حوار: هادية قاسم المهدي تصوير: متوكل البجاوي بروفيسور خضر آدم عيسى أستاذ الآثار والتاريخ القديم بجامعة الخرطوم وجامعة النيلين وجامعة شندي والمتعاون مع عدد من الجامعات السودانية والأجنبية، مدير المشروع الوطني للمسح والتنقيب الإنقاذي جنوبالخرطوم، لديه العديد من الكتب المنشورة عن آثار السودان وتاريخه القديم والحضارات القديمة في العالم، وعشرات المقالات العلمية المنشورة في المجلات العالمية، إضافة لمشاركاته في المؤتمرات العالمية لجمعية الدراسات النوبية وجمعية الدراسات المروية والمؤتمر العالمي لعلم المصريات.. جلسنا إليه وتناولنا معه قضايا الآثار والحضارة السودانية، وقد ذكر في حديثه أن الحكومات المتعاقبة السابقة لم تكن تعطي الآثار وضعها الطبيعي، فالآثار والموارد الثقافية عموماً يجب أن تكون من أولويات الدول لكي تنهض بأعمالها ومسؤولياتها.. وكشف عن تغول دولة مصر العربية واستفادتها من إمكانات السودان البشرية والموارد الحيوانية في مسار التاريخ والحضارة، بجانب إشارته للنواقص التي صاحبت كتابة تاريخ السودان القديم.. هذه المحاور وغيرها تحدَّث عنها البروفيسور خضر آدم عيسى في الحوار التالي: ٭٭ أسبقية الحضارة السودانية لرصيفتها المصرية.. هل من أدلة؟ حقيقةً أن هذا الموضوع صعب وشائك، حيث تكمن صعوبته في قلة الأدلة، وهناك آراء متفاوتة حول الموضوع خاصة أن هناك من ينظر للمسألة من ناحية حقب محدَّدة وأقدم هذه الحقب موجودة في السودان منها الحقب الخاصة بما قبل التاريخ (العصر الحجري القديم) في مواقع جديدة.. الآن يوجد كشف جديد في جزيرة (صاي) قام به باحث فرنسي يُدعى فرانسيس بوث، ومن واقع الاكتشافات يعتقد أن في هذه الجزيرة يوجد أقدم عصر حجري في السودان وربما كان الأقدم في كل إفريقيا والعالم.. ومن ثم وُجدت أن الحضارات في السودان أقدم من مصر. ويضيف: استفادت مصر في مسار التاريخ والحضارة من إمكانات السودان البشرية والموارد الحيوانية، إضافة للمواد الأولية التي كانت توجد في صحاري السودان الشرقية والغربية وعلى وادي النيل، وقد كان السودان المورد الأساسي لبعض الحجارة التي صُنعت منها التماثيل الضخمة، إضافة للمعادن النفيسة التي توجد بكثرة في السودان خاصة في وادي العلاقي، حيث استخلص فراعنة المملكة المصرية الحديثة هذه المعادن فأرهقوا العديد من المناجم في السودان وأخذوا مئات الأولوف من الذهب الخالص. ٭٭ تاريخ السودان القديم لم يُكتب حتى الآن بشكل علمي دقيق.. لماذا؟ هناك مجهودات بُذلت من الباحثين الأوائل في كتابة تاريخ السودان القديم من واقع ما توفر لهم من معلومات، لكن هناك العديد من النواقص في كتاباتهم. ٭٭ لماذا هذه النواقص؟ نتيجة لعدم توفر المعلومات العلمية الأكيدة لكون هناك العديد من الفترات الغامضة. ٭٭ هل هذه الإشكالية مستمرة إلى اليوم؟ لحسن الحظ هناك العديد من البحوث التاريخية والأثرية جارية الآن حيث تقوم العديد من البعثات الأجنبية والوطنية ببحوث ودراسات مكثفة في تاريخ السودان الحضاري. ٭٭ وهل تثقون في البعثات الأجنبية؟ هناك العديد من البعثات الأجنبية من مختلف العالم تقوم بإجراء مسوحات وتنقيبات أثرية علمية بموجب ترخيص من الهيئة القومية للآثار والمتاحف وكل هذه البعثات هي جهات أكاديمية مسؤولة وبيوت ثقة من قِبل الهيئة القومية للآثار والمتاحف، حيث يتم العمل معها بالارتباط الوثيق بين الطرفين والتنسيق فيما بينهم. ٭٭ هل توجد مراقبة تامة لهذه البعثات؟ طبعًا، هناك مراقبة تامة لها ولا توجد مخاوف تجاهها؛ لأن هذه البعثات تظهر اهتمامهًا بإبراز الوجه الحضاري للسودان وتاريخه. ٭٭ الأبحاث الأثرية لم تحدث في السودان إلا على نطاق ضيق فيما يتعلق بالعصور التي سبقت التاريخ؟ السودان لكبر مساحته اهتمت به البحوث نسبياً ليس فقط في فترات ما قبل التاريخ، كما أن هنالك مناطق لا تطولها يد البحث. ٭٭ كثيرًا ما نسمع عن سرقة آثار السودان، حدثني عن أشهر السرقات التي طالت آثارنا، وما هي الضوابط للحد منها؟ لم يتم بعد حصر كل ما تمت سرقته قبل سن قوانين الآثار لسنة «1905م» لكن قبل ذلك أشهر السرقات على الإطلاق تمت في «1934م» بواسطة طبيب إيطالي يُدعى فرليني حيث طلب من الحاكم التركي في الخرطوم البحث عن آثار وأُعطي الإذن وقام بالذهاب لمنطقة البجراوية (مجموعة المدافن الشمالية) وقام بهدم الأجزاء العلوية من الأهرامات وكان يعتقد أن بها كنوزًا، وبدأ يهدم في الأهرامات حتى وصل الهرم السادس الذي وجد به كنز من الذهب والبلاتين والفضة والماس، وهذا الكنز يعتبر من أغلى كنوز العالم على الإطلاق، وقد قام بتسريبه إلى ألمانيا وباعه للحكومة الألمانية. ٭٭ ألم تكن هنالك أوجه حماية للآثار وقتها؟ هذا الكنز تمت سرقته قبل تفعيل قوانين الآثار. ٭٭ والآن؟ اليوم تتم محاكمة وردع كل من يسرق آثار السودان وفقاً لقانون حماية الآثار. ٭٭ لكن هنالك من يصف قانون حماية الآثار بالضعيف المتساهل.. ما رأيك؟ قانون الآثار تم تعديله ليكون أداة فاعلة في المحافظة وتنظيم العمل الأثري في السودان وتمت إجازته في عام «1999م»، وهو قانون نافذ إلا أنه في بعض الأحيان يكون هنالك قصور لعدم التوعية الكاملة. ٭٭ الدولة تضع الآثار في ذيل قائمة أولوياتها بحسب مراقبين بالرغم من أهميتها؟ الحكومات المتعاقبة السابقة لم تكن تعطي الآثار وضعها الطبيعي، فالآثار والموارد الثقافية عموماً يجب أن تكون من أولويات الدول لكي تنهض بأعمالها ومسؤولياتها. ٭٭ وماذا عن اليوم؟ الآن بدأت هناك صحوة من قِبل الجهات المسؤولة لتوفير ما يلزم من إمكانات للجهات المنوط بها حماية الآثار. ٭٭ مؤخرًا، أدت الصدفة إلى اكتشاف مواقع أثرية في مناطق متفرقة، كيف تنظرون لذلك؟ ٭٭ الصدفة تلعب دورًا كبيرًا في الكشف عن الآثار والمواقع الأثرية، وهي إحدى الدلالات المهمة بالنسبة لكشف الآثار، في معظم أنحاء السودان تحدث اكتشافات بالصدفة وفي بعض الأحيان يجد الناس الكنوز الأثرية. ٭٭ إذا وجد مواطن كشفًا أثريًا كيف تكون آلية التصرف؟ يجب عليه إبلاغ الجهات المحلية فوراً والتي بدورها تقوم بإبلاغ الهيئة العامة للآثار والمتاحف. ٭٭ في حال لم يتم الإبلاغ.. هل تكون هناك عقوبة محددة؟ بالتأكيد، فقد يكون الحكم على المتهم بالسجن أو الغرامة أو الاثنين معاً. ٭٭ بروف خضر هل لديك رسالة محددة في ختام حديثك؟ يجب أن تكون هناك حملات توعية منظمة لإبراز أهمية التراث الحضاري السوداني أو الثروة القومية التي ينشط الحفاظ عليها على التعريف بحقب تاريخ السودان القديم وحضاراته.