يتوجه رئيس مجلس الوزراء محمد طاهر إيلا إلى الدوحة في زيارة هي الأولى له لخارج البلاد عقب توليه منصب رئاسة الحكومة. وتأتي الزيارة في إطار اجتماعات اللجنة العليا السودانية القطرية المشتركة 21-24 مارس، ورغم الإعلان عن فحوى الزيارة فإن ما يُلقي بظلالٍ أخرى عليها هو المشهد السياسي السوداني مُنذ ال19 من ديسمبر، فزيارة إيلا المرتقبة سبقتها زيارات مسؤولين إلى دول أخرى في المنطقة تمثل محاور متضادة، لتمضي القراءات نحو محاولة السودان البقاء متوازنًا على حبل العلاقات الدولية المتأرجحة. زيارة إيلا بحسب وسائل إعلامية ستناقش جملة من القضايا وبرامج العمل دعمًا لمسيرة علاقات البلدين المتطورة وتحقيق المصالح المشتركة بين الشعبين، كما سيتم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. جديرٌ بالذكر أن قطر كانت أيضًا محطة الرئيس البشير في أول زيارة خارجية لهُ منذُ اندلاع الاحتجاجات، الزيارة وصفت وقتها ب(العادية) وفي إطار العلاقات الثنائية فيما مضت آراء لوضعها ضمن إطار الأزمة الاقتصادية والحراك الذي شهدتهُ البلاد مؤخرًا. زيارة إيلا التوقيت الذي يصاحب زيارة رئيس الوزراء إيلا لقطر لا يختلف كثيرًا عن الزيارات التي قامت بها قيادات من الصف الأول وإن اختلفت الوجهات. ويرجح المحلل والكاتب المهتم بالشأن الإفريقي محمد مصطفى جامع في حديثه ل(السوداني) أمس أنها محاولة لطمأنة الأصدقاء وكسب ودهم في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد خصوصًا عقب ما راج عن أن الحكومة السودانية أصبحت أقرب لمحور السعودية مصر مؤخرًا مشيرًا إلى أن هذا أدى إلى توتر في العلاقات مع إثيوبيا وقطر، وأضاف: زيارة إيلا لقطر هي محاولة لتدارك الخلل في مسار العلاقات مع قطر وإثيوبيا فالعلاقات السودانية القطرية أصابها بعض الفتور منذُ زيارة الرئيس البشير إلى سوريا. وعلى الرغم من أن قرار إيقاف رحلات القطرية من وإلى الخرطوم هو قرار تجاري في المقام الأول إلا أن جامع يرى أن القرار لا يخلو من الأبعاد السياسية. حسابات خارجية قطر بطبيعة الحال ليست خارج الحسابات الإقليمية والدولية. ويشير أستاذ العلاقات الدولية راشد محمد علي في حديثه ل(السوداني) إلى أن دور قطر الإقليمي يشهد نموًا وازدهارًا إلى جانب عمل قطر على مرتكزات تختص بتغيير المواقف الإقليمية مما يجعل وجود قطر كداعم للنظام الخاكم من أكبر رهاناته التي يعمل عليها بالخارج، وأضاف: وفيما يتعلق بموقف قطر من الاحتجاجات الداخلية فإن الثابت في العلاقات الخارجية هو حساب عامل التغيير في سياسات الوضع القادم ما لم يتم التأكد من شكل التغيير لذا تعمل الدول على سياسات الوضع القائم. وبخلاف إيجاد سند خارجي لحلول اقتصادية ناجعة للأزمات يرى راشد أنها تأتي أيضًا في إطار تأييد وجود الشكل الرسمي للنظام الحاكم. توازنات إقليمية لعل البقاء في حالة من التوازن في حبل العلاقات الدولية هو الأصعب في ظل الوضع الداخلي والتجاذبات الإقليمية التي تُحيط بالبلاد. ويرى راشد أن منطق الدول ورؤيتها في التعامل مع السودان هي رؤية المصالح للدولة والإقليم، داعيًا إلى حساب وجود السودان الإقليمي والدولي كدولة وبعدها السعي لترتيب الوضع الداخلي وفقًا لذلك. وبحسب آراء فإن للسودان رؤى محددة حيال علاقاته الخارجية التي اتسمت بالتوازن طيلة الفترات السابقة، إلا أن جامع يرى أنهُ لا توجد رؤية استراتيجية واضحة للعلاقات الخارجية أو ثوابت يُمكن أن نبني عليها تحليلات، فكل ما نراه هو مجرد استنتاجات. مصر وإثيوبيا مصر التي