كتبت من قبل مرات عدة، عن قرصنة الكتب، ونشرها مجانا في الإنترنت، وأنها عمل غير مشروع يعود بالضرر الكثير على مؤلفي تلك الكتب وناشريها وموزعيها، خاصة إن كانت لمؤلفين لا يعملون في مجال رزق آخر، وينتظرون عائد تلك المؤلفات التي يحترقون كثيرا، وينزوون في عزلة تامة من أجل إنجازها. وعلى الرغم من أن حقوق المؤلفين في الوطن العربي، هي الأدنى في كل الأوطان، كما هو معروف، إلا أن شيئا ما، أفضل من لا شيء، وما تدره الكتب من عائد بسيط، قد يكون دعما معنويا لأي كاتب حتى لو كان ممتلئا بالمال، ولا حاجة له لقروش الكتب. نعم ما يأتي من كتاب يرسم بلا شك ابتسامة على شفتي مؤلفه، ويرسم أملا أيضا. الذي يحدث أن القرصنة الإلكترونية ما تزال مستمرة، وهناك من الذين يقومون بمهمة تصوير تلك الكتب، أو إعادة كتابتها، ونشرها بعد ذلك، يبدو أنهم استعذبوا لعبة إغلاق المواقع بعد زيادة التبليغ عنهم، فيقفزون بكتبهم المزورة إلى مواقع جديدة، كلما ضاعت المواقع القديمة. ولو تساءلنا عن العائد الذي يجنيه أولئك المنكبون على تزوير الكتب إلكترونيا، وهذا أمر يحتاج لوقت كبير، فلن نعثر على شيء، ذلك أن الكتب تعرض مجانا، لمن يريد تنزيلها. هو فقط إثم من آثام الإنترنت، لا بد سيرتكبه أحد، وما دام ثمة آثام هنا وهناك، فلا بد من آثمين، تماما كفعل الخير الذي لن يفعله إلا خيرون. في أحد المرات وكنت أتجول في تلك المواقع، بغرض الاستنارة، عثرت على عدد من رواياتي منشورة، وقد كتب عليها: «طبعات مزيدة ومنقحة، حقوق النشر خاصة بالموقع، ويحظر إعادة نشر هذا المحتوى، في مكان آخر». لقد بدت لي تلك الجملة مضحكة فعلا، فالطبعة المزيدة والمنقحة، تعني أن كتابا ما وغالبا كتابا تربويا أو فيه بعض الأفكار العلمية والإرشادية، قد أعيدت طباعته مرة أخرى، بعد أن أضاف إليه المؤلف أفكارا جديدة، وفصولا لم تكن موجودة في الطبعة السابقة، واستفاد من الملاحظات التي قيلت عن كتابه، وصحح الأخطاء، ولن تكون الرواية المقرصنة مزيدة ومنقحة حتى لو أعيدت لكاتبها، لأنها قصة تمت روايتها وانتهى الأمر، وبالنسبة للحقوق الخاصة بالموقع، والتحذير من إعادة النشر، فهذا ترف ساخر بلا شك، فلا شيء يمنع قارئا أنزل إلى جهاز حاسوبه نصا مسروقا، من إعادة سرقته ووضعه في أي مكان، أو إرساله لمن يحب. قلت إن الأمر يبدو مضحكا، لكن في الحقيقة، حين تكمل الضحك، ستحس بالأسى فعلا، الأسى من» قوة العين» كما يسمونها، أن تسرق شخصا، وتحذر الآخرين من إعادة السرقة، أشياء كنا نعدها فانتازية، وغدت عادية تماما، وأذكر أنني كتبت في إحدى رواياتي، عن اللصوص الذين يسرقونك في الليل، ويبيعونك أشياءك المسروقة في النهار، الفرق هنا أن لص الكتب لا يبيعك كتابك، هو يهديه إليك وإلى ملايين آخرين في تلك الظاهرة التي لن نعثر على تفسير أو حل لها. الجديد في موضوع قرصنة الكتب، أن أحدهم أنشأ موقعا كبيرا ضم عشرات الآلاف من الكتب، مع فهارس منظمة، وأسماء الكتاب موضوعة بطريقة يسهل العثور على إنتاجهم فيها، وكتب في أعلى الموقع: إن هذا الجهد الكبير هو وقف لروح والدي، عليه الرحمة، أدع له وأنت تعثر على كتابك وتقوم بتنزيله. حقيقة توقفت كثيرا عند وصف صاحب الموقع لحصيلة نشره غير الشرعي بجمل شرعية جدا، ومفهومي عن الوقف، هو التبرع بعائد شيء تملكه مثل أرض تزرع سنويا، أو عقار يدر دخلا ثابتا، عربات مؤجرة، تأتي بحصيلة جيدة. التبرع بذلك لصالح أيتام أو معوزين، من دون أن يمس المالك شيئا من العائد، أعتقد أن هذا هو الوقف، ودائما ما أشاهد أبراجا وعمارات ضخمة، في مدن كثيرة، كتب عليها أنها وقف للأيتام، وبناء على ذلك التعريف المنطقي، لن يصبح موقع الكتب غير الشرعي وقفا أبدا، والذي سيعثر على كتاب، سيقوم بتنزيله على عجالة، خوفا من إغلاق الموقع، ولن يتذكر أن يدعو لأحد دعوات صالحات، أفضل ما سيفعله هو أن يبتسم أو يحس بشيء من الاستغراب، لأن عبارة غير مألوفة صادفته وهو يسعى لقراءة كتاب مجانا. في الحقيقة الموضوع برمته يبدو معقدا، والإنترنت كما أصفها ولعل كثيرون يشاركونني الوصف، هي شارع كبير فيه كل مواصفات الشوارع، أي فيه من يحييك ومن يشتمك، ومن يتلصص عليك ومن يشاركك طعامه، أو يخطف طعامك، هناك أصدقاء في الشوارع وأعداء أيضا، هناك لطف، وهناك كلمات نابية، وصعلكة، وكثير من الترف الشوارعي، وما دمنا نسير في ذلك الشارع الكبير، سنصادف الكثير من الغرائب، ولن نستطيع التحكم في شيء. أعرف أن متضررين من مسألة سرقة الكتب هذه يعملون بجدية في إيجاد حلول طيبة للجميع، بحيث يستطيع القراء أن يقرأوا إلكترونيا بطريقة شرعية تماما، وتبدو تطبيقات الهواتف الأندرويد مثلا، حلا، لكنه حل في غاية الرومانسية، فليس كل الناس يملكون هواتف ذكية، وكثيرون جدا ينزلون الكتب في أجهزة حاسوب موجودة في البيوت أو الجهات التي يعملون فيها. وقد قلت مرة أن طبعات شعبية رخيصة للكتب قد تشد الانتباه، مثلا أن لا يباع الكتاب بأكثر من دولارين، لكن دور النشر لا تحب الطبعات الشعبية، ويرون أنها لن تعجب القارئ، الذي لن يقتني سوى الكتب المطبوعة بفخامة. بالنسبة لي لا يهمني أن كلف كتابي دولارا أو عشرة دولارات، المهم أن لا يضطر القارئ إلى إعادة كتاب يشتاق إلى قراءته، إلى الرف في أي مكتبة أو معرض للكتب، والركض نحو الإنترنت للبحث عنه مجانا.