قلت قبل أيام إن انفجار الأوضاع في مدينة جوبا بات وشيكاً، وإن كل العناصر المتوفرة تؤكد أن النزاع سيندلع ما بين سلفا كير الرئيس ونائبه المقال رياك مشار وأعوانه.. وهذا الصراع لم يعد خافياً على أحد بل تسرب بعمق في مفاصل الدولة الجنوبية على هشاشتها وضعفها واحتياجها لعون الآخرين، فكل من الطرفين حشد معيناته في انتظار.. ساعة الصفر لبدء النزال.. والمقصد دائماً هو كرسي الرئاسة. مشار مهد لنزاله القريب بمؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي، وقال فيه إنه لن يسكت أكثر من هذا على تمادي سلفا كير وتعمده تهميشهم والتلاعب بمصير الجنوبيين. الغريب في المؤتمر الذي يظهر مدى النفوذ الذي يتمتع به مشار أنه عقده في قلب مدينة جوبا ليس كما يفعل المعارضين للرؤساء، خاصة إذا كان الرئيس سليل المؤسسة العسكرية في البلد المعني، ففي هذه الحالة يخشى السياسيون على حياتهم ومصيرهم من جراء بطش العسكريين، فدائماً ما يلجأون للخارج ويحتمون بحكومات الدول، لكن مشار من فرط ثقته وقدرته على مقاومة سلفا كير فضل أن يعلن الحرب عليه من داخل مدينة جوبا. خطورة الأمر تكمن في أن الجنوب أصبح مرتعاً للمخابرات الأجنبية التي تتحرك بحرية ما بين جوبا وكمبالا ونيروبي تسوق في مشروعاتها التي تستهدف إشعال الجنوب كغيره من الدول الإفريقية حتى يسهل لهم في إطار الغفلة وعدم الاستقرار والاحتراب الداخلي الاستيلاء على البترول ونفط الجنوب وتقسيمه في ظل حكومة ضعيفة لا تستطيع أن تطوق الوضع داخل جوبا ورئيس مهزوز ليس في مقدوره حماية أمنه الداخلي. لكن سلفا كير من جانبه تحسب لهذه الحبكة واعتقد أنه تحصن بأصدقائه، وله من القوة داخل جوبا وفي انحاء الجنوب الأخرى ما يكفيه لحسم المسألة لصالحه تماماً، فهو ينحدر من قبيلة الدينكا التي لا تسمح بأن يزايد عليها أحد في حكم الجنوب، فهي تسيطر على الجيش والأمن ووزارة المالية والبنك المركزي.. وهيئة الاستخبارات. سلفا كير تصالح مع معارضين له في السابق لا يطيقون أن يروا مشار وباقان أمثال الدكتور لام أكول. وتبقى مسألة أخرى تلقي ظلالها على الوضع في جوبا هي مسألة المعارضين السودانيين أي ما يسمى الجبهة الثورية الذين يتحركون داخل الأراضي الجنوبية، وإلى أي مدى يمكن أن يرجحوا أوراق اللعب لصالح مشار، غير أن وجود د. لام أكول صاحب القوات المنتشرة في الحدود في بر الشلك، الى جانب التقارب ما بين الخرطوموجوبا من جهة وبين الخرطوم وانجمينا من جهة أخرى، كلها عناصر تدعم نفوذ سلفا كير. وعلى ما أعتقد لن يترك الرئيس دبي والرئيس البشير سلفا كير ليضيع في قلب العاصفة المشارية الباقانية رغم سوء الأوضاع في إفريقيا الوسطى وتأثيرات مواقف الرئيس يوري موسيفيني على مجمل الأوضاع في جوبا، ومع هذا لا أستطيع أن أجزم بأمد الأزمة في جوبا، غير أن كلمة السر الفاصلة بيد الرئيس سلفا كير، وربما تؤدي تداعيات الأوضاع في جوبا لغياب باقان ومشار وآخرين معهم إلى الأبد من المسرح السياسي الجنوبي، وهكذا تاريخ التحرر في الجنوب مسيرة مرصعة بغياب النجوم.