كان رئيساً لدولة تونس واجه فترة عصيبة جداً بعد ثورة الربيع العربي ، وقتها واجه حملة إعلامية شرسة ضده وضد السياسة التي اتبعها في عهده ، ومظاهرات وهتافات ثورية ضخمة ، كان من اليساريين لدرجة بحتة ولكن تركها لأسباب ذكرها دون أن يداري عليها. عمل طبيباً بشرياً من أجل معالجة الفقراء والمحتاجين والمنظمات والمعاقين لأنه نشأ مع أسرة فقيرة جداً وهذا ما قاله ل(الإنتباهة) عن نفسه وعن مسيرة بداية عمله. التقيناه على عجلة من أمره نسبة لارتباطاته العملية الكبيرة المجدولة، وكان اللقاء بفندق كورنثيا من قبل مجلس أمناء جائزة الطيب صالح بحضور عدد من الإعلاميين باعتباره ضيف شرف لهذه الجائزة التي وصف صاحبها أنه ليس ملكاً للسودان فقط، وإنما ابن الثقافة العربية وهذا ما فتح شهيتي وشجعني الى زيارة السودان في أول مرة .كان بليغاً وحاضراً ويحمل هماً كبيراً تجاه السودان ولما يدور في دارفور والجنوب، أجاب عن جميع الأسئلة التي وجهت له. إنه الدكتور محمد المنصفي المرزوقي وهو أول رئيس في العالم العربي يأتي إلى سدة الحكم ديمقراطياً ويسلم السلطة إلى المعارض المنافس بعد انتهاء مدة ولايته. وهو مفكر سياسي تونسي ومعارض سابق لنظام زين العابدين ومدافع عن حقوق الإنسان، وهو مؤسس ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بتونس. حوار: عوضية سليمان ماذا يحمل المرزوقي في زيارته الأولى الى السودان من خلال لقاءات جهات حكومية ومفكرين؟ أولاً أرى أن وضع السودان فيه تحسن كبير مع رفع العقوبات الاقتصادية، وهذا سيرفع السودان الى قائمة الدولة الراعية للاقتصاد والتي تشارك في الاستثمار مع عودة الهدوء تدريجياً لما كان في دارفور، وتابعت هذا الوضع والملف بصفتي حقوقياً وكان الوضع مأساوياً جداً ..ولكن يشغلني وضع الحروبات في دارفور وأتأسف جداً على ما يقع في دولة جنوب السودان من كارثة إنسانة بأجمعها والمفارقة أنهم انفصلوا عن السودان وهم الآن في أمس الحاجة الى اقتصاد السودان، وهذا أثَّر كثيراً على الاقتصاد السوداني. ونزح الجنوبيون الى السودان والآن يبحثون عن اقتصاد السودان بعد الحرب والمجاعة التي ألمت بهم . وتحدث مع المختصين والمسؤولين في حكومة السودان حول هذا الشأن وكان الوعد أنهم سوف يقومون بكل الواجبات حولهم مهما كانت الظروف وما وقع على السودان من انقسام لم يكن بالشعب السوداني وحده ، هناك شعوب أخرى دمرت مثل العراقوسوريا . كيف ترى الوضع السياسي الراهن والسودان يمر بمرحلة جديدة بعد الحوار الطني؟ لا أقول ممتازاً .. ومازالت هنالك عقبات تواجه السياسة وأملي كبير أن تنصلح الظروف من أجل إنجاح الحوار الوطني والشعب السوداني الراقي والمثقف لايستاهل كل هذا الفقر والمصائب التي تلاحقت عليه وآن الأوان أن يخرج من العاصفة وأن يتعافى . الخامس من مارس هي الذكري السنوية لوفاة الشيخ الترابي وهو من الداعمين للحوار الوطني ؟ التقيت الشيخ الترابي بالدوحة وقبل وفاته بعام وأدهشت بإنسانيته ومسؤليته وتمنيت الآن أن يكون موجوداً لأنه دفع بقوة الحكماء في الحوار وتعامل بتنازل الحكماء بمستوى الأفكار والطلبات والقيم وفي المقترحات الساسية وليس بمستوى القيم ، وكان يعمل من أجل التوحد ويدعم من أجل العفو والصلح وهذا ما جاء في قضية الوحدة العربية عندما توحد الاتحاد الأوروبي . كنت رئيساً لتونس بعد الربيع العربي. ماهي الدروس والعبر التي خرجت بها ؟ نحن مفارقتنا بعد عبد الناصر وصدام حسين كنا نتوهم أن تقوم وحدة بين الدكتاتورية وهنالك من لا يقبل الحرب ولايقبل الدكتاتورية مثل سورياوالعراق وكل واحد يريد الحكم له وإن الدكتاتورية العربية كانت سبباً في الحروب الأهلية وهي التي دفعت الى هذه الكارثة التي أدت الى الثورات وهم الذين قادوا الى الثورة وهم من أوصلونا الى هذا الوضع وفي نفس الوقت هم من منعوا كل عوامل الاتحاد لذلك نحن كيف نرى المستقبل وندع كل شعب عربي يبني دولته الديمقراطية الحقيقية من أجل بناء الدولة وبسهولة سوف تتحد الدول العربية وأنت ليس بحاجة الى حلم ومن طبيعة الحكومات الديمقراطية أن تشيد برغبات الشعوب ومن مصلحتها أن تعالج مشاكلها الاجتماعية. لماذا توقفت الثورات العربية؟ لم تتوقف الثورات العربية. الثورة الفرنسية سبعين سنة وهنالك ثورات كثيرة أعادت الملكية الى دولتها. وهل فشلت الثورة الفرنسية بعد عداء أربع سنوات لكن توقفت لحظة وافقتها الثورة المضادة وهي استبداد من منظمومة كاملة متشجرة في المجتمع وهي تحوي المئات من الآلاف ومنظومة مبنية على دولة عميقة وهي تعودت على الفساد على آخره والتخلص من هذه الدولة الفاسدة يتطلب وقتاً ويعتبر هذا درس وما يظنونه أنه هذا قوس أغلق سيعودون وسيكتشفون العكس. لكن هنالك شعوب أخرى لم تتحرك وفشلت وكان دورها صناعة الحدث؟ لظروف مختلفة وكل شعب لديه ظروفه وربما رأى ذلك من فشل الثورات العربية وربما قللت من حدتها. (وإحدى ضربات الثورات العربية بهذه القوة هي ملحمة لم تصبح مثالاً). وغرفة الدوريات العملية هي إحدى أهم المسببات إنها كانت تريد العدوى وتخاف منها إذ لابد من إفشال ذلك وفي آخر المطاف. إن الدول التي لم تقم بهذه الإصلاحات، هي نفسها جالسة على بركان واذا لم تقم بالإصلاحات والضروريات ، سوف ينفجر البركان. نحن نقول للأنظمة العربية التي لم تقم بالثورات نحن لا نريد لكم الثورات ونتمنى أن تقوموا بالإصلاحات الضرورية حتى لا تتكلف شعوب المنطقة ويجب أن نتغلب على المشاكل. والديمقراطية هي نظام حكم يكتشفه الشعب قبلنا والأمم تتبادل بينها الأفكار وهنالك من يقول الخبز قبل الحرية وفي النهاية منعوا عنا الحرية في نفس الوقت لذلك قلنا لهم (أكلوا الخبز وأعطونا الحرية) وهذا ما دعا الصحافة تشتمني ليلاً ونهاراً ومظاهرات لاتنتهي لذلك اكتشفت أن الديمقراطية ليست النظام المثالي. هناك شعوب أخرى لم تتحرك لماذا؟ هذه هي قصة نهاية التاريخ. التاريخ لاينتهي لكن هنالك عناد وإصرار في الحياة وفي الشعوب لذلك لم تحقق شيئاً وأن الشعوب هي من يصنع القرار في بلدان العالم وبالرغم من كل الثورات هنالك ضلع بشري يقودنا الى الهلاك ونحن في التارخ الصعب نمشي خطوة ونتراجع خطوة ونعود بإصرار وهكذا ونحن بدأنا نحلم بهذه الدولة العربية الحرة ولكن لا تحقق كل أحلامنا . ماذا تقول عن تنظيم اليسار بالمنظمات؟ أنا كنت أنتمي إلى اليسار ثم تخليت عنه في الثمانينيات وكنت قومياً وتخليت عن القومية عندما اكتشفت أن الأنظمة القومية أصبحت تتاجر بالقومية وأنها أنظمة استنادية وأصبحت غير قومية حينما دخلت الحركات اليسارية كان بالأساس أن تكون لليسار قضية اجتماعية وأنا كنت من عائلة فقيرة وقضيتي هي الإصلاح الى أن أصبحت طبيباً أعالج الفقراء من خلال الطب الاجتماعي والقرى الفقيرة ومع المعاقين كانت هذه يساريتي ليس الصراع مع الإسلاميين ولاتهمني قضية الصراع والآن لم تُعرف هويتي واذا عُرفت كنت قُتلت من عشر سنين واكتشفت أن اليسار في العالم العربي ارتكب خطأً مما أدى الى الكُره واليسار جزء لايتجزاء من المنظومة الحاكمة ، واليسار خسر كثير من مكانته ودوره وأنا مقتنع إنك لا تغير شعب إلا اذا كنت مندمجاً معه في أفكاره ومنه وإليه، ونحن نريد استقراراً حقيقياً دون صراعات وهنالك قوانين وانتخابات دورية والحركة السياسية تريد الصلح والحركات الإسلامية فشلت فشلاً ذريعاً في الجزء العسكري في كل الدول الهند والصين كانوا إرهابين في الكُره الإسلامي وهذه نتائج كارثية للحركات الإسلامية المدنية تصح أو لا تصح وتخضع الى موجات أخرى وأن الموجة الاشتراكية والشيوعية هي التي حكمت العالم وانحسرت وذهبت أين هي الآن؟ والموجة القومية أين هي؟ والوطنية أين هي؟، إن التاريخ لا يتوقف وتأتي تيارات تؤيد هذا الحكم واحتمال تفشل او تنجح وتأتي حركات سياسية أخرى. كيف ترى منظومة حقوق الإنسان في العالم؟ لست مدافعاً عن حقوق الإنسان وليس لي دخل بالاستقطاب الثاني ولا أريد أن أطرح المسألة آمنوا بما تريدون وألبسوا ما تريدون) هذا حق من الحقوق الشخصية وعندما نجلس نتباحث عن المجتمع لا يجب أن يكون وهنالك قانون يجبأن نتفق عليه وهو أن هنالك اعتراف بالمنظممة القائمة الموجودة وأن الكثير من اليسار فقد قيمته لأنه قلب الأيدلوجي عن الاجتماعي وأيضاً الحركات الإسلامية يمكن أن تفقد كل الألق بنفس السبب لك الحق تفكر في ما تريد وهنالك إطار اتفقت عليه كل الشعوب وهو حقوق الإنسان . كيف تنظر الى دور الحركة الإسلامية ؟ فصل الدعوة عن السياسيين هو اعتراف بأن الحركة الإسلامية كانت على خطأ وكانت تخلط ما بين السياسة الأيدلوجية والسياسة هي فن التعامل مع مشاكل المجتمع والتفاهم مع الطرف الآخر الذي لاينتمي الى كيان سياسي وهنالك من له هاجس أنه على حق والآخر على باطل وأن الآخر عدو لا يفهم شيء وأن الآخر مخطئ ، ولا يمكن أن تمارس السياسة إلا اذا كانت عندك أهداف ورؤية وتعامل مع الخصم أكثر من أن تتعامل مع صديق وفن السياسة فن إدارة الصراع مع الخصم ويطلب منك هذا الكثير. أما اذا كنت مسؤولاً بهاجس ليس كل من مثلك هو عدوك وهذا قد يؤدي بك الى الأخطاء القاتلة التي نحن بها الآن ونحن على سباق في العقول والقلوب واليساريين يقولون ما شاءوا ونحن نقول العكس وفي آخر المطاف سوف تجد مجتمع فيه كل الصراعات والألوان . من كانوا قائمين على أحداث الثورات العربية أحلامهم قد تبعثرت وفقدوا الكثير من مستقبلهم ؟ الحكومات ليس هي ضد العنصرية مع العرب ولكن بعض منها وبعض الدول هي تريد استعمارنا وهنالك معارضة كثيرة تعارض السياسات مثل معارضة ترامب ومما يؤدي الى صراح الحضارات واذا دخلنا في ذلك فهنالك شر لا ينتهي ونحن نعول على الجانب الاجتماعي عوضاً عن السياسي، لا يكن أن يكون هنالك استقرار اجتماعي واقتصادي في ظل عدم استقرار السياسة وهو هذا الشرط الأساسي والجوهري .