لهم ولم يظهر في العلن ما يشير إلى أن الحركة الشعبية تتجه نحو توفيق أوضاع أبناء النوبة والنيل الأزرق الذين خدموا معها لأكثر من عشرين سنة وخدموا مشروعها الانفصالي وتمنحهم حقوقهم وتسرحهم وفي المقابل تتجه حكومتنا المسؤولة نحو توفيق أوضاع العاملين معها من أبناء الجنوب حتى الذين قدموا مع الحركة الشعبية لهم ترتيبات تجري على قدم وساق. على عقار والحلو العمل من أجل مواطني النيل الأزرق وجبال النوبة بدلاً عن الاستمرار في خدمة الأجندة الخارجية وبالذات أجندة الحركة الشعبية منها وإطلاق حوار جدي يفضي إلى النهوض بتلك المجتمعات وها هي الحكومة تعمل في مشروعات عدة بتلك الأنحاء ثم إن الجبال والنيل الأزرق هي ليست خالصة لهما وقد أثبتت الانتخابات الفائتة ذلك. على الحكومة إظهار العين الحمراء لكل من يريد أن يعيد لنا كرة الصراع والحروب في تلك المناطق ويجب أن يفهم الجميع أن تلك المناطق خطوط حمراء ويجب التعامل مع التفاصيل والأحداث الصغيرة بكل تضخيم بدلاً عن أن يحدث العكس ويجب أن يكون الحوار حول هذه القضايا مع هؤلاء ومع الحركة الشعبية في الهواء الطلق فالتعتيم يخدم هؤلاء ويخدم الحركة الشعبية ويخدم الأجندة الخارجية وهذا من الأخطاء الكبيرة التي تقع فيها حكومتنا في ظل وضوح قضايانا أمام هؤلاء وعدالتها.