شيرين عبدالوهاب؟ وأين يا أهل الإنقاذ؟ في إستاد الخرطوم؟ ومتى؟.. «في الوقت الذي يشعل فيه العدو صباح كل يوم جبهة استنزاف جديدة في ما يسمى بالجنوب الجديد». وكيف؟ «في حفل جماهيري ضخم».. ومن الذي يشهده؟.. أنا أعرف تماماً توصيف الذين يشهدونه.. والذين وافقوا عليه.. والذين استثمروا فيه.. ولكنني لن أقول شيئاً من ذلك.. لأنني لا أحب أن أوذي قراء «أصل المسألة» برذل القول وفسله.. وذلك لسبب غاية في الجلاء.. العبد يُقرع بالعصا.. والحر تكفيه الملامة وهذا القدر منه يكفي.. ٌإلا أنني أحب أن أعود بالذاكرة عشرات السنين عندما التحقنا ونحن صبية بالحركة.. أو بالأحرى بتنظيم الإخوان المسلمين. لم نكن وقتها أبناء صحابة.. ولا أبناء تابعين .. وما زلنا كما كنا في ذلك الوقت .. أبناءآبائنا.. نسمع الغناء ونستمع إليه.. وهما درجتان تختلفان.. ولم نكن نعلم الفرق بينهما.. ثم علمنا أخيراً أن هناك درجة ثالثة في العلاقة بالغناء والموسيقا.. ليس هذا هو الموضوع الآن.. الموضوع أننا شُغلنا بأمر الدعوة.. ونعلم مبادئها ورجالها في السابق واللاحق.. من السلف ومن الخلف وبدأنا نتشرب مناهجها.. ونعاني معها في مجاهداتها.. وننهمك في قضاياها.. وقليلاً.. قليلاً.. ودون أي دروس مباشرة.. ودون وعظ غليظ.. ولا وعيد.. ولا نذير.. بدأ وجداننا يتحلل من ربقة «الجاهلية» وكنا نستخدم مصطلح الجاهلية لأهل الحكم.. الحكم بغير ما أنزل الله.. لم نستعمله لأهل اللهو والطرب والمجون والفنون.. ورغم ذلك بدأ الوجدان يبعد قليلاً.. قليلاً عن ذلك العالم.. لم نعد نتحلق حول المذياع لسماع ما يطلبه المستعمون.. لا نجد الوقت.. هذا في البداية.. ثم لا نجد الهمة ولا الاندفاع .. ثم أصبحنا نستهجن الفكرة.. ونعدها من سقوط الهمة.. ثم أصبحنا نبغض الفكرة.. كل ذلك من تربية عملية غير مباشرة في كثير من الأمور والقضايا.. ومباشرة في قليل منها.. لم يقرأ علينا أحد ولم يفسر لنا عالم قوله تعالى «ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين». كنا نلتقي في الأسر ونردد دعاء الرابطة.. وما دعاء الرابطة!! ولكن لم يقرأ أحد علنيا ولم يفسر لنا هذه الآية.. ولم يورد لنا حديث القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن ولا أغانهن وفيهن نزلت هذه الآية» ومن الناس من يشتري لهو الحديث. فكيف لو أنا سمعنا وحفظنا حديث أبي الصهباء البكري يحدث أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية «ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم» فقال عبد الله الغناء والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات أية درجة من درجات الحديث هذه؟ نعرف المرسل.. والموقوف.. والمرفوع.. المرسل ينتهي عند التابعي.. مثل سعيد بن المسيب والموقوف ينتهي عند الصحابي.. أي واحد من الصحابة، ولكن أية درجة هي درجة الحديث الذي يقول فيه راويه «والذي لا إله إلا هو» يرددها ثلاث مرات أي أنه لا يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحسب ولكنه يشهد عليه الله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أفبعد أن علمنا كل هذا.. وكنا قبل لا نعلمه.. وبعد أن أقمنا دولة للإسلام.. وكنا من قبل مجموعة من الصعاليك تطاردنا الدنيا.. ويهزأ منا الأقربون!! أبعد كل هذه النجاحات نقيم حفلاً ضخماً في إستاد الخرطوم «لنشتري لهو الحديث» ونضل عن سبيل الله بغير علم. ونحن نُضل بعلم.. وليس بغير علم.. ومن ذلك العلم اليوم.. أننا نعلم أن الله قال يُضل بضم الياء ولم يقل يَضل بفتحها.. وذلك الفرق بين اللازم والمتعدي.. أي أننا اليوم نُضل الآخرين.. فيا سبحان الله.. أهذا حصاد نصف قرن من المجاهدات؟ وفي شأن كان يسعفنا فيه الإضراب عنه والإهمال له وشغل الناس بما يفيد وما ينفع.. كنا بالأمس أبناء دعاء الرابطة اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد التقت على طاعتك واجتمعت على محبتك.. وتعاهدت على نصرة شريعتك..«تعاهدت على نصرة شريعتك» .. نعم والله .. تعاهدنا على نصرة شريعة الواحد الديان.. وأصحاب دعاء الرابطة اليوم أحياء.. وفي سدة الحكم.. ويضرون .. وينفعون. وبالرغم من كل ذلك فإن عاصمة الشريعة تحتفي بالمغنية شيرين عبد الوهاب وتدعو فلذات أكبادها لتكرار مأساة ومهزلة لبنى .. ونادي الضباط .. وليلة رأس السنة.. وكل ذلك باسم الشريعة .. لا باسم الوضيعة. هل افتريت على أحد؟ هل بهت أحداً من أهل الانقاذ؟ كلا والله وألف كلا!! فلو أنني اليوم قلت لأحد من أهل الإنقاذ الذين هم أهلها: أنتم لا تحكمون بالشريعة؟ فماذا كان سيكون رده؟ هل سيوافقني؟ هل سيسر لقولي؟ كلا.. ولكنه سيرميني بالجهل وعدم الحكمة والتسرع وربما رماني بالتطرف.. وهو أحبها إليّ.. لأن كل هذه المصطلحات والنعوت تحتاج إلى ترجمة.. وهي في قاموس النظام العالمي الجديد الذي تكاد الإنقاذ أن تصبح جزءاً منه تحمل معاني أخرى.. التطرف معناه الوسطية.. معناه المطالبة بالحق والوقوف مع الحق.. ومواجهة الباطل. أخشى أن يكون رفضي للحفل الضخم الذي تحييه مغنية مصرية معروفة ومشهورة في كل مواقع السفه والفجور على الشبكة.. أخشى أن يكون عند كثير من أهل الإنقاذ ضرباً من ضروب التطرف. نحن أهل الوسطية بالنصوص المحكمة.. وإذا كانت الوسطية عند البعض تطرفًا فنسألهم .. اين تقفون أنتم؟ أخشى أن تكون الهاوية وما أدراك ما هي..