دون سابق إنذار صدر مرسوم رئاسي بالرقم (36) تم تعميمه على مجلس الوزراء والجهات المسؤولة بشأن من تم تعيينهم في مناصب بمخصصات مساعد رئيس، وزير اتحادي أو وزير دولة بأن التعيين تم بحسب المخصصات، وليس بالدرجة الوظيفية ، ووجه المرسوم الجهات المختصة بتعديل كل من تم تعيينه بالدرجات المذكورة ليصبح قرار التعيين بمخصصات المنصب وليس درجته. ولم تمض فترة طويلة حتى صدر مرسوم رئاسي بالرقم (38) استثنى بموجبه تطبيق المرسوم الجمهوري رقم (36) ، لسنة 2017م ومعني بذلك القرار الجمهوري رقم (422) وهو الذي عين بموجبه الدكتور عوض الجاز مسؤولاً عن ملف الصين بدرجة مساعد رئيس الجمهورية في فبراير العام 2016م .. فما سر استثناء الجاز ؟ الجاز وآخرون كان رئيس الجمهورية قد أصدر قرارات سابقة بتعيين رؤساء لجان ونوابهم بالبرلمان ومسؤولين من ملفات داخلية وخارجية بمخصصات دستوريين، وأصبحت الصفة الدستورية تطلق عليهم وهو ما تم حظره في المرسوم الرئاسي رقم (36). يعد الجاز من أبرز الشخصيات التي شملها القرار، كونه عين في أرفع منصب وهو مساعد رئيس ولذلك اتجهت الأنظار نحوه ، لكن الاستثناء – والذي كان متوقعاً – والذي سمح له باستخدام الصفة التنفيذية كمساعد رئيس، جاء سريعاً وأبعد سفينة الرجل من الشواطئ التي حظرت فيها سفن آخرين من أمثال المدير التنفيذي لصندوق دعم وتنمية الشرق أبوعبيدة دج والذي هو معين بدرجة وزير دولة. يحظى الجاز بثقة فوق المعدل، من جانب الرئيس البشير، إذ يعد من أبرز رجال الإنقاذ وأكثرهم قوة وشراسة، وتولى ملفات مهمة وخاصة في التنظيم قبيل قيام الإنقاذ وبعدها، ويعد واحداً ممن كتموا أسرارها وهو من الشخصيات التي استوزرت لسنوات طويلة، حيث تولى حقيبة الطاقة في الفترة من (1995-2008)، وغادر بعدها لوزارة المالية ثم عاد إلى النفط مرة أخرى قبل مغادرته السلطة. رياح التغيير ومع أن رياح التغيير التي هبت بقوة ، في أواخر العام 2013م جعلت سفينة الجاز تبتعد عن شواطئ (السلطة) ، ومعه عتاة رجال الإنقاذ في الحكومة والحزب من أمثال النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه ومساعد الرئيس الأسبق د. نافع علي نافع ، إلا أنه عاد مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، ممسكاً بملفات حيوية وقوية وذات صلة بدولة لها وزنها وثقلها العالمي – الصين .. وقد ذهبت بعض التفاسير في اتجاه أن الجاز تغول على ملفات بعض الوزارات ، وتباينت آراء دوائر شبه رسمية إزاء تعيينه وقد سارع الجاز بما عرف به من ذكاء للقاء وزير الخارجية إبراهيم غندور بعد أيام من تعيينه مسؤولاً عن ملف الصين ونفى حينها حدوث تقاطعات بين مهامه ووزارة الخارجية. لكن الرئيس أكد ثقته في الجاز مجدداً، وبشكل كبير جداً وربما بخلاف ما كان متوقعاً حيث وسع صلاحياته وأسند إليه ملف الهندوروسيا والبرازيل. فكانت عودة الجاز وبهذه القوة إشارة صريحة لكسر طوق (التغيير) والذي بموجبه غادرت قيادات نافذة سدة الحكم. تعيين الجاز دلالة على قربه من دائرة صنع القرار وتحديداً حظوته بثقة الرئيس، ومن المرجح أن التدارك الذي تم باستثناء الجاز والسماح له باستخدام الصفة التنفيذية – كمساعد رئيس – بأنه بعيد عن دوائر الصراعات، خاصة وأن هناك تنافساً محموم نحو المناصب – إن لم يكن صراعاً – اشتد بعد العام 2013 وهي مرحلة من الممكن تسميتها مرحلة الجيل الثالث في الإنقاذ حيث ظهرت شخصيات جديدة في السلطة والحزب ، لن تقبل بالتراجع مرة أخرى للصفوف الخلفية ، وبعضها تقدم الصفوف وبشكل مذهل ، ربما يكون هو نفسه غير مصدق وبالتالي مع وضع كهذا تعتبر عودة الجاز خصماً على أولئك وتحجيماً لدورهم ومهامهم.
نقاط القوة واضح من قرار إعادة الجاز العام الماضي والتأكيد الآن بأحقيته بالاحتفاظ بالصلاحيات إلى جانب المخصصات والتي بالطبع لا يتوقف عندها الرجل الآن ، أنه لم يكن مستهدفاً في إطار ثورة التغيير في العام 2013م، وأن الحاجة إليه الآن كبيرة للاستفادة من خبراته وعلاقاته، خاصة بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية. في تقديري أن عودة الجاز لها بعد آخر ، كونه من الشخصيات القليلة جداً حالياً التي يستأنس الرئيس بآرائها ويستشيرها في كثير من القضايا – هذا على الصعيد الداخلي – إلى جانب انشغال الرئيس بأهمية تطوير علاقات البلاد مع دول كبرى ومهمة مثل الصين في المقام الأول ثم روسياوالهند والبرازيل، والجاز هو الأنسب لذلك وكان قد تلقى تكريماً من دولة الصين ضمن أفضل عشرة شخصيات ناجحة في العالم في كافة المجالات الاقتصادية والعلاقات الدولية. الاستثناء الرئاسي رسالة بأن الجاز ، ليس محل شك ولا يزال يشتعل حيوية ، وأن الرئيس فتح له (بلف) السلطة على الآخر وإشارة إلى أنه محل ثقة، ما قد يؤهله أن يكون له دور أكبر في المرحلة المقبلة.