أجرته- عوضية سليمان بمشاركة قسم التحقيقات الرؤية حول هذا الملف تبدو غير واضحة، بل معتمة في كثير من الأحيان.. ملف تلوث المياه الجوفية التي تدخل في استهلاك سكان ولاية الخرطوم بنسبة تفوق ال 52%.. الجهات المختصة وعلى رأسها هيئة المياه الجوفية، سبق وأن أكدت تلوث الحوض الجوفي بولاية الخرطوم في بعض المواقع وشرحت لنا الأسباب وبعد مرور عام ونصف العام عاودنا طرق أبواب الهيئة لكنها رفضت هذه المرة تمليكنا أي معلومات.. المجلس التشريعي بولاية الخرطوم أقر إجازته قانون منع حفر آبار السايفونات آلياً لكن ضعف أعين الرقابة على شركات الحفر جعلت القانون حبراً على ورق، إذ أقر مسؤولون بالمجلس التشريعي نفسه ل«الأهرام اليوم» بأن عمليات الحفر تمارس ليلاً وخلال العطلات الأسبوعية.. رئيس نيابة حماية المستهلك ربط تزويدنا بأرقام البلاغات والمخالفات التي تخص شركات حفر الآبار بخطاب من وزارة العدل لكننا فوجئنا بأن وزارة العدل تحفظت على خطاب «الأهرام اليوم» حول الموضوع دون أن نعلم أسباب التحفظ، مما زاد من الضبابية حول هذا الملف رغم خطورته!! دراسة خطيرة عندما فتحنا هذا الملف خلال العام الماضي تحت عنوان «مياه الشرب بولاية الخرطوم هل هي صالحة للشرب؟!» قامت الدنيا ولم تقعد ورغم نشر «الأهرام اليوم» التحقيق مرفقاً مع شهادات فحص لعينات من المياه صادرة من معامل مرجعية، من بينها معمل استاك وهيئة المياه الجوفية نفسها إلا أن جهات عديدة أنكرت الأمر.. على أن ما يجعلنا نعيد فتح ذات الملف لكن من زاوية أخرى الحفر الآلي لآبار الصرف الصحي بالولاية هو التهديد الذي ما زال ماثلاً وربما زادت معدلاته على حوض المياه الجوفية بولاية الخرطوم، فقد أكدت وزارة البيئة ومرافق المياه ل«الأهرام اليوم» أن «200» شركة تعمل في حفر آبار السايفون آلياً بولاية الخرطوم وان العديد من البلاغات على طاولة النيابة الآن. فقد أكدت دراسة ماجستير صادرة من كلية الهندسة بجامعة الخرطوم بعدما اخضعت عينات من المياه الجوفية بولاية الخرطوم إلى الفحص تلاحظ وجود الأمونيا بصورة عالية في منطقة الشجرة وودعجيب. وابانت الدراسة أن الحدود المسموح بها من الأمونيا يجب أن لا تزيد عن 0.5 mg/l إلا أن المفاجأة كانت عندما اثبتت العينات أن حدود التلوث بمنطقة الشجرة هي 3.32 mg/l ولوحظ ايضاً وجود روائح قوية عند فتح صنابير المياه لآبار شرب بمنطقة الشجرة! وما سبق أن أكدته لنا هيئة المياه الجوفية من آثار آبار السايفونات على تلوث المياه الجوفية بمناطق وأحياء الخرطوم في تحقيق سابق نشرته «الأهرام اليوم» أيضاً أشارت ذات الدراسة وأكدت أن احياء الرياض واركويت والصحافة حسب الدراسة تعاني من ذات المشكلة التي تعاني منها منطقة الشجرة بسبب السايفونات وأرجعت السبب إلى التركيب الجيولوجي لهذه المناطق إذ لا توجد به فواصل مستمرة أي لا توجد طبقات غير نافذة مما يجعل تلوث هذه المناطق من آبار التصريف الرأسي أمراً محتماً!! أين الضوابط؟! الوزير السابق وخبير التربة والري الدكتور سلمان عوض الله قال ان الآبار الجوفية تحفر بواسطة «بريمة» ومع الضغط الكبير للمياه يتم تغييرها وقال ل«الأهرام اليوم» إن التربة الرملية هي طبقتان وهنالك فاصل بين طبقة واخرى عند الحفر، مشيراً إلى أن حفر البئر يصل عمقه إلى 90 قدماً