من كتاب «أوجه قراءة التاريخ السوداني وتدوينه وقضايا أخرى» لعلاء الدين سيد أحمد أغا؛ ننقل ما يلي: قال المهندس مرتضى أحمد إبراهيم، أو الوزير المتمرد كما سمى نفسه في مذكراته «جاءني في مكتبي ذات يوم الصديق الأستاذ عبد الكريم ميرغني، الذي شغل منصب وزير التخطيط في حكومة مايو الأولى، يصحبه صديقه أحمد سنجر، وأخبراني بأنهما يعلمان أن المؤرخ السوداني المشهور محمد عبد الرحيم الذي تربطني به صلة عائلية كان قد كتب في أحد مؤلفاته عن جد جعفر نميري، وقد جاءا يطلبان مني البحث في مكتبة المؤرخ في داره بشارع العرضة بأم درمان والحصول على ما كتب عن جد نميري؛ إذ كانا يذكران أن تعليق المؤرخ الكبير في انطباعه عن ذلك الرجل لاذع ومثير. ثم يقول إن المؤرخ سمع بقصر ود نميري في دنقلا وشد رحاله وسافر إلى هناك ليكتب عن قصة القصر وعلم أن القصر كان ملكاً لأحد الباشوات المصريين وكان نميري يعمل حارساً فيه ولما توفي صاحب القصر ترك القصر تحت رعاية الحارس وهكذا صار الناس يشيرون للقصر بقصر ود نميري. وكتب المؤرخ عن لقائه بذلك الحارس حيث جاء في الكتاب بالحرف «وجدته رجلاً تافهاً». وفي البداية نسأل هل كان مرتضى أحمد إبراهيم وزيراً متمرداً؟ هل هو الذي استقال أم أن الرئيس نميري أقاله؟ ونحن نعرف جراحات مرتضى الخاصة والعائلية التي سببها له نظام نميري، فقد سجن شقيقته أكثر من مرة، وأعدم زوجها الشفيع أحمد الشيخ. ولكن ما كان ينبغي النبش في الأسلاف، والكذب وتزوير الحقائق، فالحقيقة هي أن نميري الكبير كان فعلاً صاحب سلطة ونفوذ وعزوة، وكان ثرياً مهاباً، ورغم ذلك نفترض أنه كان حارساً أو غفيراً أو بواباً. ونفترض أيضاً أنه كان إنساناً تافهاً فما أكثر التافهين الذين أنجبوا أبناء عظماء، والعكس صحيح فقد كان هناك عظماء كثيرون أنجبوا أبناء تافهين. ورغم العز والمجد القديمين فإن الرئيس نميري لم يكن يشير إليهما، فقد كان يعرف أن: ليس الفتى من قال كان أبي أن الفتي من قال هأنذا. وكان جعفر نميري فعلاً «هأنذا» وكان يعرف أن أسرته بعد العز والمجد القديمين دخلت في بيات شتوي استمر عقوداً وكان يعرف ويعتز بوالده العامل البسيط وكان يحكي عنه مفتخراً. ولقد بقي من الرئيس نميري الكثير وما أرسخ وأجمل بصماته في حياتنا وفي تاريخنا الحديث. وبقيت من مرتضى أحمد إبراهيم بيارة السوكي وما أوسع البون بين السجلين سجل الرئيس جعفر محمد نميري وسجل الوزير مرتضى أحمد إبراهيم الذي أصبح وزيراً بعد أن أصبح نميري رئيساً.