يتفق الدبلوماسيون والأكاديميون – على حدٍ سواء- بأنه من الصعوبة بمكان، التنبّؤ بما يمكن أن يجترحه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من أفعال، أو ردات فعول، حيال كافة القضايا المطروحة داخلياً وعالمياً. حيث يمثل ترامب منذ وصوله ظاهرة استحال فك شفرتها وسبر غورها، وأمامها تتهاوى كل التحليلات والقراءات مهما بدت رصينة وموضوعية كقصور من رمل. ووصل المرشح الجمهوري للبيت الأبيض، بعد أيام فقط من قرار سلفه باراك أوباما القاضي برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان منذ العام 1997م. وعليه فإن غلالة من الشكوك تحيط بإمكانية وصول البلدين لمرحلة التطبيع، جراء سياسات ترامب الفجائية المقروءة بمهلة ال 180 يوماً الممنوحة للخرطوم لإثبات جديتها في التعاون ضمن (5) ملفات تشمل مكافحة الإرهاب، ومحاربة جيش الرب، والمساعدة في استقرار دولة جنوب السودان، ولعب دور إقليمي موجب في المنطقة، علاوة على وقفٍ لإطلاق النار في كل من دارفور والمنطقتين "جنوب كردفان والنيل الأزرق". ولبحث مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية، استضاف مركز دراسات المستقبل، بمقره في الخرطوم، ندوة عن "مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية" في ظل حضور ثلة من القادة الحكوميين والخبراء، وموفدي أجهزة الإعلام. وقدّم الورقة الرئيسة في المنتدى، مدير مركز سوار الذهب للدراسات والديمقراطية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، د. أسامة بابكر أبو راي. اطمئنان نبَّه وكيل وزارة الخارجية، عبد الغني النعيم، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعلى خلاف ما يتصور كثيرون، يتحرّك وفقاً لخطى مدروسة، ترتكز على المصالح والأمن القومي الأمريكيين. معرباً عن ثقته التامة في أن تقود كفاءة ومهنية التنفيذ من قبل أجهزة (الخرطوم واشنطون) لتتويج التعاون المشترك برفع تام للعقوبات الأمريكية، وقال: (كل القضايا المطروحة نستطيع أن نقدم فيها)، وأردف: (صحيح إن الطريق ليس مُمهداً بالكلية، ولكن الفرص كبيرة). وقطع عبد الغني بأن المفاوضات التي أسفرت عن رفع جزئي للعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان، لم تتطرق مطلقاً لتقديم تنازلات دينية. وقال: (خلال ستة أشهر من المفاوضات بين الطرفين، لم ترد كلمة الإسلام لا من قريب ولا من بعيد، وإنما هي أجندات واضحة ومطلوبات محددة)، مضيفاً بأن هدفهم انصبَّ على تحقيق المصالح القومية السودانية التي تعود بالنفع على المواطن. وكان عبد الغني رفض بشدة الأقوال الناحية لتقديم الخرطوم تنازلات تتصل بمرجعيتها الإسلامية كثمنٍ للتطبيع مع الولاياتالمتحدة. وقال: (ما هو قائم تجربة بشرية، ذات مرجعية إسلامية وطنية، أسهمت وقدّمت نموذجاً حتى في الاعتماد على الذات، والتحاور مع الآخرين)، وتابع: (نحن في أسعد حالة، ونقدّم سياسة خارجية فيها عزة واعتماد على الذات ولو قلَّ المعين). مشدِّداً على أن التعاون الأمني بين (الخرطوم واشنطون) ذو اتجاهين، وفي الصدد أشار إلى فوائد كبيرة عادت عليهم إثر هذا التعاون، وقال: (اكتشفنا بعض المعلومات الضرورية، بل القاتلة، في حال لم نتحصل عليها)، وفي الصدد، امتدح عبد الغني جهود جهاز الأمن والمخابرات الوطني، واحترافيته في أداء المهام الموكلة إليه. وللتأكيد على التحوُّلات التي تشهدها، كشف الوكيل عن زيارة جديدة لوكيل وزير الخارجية البريطاني للخرطوم الشهر الحالي، منبهاً إلى زيارة مرتقبة لمكتب (أوفاك) إلى الخرطوم لتقديم شرح للبنوك السودانية بموازاة انعقاد مؤتمر اقتصادي في نيويورك لشرح الفرص المتاحة للاستثمارات في السودان، منوهاً إلى أن التحدي الحقيقي في خلق مشروعات كبيرة ومدروسة يتم تقديمها للجهات الخارجية. وأشاد الوكيل بمستوى علاقات السودان الخارجية، وقال إن علاقة الخرطوم مع جوارها طيبة وجيدة، وينظر إليها كعاصمة لها القدرة على تحقيق الاستقرار في كامل المنطقة، متعهداً بمضيهم قدماً في طريق السلام والاستقرار، مذكّراً برفع تمديد وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر. مطلوبات أكد وزير الدولة بالمالية، د. عبد الرحمن ضرار، أن خشية الولاياتالمتحدةالأمريكية من تغلغل الصين وروسيا في القارة الأفريقية، يعتبر أحد أهم عوامل رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية جزئياً عن السودان. مشبهاً مهلة الستة أشهر التي منحتها واشنطون للخرطوم قبل رفع الحظر بصورة كاملة، ب "فترة الخطوبة" وقال: (بيقولوا لينا في فترة الخطوبة إياكم وزيارة الصين، وما في مسؤول كبير يمشي الصين). وكشف ضرار عن تدافع الشركات الأمريكية للاستثمار في السودان، وقال بوصول عطاءات أمريكية للشركة السودانية للاتصالات "سوداتل" في دولة موريتانيا، علاوة على دخول عائدات تصدير محصول القطن إلى الولاياتالمتحدة في خزائن بنك السودان المركزي. وفي منحى ذي صلة، استهجن ضرار التساؤلات الاستباقية بشأن الخطة (ب) لدى الطرف الحكومي في حال تمديد العقوبات مجدداً، ورد ضاحكاً: (لو ما رفعوا العقوبات، نقول ليهم خلوا الإنقاذ ورجعونا محل لقيتونا) قبل أن يستطرد بضرورة تعزيز ما تم تحقيقه بخطى اقتصادية عملية تربط الوكالات والشركات والبنوك السودانية بنظيرتها الأمريكية. وفي سياق ذي صلة، قدّر ضرار حجم الخسائر الناجمة عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية بما يفوق (48) مليار دولار، وقال إن ذلك رقم يفوق الدين الخارجي للبلاد، منادياً بالعمل على زيادة حصص وكالات التنمية اليابانية والتركية للسودان، لأجل تعويض خسائر العقوبات وقال: (ما بنقدر نقول للأمريكان عوِّضونا). تقديم الاقتصاد نادى وزير المالية الأسبق، الخبير الاقتصادي، د. عبد الرحيم حمدي، بتعزيز علاقات السودان والولاياتالمتحدة، بتقديم مشروعات اقتصادية تتضاءل أمامها المشروعات السياسية. لافتاً إلى أن اعتراضات نقلها بعض من المبعوثين الأمريكيين للخرطوم في الفترة الماضية، جراء علو الصوت السياسي لقضايا كان ينتظر مناقشتها في الغرف المظلمة (على حد تعبيره). بدوره طالب رئيس القطاع الاقتصادي، بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، حسن أحمد طه، بإيلاء قضية الدين الخارجي أولوية ولكن أشار إلى أن ذلك يستدعي عملاً في كافة المحاور (الصين، البنك الدولي، نادي باريس). عقلانية ابتدر النقاش في الجلسة بورقة قدمها مدير مركز سوار الذهب للدراسات والديمقراطية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، د. أسامة بابكر أبو راي، حملت اسم (مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية). وطوف أبو راي في جذور العلاقة بين البلدين، ومنحناها صعوداً وهبوطاً، وانتقد تبني الحكومة بواكير عهدها لشعارات معادية لأمريكا من دون أن تكون مهيأة لردة الفعل سواء في المستوى السياسي أو الاقتصادي. مطالباً الخرطوم بانتهاج نهج عقلاني موضوعي خلال فترة المهلة الأمريكية، على أن يتم التأسيس لخطى التطبيع عن طريق مؤسسات وليس بواسطة الأفراد.