وعند حفر السايفون يجب ان يكون الحفر أقل من هذا العمق، وكشف ان الآليات تحفر دون مراعاة لذلك مما يؤدي إلى الختلاط بين الطبقتين ويؤدي بالتالي إلى التلوث في أعلى المياه وهنا تحدث الأضرار السالبة. وقال سلمان: يجب حال اكتشاف بئر سيفون تتسبب في تلوث اغلاقها فوراً لأنها تهلك صحة الإنسان. وكشف سلمان ل«الأهرام اليوم» عن عدم مراعاة أصحاب الشركات تحديد الطبقات في الحفر وعدم الفصل بين الطبقات لأن نوع وتحديد الطبقات يفصل ما بين حد السايفون والمياه الجوفية، وقال إن هذا الخطأ الفادح سببه انعدام الرقابة على الشركات واصحاب الحفارات، بالإضافة إلى أن العمال ليست لديهم الخبرة الكافية في الحفر والآن الحفر أصبح منتشراً في أنحاء البلاد، وأشار إلى أنه كخبير تربة وري يحمل المسؤولية كاملة إلى هيئة الجيولوجيا وغيابها التام عن أداء مهامها الحقيقية لأن الجيولوجي هو الوحيد الذي يمكن أن يحدد نوع الطبقات في الحفر ويعرف الأعماق. بعيداً عن الرقابة ومن جانبه قال محمد سليمان بوزارة الزراعة ان المشكلة الحقيقية في حال وجود بئر جوفية في المنطقة التي تحفر فيها بئر السايفون وهنا تصبح الطبقة رمزية ولا تتحمل حفر بئر السايفون وهنا لا تسلم المياه الجوفية من الاختلاط وهذا يحدث أضراراً بالغة وتغييراً في خواص المياه ويؤثر على الصحة، وقال ل«الأهرام اليوم»: إذا لم تحل مشكلة الحفر الآلي بطريقة جذرية ومتابعة منح التصاديق المتبعة من قبل الجهات المسؤولة ومحاكمة أصحاب الشركات فإن البلاد لن تسلم من التلاعب والفوضى من قبل شركات الحفر في ظل انعدام الرقابة مما جعل أصحاب الشركات يمارسون الحفر ليلاً وفي الخفاء. «الأهرام اليوم» استنطقت المدير العام لوزارة البيئة الدكتور عمر مصطفى حول تجاوز الشركات في حفر آبار السايفونات بآليات المياه الجوفية، وقال: وفق قانون المجلس التشريعي لولاية الخرطوم وبعد دراسة أصدرت قراراً وكونت بموجبه لجاناً لعمل تلك الحفارات وفق شروط وضعت هذه الشروط وفق مواصفات الجيولوجيين لمعرفتهم بالمياه الجوفية أكثر من السطحية وان المياه الجوفية لها ابعاد محددة، مشيراً إلى أن أي حفر يفوق 12 متراً يؤثر على المياه الجوفية والمخزون الاستراتيجي ويحدث تلوثاً يؤثر سلباً على الصحة ويتسبب في السرطانات والأضرار الباطنية مثل تليف الكبد والكلى والدم، وكشف د. عمر عن ان المرحاض البلدي يضر بالمياه الجوفية لأن المواد السائلة تمتصها الأرض وتصل المياه السطحية ومنها إلى المياه الجوفية، وقال إن الحفار يتعدى المياه السطحية ويصل إلى المياه الجوفية لأن صاحب المنزل يطلب من الحفار بلوغ العين وهذا سببه انعدام الضوابط والرقابة، وقال إن العلماء والمختصين أجمعوا على ضررها ويمنع حفر (السبت تنك) بالآلة ونحن في الوزارة نفذنا هذا الأمر وفي فترة وجيزة جداً ضبطنا «200» حفار يعمل بصورة مخالفة من عدة شركات وفي حال ضبط حفار سبق له الضبط تصادر الآلة ولكن لاحظنا حدوث تلاعب من قبل بعض أصحاب الشركات، إذ يستغلون أيام العطلات «الخميس والجمعة والسبت» ويمارسون الحفر ليلاً وهؤلاء هم ضعاف النفوس وهذا تصرف إجرامي. وقال دكتور عمر إن مدير شركة حفريات أبلغه أن هنالك شركة تعمل في الحفر ليلاً ووصف لنا مقر الحفر والموقع وأجرينا اللازم وتم ضبطهم من قبل المباحث، وقال إن