{ لا زلت من أشد المعجبين بالحبكة الدرامية للفيلم العربي القديم (يا عزيزي كلنا لصوص), كيف لا وكاتبها هو الأديب الكبير (إحسان عبدالقدوس) الذي تغوص نصوصه الأدبية في صميم المجتمع وتكشف الكثير من المسكوت عنه وتواجهنا بعيوبنا وسوآتنا. وعلى غرار ما أتى به, أحاول اليوم أن أتناول حكايتنا مع موهبتنا الجديدة التي تنضم للقائمة الطويلة من الأفعال الدخيلة على حياتنا, فقد أصبح السواد الأعظم منا على حين غرة (ترزيّة) - مع احترامي لأصحاب المهنة الأصليين من الشرفاء الكادحين الذين يسترون عرينا على مر العصور واعتذاري لاستعارة الصفة لأجل المقاربة اللغوية فحسب - والمراد هنا ما بتنا نتقنه ببراعة واحتراف لمسألة (القص) هذه! وهي لمن لا يعرفها ولم يجربها كلمة جديدة تضاف إلى قاموسنا الشعبي الحافل ويراد بها ما يأتي به أصحاب النفوس الوضيعة والحاقدون من ممارسات من شأنها النيل من مكانتك في العمل تحديداً لا سيما إن كنت من الناجحين المقربين لأهل القمة ومن المرضي عنهم. { ويزداد معدل هذا النشاط حالما تلوح في الأفق بوادر ترقية أو علاوة أو حتى تداول المجتمع من حولك بعض الثناء عليك والإشادة بك حتى وإن كنت من الذين لا يشكلون تهديداً مباشراً لمصالح هؤلاء (الترزية) فإنهم يمارسون ضدك (القص) من باب الاحتراز ليمنعوا (ريشك) من النمو على حد زعمهم, حتى إن بعضهم أصبح من كبار (القصاصين) وأصبحت المسألة لديه مجرد هواية يقوم بها في كل الأوقات وضد كل الأشخاص دون واعز ولا ضمير, والمدهش أنه (يقص) لك ثم يسارع إليك محاولاً تشكيكك حتى تقوم بتوجيه التهمة إلى آخر عداه ثم يجتهد في إقناعك لتشاركه (القص) لذلك المسكين الذي يصوره لك على أنه خطر داهم يهدد مصالحك ويستدعي التحرك السريع لإقصائه بعيداً. { لقد أعجبني هذا المصطلح جداً، ورأيت أن الذي قام بابتكاره وتسييره يستحق الاحترام والإشادة بذكائه وسرعة بديهته وخياله الخصب, فالتشبيه رائع ومناسب وبليغ. ولك أن تتخيل أحد (الترزية) البارعين وهو يُعمل مقصه في لحم القماش ليشكله كيفما شاء. وفيهم (الترزي) الأفرنجي بزبائنه البرجوازيين - أو هكذا كان - وفيهم (الترزي) البلدي البسيط الذي يرتبط نشاطه عادةً بزينا القومي تحديداً. وفيهم (نساء) احترفن المهنة وبرعن فيها وأخرجن لعالم النساء تصاميم جميلة أو تخصصن في (التياب) والملاءات وغيرها. وبالمقابل تجد (القصاصين) كذلك فئات ومستويات وأنواع يوجدون في كل المجالات وبأشكال مختلفة, حتى أصبح هناك قص وزاري وآخر إداري وثالث حرفي ورابع مهني.. لا نستثني عالما أو جاهلا.. فهناك ترزي (طبيب أو مهندس أو حتى معلم), مثلما هناك ترزي (صحفي أو مذيع أو موظف أو حتى مراسلة). كما للنساء أيضاً حظهن من الموهبة وهن بفطرتهن (يقصَّن) لبعضهن في الفارغة والمليانة لا سيما (الضرائر) منهن. { ولا أعلم تحديداً المراد من هذه الصفة, وهل هو فعلاً (قص) الريش؟ أم التتبع و(قص) الأتر والملاحقة اللصيقة لإفساد كل المشاريع الإيجابية التي تنوي القيام بها؟ أم قطع دابر أحدهم نهائياً من المكان المعني أم هو قطع الطريق نحو التفوق والنجاح والمكاسب في أي مجال؟.. ربما كل ما ذكر صحيح. وعليه لا بد أن نحتاط جداً من انتشار هذا الوباء الجديد وإن كان تعرضنا لمثل هذا (القص) لا يعني أننا سنظل على المدى الطويل من ضحاياه, فالشاهد أننا جميعاً نمارس هذا القص بعلمنا أو بدونه وبمستويات ومعدلات مختلفة. فهو كفعل يومي بات من لوازم حياتنا العصرية بإيقاعها المتسارع وتراجع قيمها ومشاعرها النبيلة. كلنا (نقص) لبعضنا البعض, مهما اختلفت دوافعنا.. ولا تقل لي إنك لا تتحول إلى ترزي ولو لبرهة في أثناء حراكك اليومي اجتماعياً كان أو عملياً. يمم وجهك لاي اتجاه ستجد عمليه (قص) تجري في الخفاء أو العلن. فالواقع أن بعض كبار (القصاصين) أصبحوا يتباهون بإنجازاتهم مهما كانت عواقبها سيئة.. كل ذلك ببساطة لأننا نسينا أن كل شيء بقدر.. وكل ما لنا مقسوم.. وكل ما بنا مسطّر.. وليس من يلبس ثوباً لا يناسبه بأمر الله, وسبحان الذي جعل مهنة (الترزية) الأصلية تتراجع بفعل البضائع الصينية.. إنه يمهل ولا يهمل.. وليك يوم يا (ترزي). { تلويح: قص يا قصاص.. غير قدرك ما في مناص.