الأيدي التي وادعت ذات زمان جاف، حار، فاصله المداري - كان - الظلم والضغط؛ لانت بمرطبات الحياة الجيدة الآن، وعادت لتسالم مرة أخرى، وتقبّل عيون الشوق «مرحب بالحبايب». وحبايب السودان، دائماً - سبحان الله - يكونون أهل الغناء والطرب، الآن يضاف إليهم «مرفوعاً للقوة الشوقية»؛ الموسيقار يوسف الموصلي، ولم يُتم مجاملات تحايا الأهل، وذوي القربى والمصاهرة؛ حتى شرع في وصل ما انقطع معنا نحن «أهل العموميات». وبِصِلَة رحمه _ غير المقطوع _ مع البلابل؛ كانت أولى حفلات تحاياه العامة لصالح الأطفال المصابين بالأيدز، برعاية منظمة البلابل الخيرية، وضرب كل العصافير - بهذا الحفل - بحجر الفن الكريستالي، من عصفور رعاية الأعمال الخيرية التي كانت تستضيف الفنانين كمضافين إليها «مغنين فقط»، وعصفور الإعلان الشرعي للعودة الفنية والتواصل البشري المباشر مع الجمهور العاشق لأغاني الموصلي، والمولَّه بالبلابل، إلى عصفور الدخل المناسب لحفل ذي ثقل معنوي ونوعي. ثم جاءنا منه بيان تالٍ باستضافة مباشرة على هواء الروح والنيل والليل بفضائية المنوعات (النيل الأزرق)، وشفنا وسمعنا وتمتعنا بألوان طيف ألحان «الموصلي» التي رغم قدمها إلا أنها متجددة وحاضرة لكل زمان والمكان واحد بالطبع هو السودان. وافتتح المساء بالغناء الرفيع للسودان ورائعته الثورية (بلدنا نعلّي شأنها) وعلى كراسي العرض المصاحب كانت (عقد الجلاد) حاضرة المايكروفونات، تردّ جميل وصال الموصلي معنا بأغنياتها ذات التأثير الجماعي - أو الجمعي - علينا، وتصاحب أغنياته بكورال منغّم من أفرادها القدامى والجدد! والجديد لدى الموسيقار العائد _ كما صرّح _ أغنيات تعتمد على الألحان أكثر من الكلمات التي اختزلها في سطور لا تتعدى الثلاثة! كذات عدد مشكلات المجموعة الرادة لجميله (عقد الجلاد) التي ملأت الأوساط الفنية _ زمان _ بجمال مبادئها ومبتدأها بالكلمات والألحان التي تحترمهم في البدء كمؤدين وتحترمنا كمتلقين وكسبت بذلك عقول وآذان الجمهور السوداني بلا منازع وبقيت لأزمان ضوئية المجموعة الأولى في الغناء الجماعي بل وتكاد تكون الوحيدة من حيث التنظيم والعلاقات الداخلية والخارجية الضامنة للنجاح الفني والاقتصادي والاجتماعي. اجتماعياً الآن يسعى «الموصلي» بين أفرادها، وتتابعه الصحف والصفحات الفنية لرد المياه إلى مجاريها الجميلة في (عقد الجلاد)، والجميع وبالأخص معجبو (العقد) يعرفون الحيثيات أكثر مني، لكن الذي أعرفه تمام المعرفة الصادقة أن أحوال (عقد الجلاد) لم تبدأ منذ انسحاب الموسيقار «عثمان النّو» إنما من ذات غرور جماعي / فني جعلهم يتمركزون في الأداء فقط، إذا كان موسيقياً - تلحين أو عزف - أو غنائياً، بتبديل المؤدين حسب المزاج الإداري بها، لا المزاج الاستماعي لنا. وشاهدنا طوال سنواتها وجوهاً جديدة وقديمة متجددة دائماً. وقد أضافت الصحف والصفحات الفنية «الخميرة الفوّارة» على عجين الخلافات بين أفراد المجموعة حتى «مسّخت» طعم مخبوزاتها السمعية فينا، وصرنا نقرأ تحليلات النقاد وأشباه النقاد وجامعي الأخبار و«الشاتاب» وهم لا يردون ولو ببيان يحترم محبة ومظنّة معجبيهم؛ أكثر مما نستمع إليهم في الحفلات العامة! و«الموصلي»، كقادم جديد، ما زال بغبار المطارات البعيدة وبقايا روائح بلدان الغربة؛ كذلك لم يسلم من إضافات الخميرة على «معجونات» علاقاته القديمة! بل وأصبح، كحالة فنية، قابلاً للشد والجذب الإخباري والرد بالنفي والإيجاب... الخ. فإن محاولاته التي يشاع أنه يسعى فيها لإعادة النسيج الفني القديم إلى (عقد الجلاد) وترتيب جريان الفن فيها كما كان زمان؛ إنما تنزل نزول المضطر على نفوس أعضاء الفرقة التي كنا في ذات أمنيات سعيدة نظن أنها كأسطورة (البيتلز) لكن بنسخة سودانية حيّة الملامح في الشعر واللّحن، وتكون هذه المحاولات من باب رد الجميل بشكل عكسي أو ربما المجاملة الفنية! وإذا استطاع السياسيون ذوو الوجوه المتجهمة والأنفاس الساخنة - والمكايدات لا شك - أن يجدوا لغة مشتركة تمكنّهم من الاتفاق على طارئ مصلحة الوطن، ألا يجدر بكل (عقد الجلاد) وفي كامل الجمال الروحي و الفني إيجاد مساحات وصال تعيد الشكل القديم بدون الاستعانة بصديق هو نفسه مرهق من صعوبة الوصال وكثرة الأسفار والاغتراب!