صاحب الشركة أدى واجبه كمواطن والآن وضعنا «الرقم الوطني» للإبلاغ عن مهددات البيئة وبعد إعلان الرقم تم ضبط مخالفات عديدة. وقال دكتور عمر ل«الأهرام اليوم»: نحن كوزارة في حال فشلنا في المعالجة ليس هنالك ما يستدعي وجودنا على هذه الطاولة! وكشف عن وجود رقابة غير مباشرة من قبل المواطنين وتم حجز العديد من آليات تلك الشركات داخل سور كبير ووضعنا عليها غرامة، وقال: إذا المنطقة يوجد بها خزان جوفي يمنع فيها حفر السايفون مثل منطقة جبل أولياء. وقال: الآن نحن نمنع الحفر ولكن نبحث عن البديل الحقيقي وهو الآن حفر الأتراك بتكلفة 120 مليوناً مع وجود شبكة في الخرطوم وبحري وأم درمان على الوعد وأن نوصل شبكة الصرف الصحي ونعالج المياه لري الأشجار. وأكد أن من ضمن الشروط التي يجب الالتزام بها التقيد بالمواصفات التي تحددها اللوائح وان يتم الحفر تحت اشراف الوزارة وهيئة المياه وإدارة المياه الجوفية، واشار إلى أن التحليل يجب ان يصمم طبقاً لمواصفات الصرف الصحي خارج الشبكة بجانب ضرورة وضع «فلتر» بعد السبتك تانك لضمان نقاء المياه المعالجة وتصريفها إلى بئر السايفون وضرورة وجود مهندس متخصص من قبل الشركة التي تمارس الحفر. أين القانون؟ رئيس شعبة الخدمات والصحة بالمجلس التشريعي جابر محمود حيدوب قال ل«الأهرام اليوم» إن قانون منع حفر آبار السايفون بآليات حفر المياه الجوفية أجازه بالإجماع المجلس التشريعي بعد معرفة الضرر من قبل وزارة الصحة ودارت مناقشات حوله في جلسة مخصصة وعليه تمت إجازته والموافقة عليه وسمي بقانون ترقية وحماية البيئة. وقال حيدوب إن الشركات لم تلتزم بتطبيق القانون ونحن جهة تشريعية وليست أمنية وقانونية وأي شكوى تصلنا من أي مواطن يتم التبليغ بها إلى الجهة المختصة، وأشار إلى أن قانون حماية وترقية البيئة بولاية الخرطوم يحظر على أي شخص تلويث طبقة المياه الجوفية لأي غرض ولا يجوز لأي شخص حفر بئر صرف صحي أو مرحاض أو أي مصدر تلوث بعمق يتجاوز طبقة المياه السطحية، كما لا يجوز لأي شخص استخدام ماكينات حفر الآبار الجوفية في حفر آبار لأغراض الصرف الصحي أو السايفون أو أي مصدر تلوث إلا بموافقة واشراف السلطات المختصة ووفقاً لما تحدده اللوائح. وكل من يخالف أحكام هذه المادة يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز سنة أو غرامة لا تقل عن ألف جنيه أو العقوبتين معاً وتسري العقوبة بالتضامن والانفراد بين صاحب المنشأة ومالك الحفارة. ويجوز مصادرة ماكينة الحفر المستخدمة لصالح الوزارة عند المخالفة لأكثر من مرة. تحفظ! لرصد المخالفات ورسم صور دقيقة لمدى تطبيق قانون حماية البيئة حول عمل شركات حفر المياه ورصد البلاغات في هذا الخصوص طرقنا أبواب نيابة حماية المستهلك (مولانا محمد مصطفى) رئيس نيابة حماية المستهلك وطالبناه بتزويدنا ببلاغات الضبط ونوعية العقوبات وطالبنا هو بخطاب من وزارة العدل يحمل إذن الموافقة بتزويدنا بتلك المعلومات.. سلمنا الخطاب المطلوب إلى مدير عام وزارة العدل وطلب منا المعاودة خلال الأحد أو الثلاثاء لتسلم الرد.. وكانت المفاجأة عندما تسلمنا رداً من السكرتير يفيد بأن خطابنا الذي عنون بالرقم 3661 قد «تحفظ عليه»!! ليقف أمام طريق العودة إلى رئيس نيابة حماية المستهلك لتزويد القارئ بتلك الإحصاءات!!