يقول أحد التجار بالخرطوم، إن السلع تصل للمواطن بعد مرورها على خمسة وسطاء، هذه الجزئية الموجزة، توضح لأي مدى أسهم الاحتكار في خلق ندرة في بعض السلع وارتفاع غير مبرّر ودون مقدمات في البعض الآخر، ورغم شروع الدولة في اتخاذ إجراءات لضبط الأسواق من بينها قانون المنافسة ومنع الاحتكار، إلا أن الاحتكار ما يزال ماثلاً وتتم ممارسته رغم جهود المكافحة، وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن انعدام المنافسة والقصور الذي لازم تطبيق التحرير الاقتصادي شجع بعض التجار على ارتكاب تجاوزات. محتكرون وكان وزير الصناعة والتجارة، د. موسي كرامة، صريحاً وهو يتحدث أمس الأول في منتدى الأسعار والأجور الذي نُظم بوزارة التعليم العالي، وأعلن وضع الوزارة ضوابط لمنع الاحتكار في قطاع صناعة السكر تشمل وقف العطاءات ومنح التصاديق للنقابات والتنظيمات بعقود آجلة لمدة عام، بجانب منح تجار السكر "30" طناً بدلاً من "10" آلاف طن في الأسبوع، مشيراً لسيطرة "6" أشخاص من بينهم سياسيون على تجارة السكر والتمويل المصرفي بجانب (11) شخصاً يحتكرون تجارة الاسمنت وصناعة الجلود. تفاصل القول إن شئنا الاستزادة من حديث الوزير، سنجده يعزو الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد ل "خلل في مستوى اتخاذ القرار" بحسب ما قال، ووصف واضعي سياسة التحرير الاقتصادي بالجهلة، منتقداً فوضى الأسعار وغياب الرقابة الحكومية على الأسواق، وطالب بضبط الأسواق وتعديل قوانين الحكم الاتحادي، وتفعيل قوانين الرقابة على السلع، بجانب توحيد الأسعار، لمقابلة الزيادات التي وصلت في بعض السلع لنسبة "200%". وقال إن هنالك خطأ كبيراً في تطبيق قانون الاستثمار، لجهة أن المستثمرين الأجانب يتم تمويل مشاريعهم من البنوك التجارية بالدولار، معتبراً أن هذا عبئاً كبيراً على الدولار، داعياً لدراسة أثر الخطوة على الاقتصاد. احتكار رغم القانون في العام 2009م، أجاز مجلس الوزراء قانون المنافسة ومنع الاحتكار وبموجبه تم تكون مجلس المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رسمياً في العام 2013م، ومن أهم سلطات وصلاحيات المجلس التأكد من أن المنافسة في جميع الأنشطة الاقتصادية مهيأة ومتاحة، وليس هنالك احتكار يضر بالمستهلك وجميع الأطراف التي يمكن أن تستفيد من سلعة أو خدمة، ومنذ ذلك الوقت، مارس نشاطه بداية بمحاولة لنشر ثقافة المنافسة وشرح قانون المنافسة ومنع الاحتكار في الولايات والمركز، لكن محصلة جهوده لم تشمل تغييراً جوهرياً، حيث ما تزال الممارسات الاحتكارية مستمرة، كما لم يجز المجلس الوطني قانون حماية المستهلك، وأوجد غياب القانون فرصة لبعض التجار للقيام بتجاوزات. ملاحظات لمجلس المنافسة رئيس مجلس المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، بروفيسور حسن عباس، أقر بوجود ملاحظات للمجلس على بعض الممارسات بالسوق، لكنه عاد ليقول ل "الصيحة" إن الجزم بوجود جهات سواء أفراد أو شركات يقومون بالاحتكار تحكمه معايير ومقاييس علمية محددة يتم الحكم عبرها وليس بمحض ملاحظات عامة، ولم يستبعد وجود اختلال في المنافسة التجارية واحتكار من البعض، وقطع بأن المجلس سعى لجعل المنافسة واقعاً عبر حزمة موجهات منها العرض والحصول على السلع عبر إجراءات واضحة ومعلومة، وعن وجود الحكومة بشركات تعمل في السوق، قال: ذلك نوع من الإخلال بعدالة المنافسة، لأن العمل التجاري من مهام القطاع الخاص الذي يمكنه التنافس في التجارة دون تمييز جهة على أخرى. آراء جريئة عُرف كرامة بالصراحة والوضوح في تصريحاته، وسبق للوزير غير مرة انتقاده سياسات الحكومة، ففي العام الماضي هاجم سياسات البنك المركزي ووصفها ب "الفاشلة"، وطالب بتعديلها، كما كان صريحاً وهو يتحدث بالبرلمان حول مصانع السكر وما يواجهها من صعوبات. وقريباً من ذلك، سبق أن جهر وزير التعاون الدولي السابق، إدريس سليمان بحقائق شبيهة بما قاله زميله كرامة في المؤتمر الشعبي، فالوزيران دفع بهما حزبهما في التشكيل الحكومي إثر التوقيع على وثيقة الحوار الوطني. حينها كشف سليمان عن وجود 10 تجار عملة يسيطرون على كل الدولار السوداني، وقال إن دولار الصادر يذهب ولا يعود، ودولار الذهب كذلك، ودولار المغتربين كذللك، موضحا أن هناك تجاراً يعملون في أوساطهم ويقومون بشراء دولاراتهم وينتظرون المؤسسات لشراء الدولارات منهم خاصة إبان المقاطعة الأقتصادية التي كانت تفرضها الولاياتالمتحدة على السودان، كونها لا تسمح للمصارف السودانية باللعمل مع المصارف العالمية. شركات الحكومة رغم القوانين وتوصيات وثيقة الحوار الوطني بخروج شركات الحكومة من السوق، إلا أن الشركات الحكومية ما تزال مستحوذة على قطاعات اقتصادية مهمة وذات عوائد ضخمة كسوق التأمين على سبيل المثال، كما تستحوذ شركات مملوكة لأفراد في الحكومة وإن تحت ستار لكونها غير مسجلة بأسمائهم على نصيب وافر من العطاءات والمشتروات الحكومية، وهو ما يعده خبراء ومختصون نوعاً من الإخلال بالمنافسة. اختلال بائن الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبد المنعم، يقلل مما يقال عن رعاية الحكومة للمنافسة التجارية، مشيراً في حديث ل "الصيحة" أمس، لوجود دلائل واضحة على انعدام المنافسة، وعن الاحتكار قال إنه لا يحتاج لتوضيح بحسبانه مما يتناقله حتى صغار التجار عن ظاهرة الوسطاء في السلع.