أوضحنا في مقالنا السابق، بنود اتفاقية الجلاء وفي هذا المقال نضع أمام القارئ وشبابنا جيل اليوم الذي انفصل عن ماضيه وأصبح الاحتفال عنده برأس السنة الميلادية أهم من يوم العزة والصمود والكبرياء. نسلط الضوء على هؤلاء الذين لعبوا دوراً هاماً ونضالياً حافظوا على سلامة الفكر، وقيادة الشعب متوحداً شامخاً من أجل كسر قيود الذل والمهانة، هؤلاء الأشاوس من جيل حطم غرور المستعمر وقارعهم في الطرقات والميادين ودور العلم والعبادة والمحاكم الأبطال الذين أخرجونا من اليأس القاتل إلى الأمل المشرق إلى الحرية والاستقلال. إن خريطة الطريق إلى الجلاء كانت شاقة في مراحلها وما حوته من خلافات في وجهات النظر أخرجتنا منه قيام الثورة المصرية وشبابها المتطلع العلامة المضيئة في مسيرة الوعي العربي الوطني فقد تميزت بالفكر والتعمق في البحث والتفاكر والحوار وهو ما ميز محمد نجيب وخطواته الجادة التي بلورت الأهداف عند الهلالي باشا ومحاولاته اليائسة حتى السنهوري الذي حاول تعكير المفاوضات أبعده محمد نجيب استجابة لطلب حزب الأمة صاحب شعار السودان للسودانيين وقد تم الاتفاق على الاتفاقية التي أشرنا لها من قبل وللتاريخ ولمصلحة الأجيال نورد الوثائق التاريخية حول هذا الموضوع إن الاتفاقية التي وقّع عليها حزب الأمة وقادة الثورة المصرية برئاسة مجلس الوزراء المصري في 19 أكتوبر 1952 مثل فيها الجانب المصري الرئيس محمد نجيب وعلي ماهر باشا الرئيس السابق والصاغ صلاح سالم وقائد الجناح حسين صبري ذو الفقار، أما من جانب حزب الأمة فنبرز للسادة القُراء أسماء أبناء السودان البررة الذين حققوا الحلم وصنعوا المجد وهم عبد الله الفاضل المهدي، عبد الرحمن علي طه، محمد صالح الشنقيطي، محمد أحمد محجوب، أحمد يوسف هاشم، عبد السلام الخليفة، داود الخليفة بابو نمر، أيوب عبد الماجد، زيادة عثمان أرباب، يعقوب عثمان عبد الرحمن عابدون وميرغني زاكي الدين.. هؤلاء هم مشاعل النهضة السودانية وحملة راية الاستقلال وبعضهم قام بتوقيع اتفاقية الجنتلمان التي اشتملت على خمسة بنود أهمها مياه النيل وعدم صرف أي أموال على أي حزب أو هيئة سياسية في السودان خلال فترة الحكم الانتقالي وعدم الأخذ بالشائعات التي تضر بالعلاقات السودانية المصرية، وقد وقع هذه الاتفاقية نيابة عن حزب الأمة عبد الرحمن علي طه وعن حكومة الثورة المصرية صلاح سالم وحسين ذو الفقار. وحتى نضع القارئ أمام الصورة مكتملة فإن اتفاق الأحزاب الاتحادية مع حكومة الثورة المصرية كان هو الأهم لتعدد الأحزاب الاتحادية ودور طائفة الختمية وغيرها من المتاريس واختلاف الانتماء والولاء إلا أن الرئيس محمد نجيب فقد تحرك بعد أن جمع كل الخيوط بيده وزار الأحزاب الاتحادية بفندق سمير اميس في 21 أكتوبر 1952 وطالبهم بوحدة الكلمة الأمر الذي أدى إلى تكوين لجنة ثلاثية من ميرغني حمزة وخضر حمد والدرديري أحمد إسماعيل لتصفية الخلافات والنظر في تكوين حزب جديد يجمعهم جميعاً، وكانت النتيجة بعد مخاض ظهور الحزب الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم الأزهري ومحمد نور الدين وكيلاً للحزب، وخلف الله خالد أميناً للصندوق وخضر حمد سكرتيراً عاماً والطيب محمد خير مساعداً للسكرتير وعبد الوهاب زين العابدين مساعداً لأمين الصندوق. ومن هنا توحدت الأحزاب السودانية وأصبحت قادرة على النضال والدفاع عن حقوق الأمة والسعي لتحقيق أهدافها وكان اتفاق 10 يناير 1953 مثل الإجماع القومي والأممي بأهمية جلاء القوات الأجنبية المصرية والإنجليزية قبل انتخابات الجمعية التأسيسة وقيام قوة دفاع السودان وقيام لجنة للسودنة وأخرى للانتخابات وهذه الوثيقة كانت الضربة المناسبة ضد الاستعمار البريطاني بعد أن أستأسد أبناء النيل وتوحدت كلمتهم وقويت شوكتهم وأضاءت ثورة الشباب دياجير الظلام لفجر قادم جديد وهو الأمر الذي أدى إلى توقيع اتفاية السودان للحكم الذاتي وتقرير المصير وهي التي نظمت فيما بعد أسس الحكم وكان ذلك بتاريخ 12 فبراير 1953، وقد كان الوفد المصري مكوناً من اللواء محمد نجيب رئيس الوفد المصري، صلاح سالم، حسن ذو الفقار، محمود فوزي وحامد سلطان وعلي زين العابدين. أما الوفد السوداني فقد كان برئاسة سير رالف سيتغسون والمستر كروزيل الوزير المفوض للسفارة البريطانية بالقاهرة والمستر بارذر السكرتير الأول للسفارة، وقد شكلت اتفاقية 1953 عهداً جديداً في السودان فقد حاولت الولاياتالمتحدة وفرنسا إقامة علاقات دبلوماسية مع السودان من خلال فتح مكتب تمثيلي في الخرطوم وأيضاً الهند وباكستان. وفي الخرطوم كشفت الاتفاقية عن التفكير الخاطئ ونوايا بريطانيا والهجوم على الاتفاقية ولكنها شعرت أنها بهذه الطريقة ستفقد البلاد وكان لزاماً عليها أن تصدر بياناً بلغة الضباب ويحاول شتل الخوف وعدم الثقة بين جموع الشعب وهو ما فطن له الشعب الواعي والمدرك لأهمية المرحلة ففي 16 يناير 1953 أصدر السكرتير الإداري لحكومة السودان بياناً يبارك فيه الاتفاقية ولأهميته القصوى للباحثين في مجالات الدراسات العليا ولطلاب الجامعات وكل حادب على قراءة تاريخ الوطن نثبت البيان لأهميته.