كانت إحدى المحطات الخارجية التي زارها الرئيس البشير سابقًا ملتقيًا بنظيره، وقتها أقرّ البشير بوجود مشكلة فيما يجري بالبلاد إلا أنها ليست بالحجم والصورة التي تنقلها بعض وسائل الإعلام، لافتًا إلى وجود تعاون أمني بين مصر والسودان، في ظل وجود منظمات تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. أما في الأيام الماضية فقد حطت بمصر طائرة النائب الأول للرئيس وزير الدفاع عوض بن عوف، ومدير جهاز الأمن والاستخبارات الفريق أول صلاح قوش. الزيارة جاءت بحسب وسائل الإعلام الرسمية لتقديم واجب العزاء والمواساة للحكومة والشعب المصري إنابة عن حكومة وشعب السودان في ضحايا حادث قطار محطة رمسيس بالقاهرة، ورغم ذلك سربت وسائل إعلامية كواليس اللقاء الذي الْتَأَم بالمسؤولين في مصر ولم يكن بعيدًا عن الوضع الداخلي بالسودان. ويرى مراقبون أن الزيارة لمصر تحمل عدة رسائل تتعلق الأولى منها بالأوضاع الداخلية وكونها طبيعية على عكس ما تنقلهُ وسائل الإعلام. ويشير المحلل السياسي الحاج حمد في حديثه ل(السوداني) إلى أن هناك معسكرين في المنطقة الإقليمية، معسكر قطروتركيا ومعسكر السعودية والإمارات، ومحور الولاياتالمتحدةالأمريكية، مشيرًا إلى أن السيسي يعتقد أنهُ عراب السودان وذلك لعلاقتها تاريخيًا بالسياسية السودانية لذلك فهو يؤدي الآن الدور التفاوضي مع المحاور الموازية. إثيوبيا والسودان وفي إطار المواساة والتعزية برزت أيضًا زيارة نائب رئيس الجمهورية د.عثمان محمد يوسف كبر إلى إثيوبيا معزيًا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في ضحايا طائرة الخطوط الإثيوبية التي سقطت خلال رحلتها إلى نيروبي. أحمد أكد أن بلاده حريصة على تطوير علاقاتها مع السودان الذي يمثل الركيزة الأساسية للاستقرار الذي تتمتع به المنطقة الإفريقية على حد قوله. لكن أراءً مضت للقول بأن العلاقات السودانية الإثيوبية شابها هي الأخرى توتر، مستدلين على ذلك بإلغاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وبصورة مفاجئة زيارة قصيرة كانت مقررة للخرطوم. التوتر الذي تشير إليه آراء استنادًا على تحليلات وتسريبات أحيانًا، تنفيه أيضًا الدوائر الرسمية؛ ففي وقتٍ سابق كشفت وسائل إعلامية تقريرًا قدمه وزير الخارجية الإثيوبي لمجلس نواب بلاده يكشف استمرار تدفق الأسلحة المهربة عبر الشريط الحدودي مع السودان، وتحذير الأولى للخرطوم باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لإيقاف التهريب، كما أن تصريحات الرئيس البشير عقب زيارته لمصر اعتبرت أقرب إلى دعم القاهرة في قضية سد النهضة وهو ما لم يُرضِ إثيوبيا بحسب مصطفى جامع، مرجحًا أن زيارة عثمان كبر أتت كمحاولة لاسترضاء إثيوبيا. زيارات أخرى من جانبه زار وفد برئاسة وزير الحكم الاتحادي وقتها حامد ممتاز تركيا ملتقيًا بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي أشار إلى دعم بلاده الكامل للسودان. يُذكر أن ممتاز حمل رسالةً خطية من البشير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ممتاز كان برفقتهُ وزير الداخلية حاليًا بشارة أرور وعضو المجلس الوطني سامية أحمد محمد، وكانت تطورات الأوضاع بالسودان عقب الحراك الحالي حاضرة على طاولة اللقاء. كما توجه في وقتٍ سابق مساعد الرئيس إبراهيم السنوسي إلى تشاد ملتقيًا بالرئيس إدريس ديبي. اللقاء بحسب وسائل إعلامية تناول العلاقات الثنائية بين البلدين وأحد الملفات المهمة المتصلة بالتفاوض، والتي سيتم الكشف عنها لاحقًا بحسب السنوسي.