يستغرب المواطنون كيف اندفعنا في حرب اليمن فنرسل آلاف الجنود فيموت عدد كبير في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ورغم ذلك لا نجد من الدعم المالي كما وجدته مصر لم ترسل جندياً واحداً لليمن وتتلقى دعماً بعشرات المليارات من الدولارات في حين لا يلقى السودان إلا الفتات؟. يعتقد كثير من المراقبين إن ما يحدث في اليمن والوقوع في مستنقعه يشبه إلى حد كبير ما حدث لصدام حسين حين استدرج للدخول في حرب استنزاف طويلة مع إيران ثم في غزوه الجائر والظالم للكويت كلفت الشعب العراقي ودول الخليج العربي أموالاً هائلة وتدخلاً دولياً ضاراً.. ولا شك أن السودان سوف يتأثر مما حدث ويحدث في اليمن والخلافات الخليجية.. هذا السودان قدم منذ القدم الكثير للعرب أكثر مما نال منهم وما يشيعونه خطأً.. بهذه المناسبة يحضرني موقف صارم لوزير خارجيتنا الأسبق السيد محمد ميرغني مبارك كتبه السيد إبراهيم منعم منصور في مذكراته التي نشرها مؤخراً قال إن محمد ميرغني حضر مؤتمر وزراء الخارجية العرب في تونس بعد تحولها من القاهرة عقب مقاطعة العرب لمصر السادات بسبب اتفاقية كامب ديفيد وعندما استمع إلى ما قاله بعض وزراء الخارجية العرب في تلك الجلسة من أنه إذا لم تسدد أية دولة عربية التزاماتها المالية للجامعة فيجب تجميد عضويتها!! فصدم الوزير وطلب الكلمة وجاء رده كالصاعقة قائلاً لهم إنه فهم أن الحديث عن عدم الالتزام المالي موجه للسودان واليمن والصومال وموريتانيا ولكنه يريد التحدث عن نفسه وعن بلده السودان بالقول إنه غير عربي فهو نوبي ووالده لم يكن يعرف العربية وتعلمها فقط ليكسب عيشه ووالدته تجهل العربية. وهناك قبائل في غرب السودان ليست من عنصر عربي، أما (الفزي وزى) في شرق السودان فهم البجا من أصل حامي ولهم لغتهم الخاصة، أما الجنوب فهو ليس عربياً كما يعرف الوزراء العرب. وأن من أدخل السودان في الجامعة العربية فهم أهل الوسط. وقد دفع السودان بمتطوعين لفلسطين عام 1948، وأرسل لواء عسكرياً للكويت عندما هاجمها العراق تحت حكم عبد الكريم قاسم وأرسل لواء عسكرياً للدفاع عن مصر واستقبل طائرات عسكرية مصرية حماية لها من الضربات الإسرائيلية. وقبل ذلك كان السودان يرسل سنوياً المحمل وكسوة الكعبة المشرفة للحجاز، هذا غير موقفه في مؤتمر الخرطوم حين صالح القاهرة والرياض بسبب حرب اليمن لأن السودان كان محايداً بين مصر والسعودية. ونالت دول المواجهة بسبب مؤتمر الخرطوم دعماً مالياً كبيراً من دول البترول. ثم رمى الوزير ميرغني بقنبلته قائلاً لهم: أما عندما يتحدث الوزراء العرب عن جامعة عربية أشبه (بشركة المساهمة المالية) فإنه كوزير خارجية السودان يعلن انسحاب السودان من هذه الجامعة ثم خرج فوراً من الجلسة غاضباً تحت دهشة الوزراء العرب واضطرابهم!! لم يرجع ميرغني لمقعده في الجامعة إلا بعد أن ذهب له الوزراء في غرفته يعتذرون بشدة ويتأسفون وبأنهم لا يقصدون.. وعندما قدم ميرغني تقريره للنميري عند عودته قال له النميري عندي سؤال: لماذا رجعت لهم؟.